قصور «الدرقية».. حيوية الجسم في خطر

22:32 مساء
قراءة 5 دقائق
الغدة الدرقية هي غدة صغيرة على شكل فراشة تقع في مقدمة العنق أمام القصبة الهوائية، وبالتحديد تحت عقدة الحنجرة أو ما يعرف بتفاحة آدم. تعتبر الغدة الدرقية واحدة من أكثر الغدد الصماء أهمية في الجسم، وهي المسؤولة عن إفراز هرمونات تدخل مباشرة إلى الدم دون الحاجة إلى قنوات خاصة لنقلها. تفرز الغدة الدرقية هرمون الثيروكسين، الذي يتحكم في سرعة عمليات الأيض في الجسم، فعندما تتوزع هرمونات الغدة الدرقية في خلايا الجسم، تعمل على تحفيز عملية الأيض، فيسرع هرمون الثيروكسين قليلًا من وتيرة العمليات الحيوية المختلفة في الجسم، مثل زيادة معدل سرعة نبضات القلب ووتيرة التنفس، كما تتحسن القدرة على التركيز والتفكير، وذلك نظراً لدوره الفاعل في تنشيط خلايا الجسم.
يحدث قصور الغدة الدرقية نتيجة لضعف إنتاجها للهرمونات الدرقية، ما يؤدي إلى إبطاء العمليات الحيوية. ويعتبر قصور الغدة الدرقية من الأمراض الناجمة عن نقص في هرموني الغدة الدرقية «ثيروكسين»T4 - Thyroxine) و«ثلاثي يود الثيرونين» (T3) - (Triiodothyronine) في أنسجة الجسم، وتقسم مسببات هذا المرض إلى 3 مجموعات أساسية، تتمثل المجموعة الأولى في قصور الغدة الدرقية الأولي حينما لا تتمكن من إنتاج الهرمونات بسبب ضرر في الغدة، وتتمثل المجموعة الثانية في قصور الغدة الثانوية، حين تقل نسبة هرمون منشط الدرقية في الغدة النخامية، وهو هرمون بروتين سكري يتم توليفه وإفرازه بواسطة الخَلاَيا موجهة الدرقية في الغدة النخامية الأمامية، والتي تعمل على تنظيم وظيفة الغدد الصماء في الغدة الدرقية. أما عن المجموعة الثالثة فتتجلى في قصور الغدة الدرقية الثلاثي حين يتضرر إنتاج الهرمون المطلق لموجهة الدرقية، وهو هرمون يتم إفرازه تحت المهاد وتحديداً النواة الوطائية المجاورة للبطين، وهو هرمون المراقبة الخاص بالغدة النخامية.
يعتبر التهاب الدرق المنسوب لـ«هاشيموتو» المسبب الأكثر شيوعاً لحدوث قصور الغدة الدرقية، حيث إنه ينتج عن سلسلة التهابات تصيب الغدة وتؤثر سلباً على أدائها الوظيفي، وتحدث سلسلة الالتهابات هذه نتيجة نشاط مضادات الأجسام الحيوية الغريبة التي يتم إنتاجها في الجهاز المناعي، فتستهدف الغدة وتهاجمها لتضعف من كفاءتها الوظيفية بشكل تدريجي يصعب منعه أو وقفه. يعتبر هذا المرض وراثياً وعادة ما يصيب أكثر من فرد واحد في أسرة واحدة. ويتمثل مرض الـ«هاشيموتو» في ارتفاع كبير في المضادات التي تهاجم البروتين الأساسي لخلايا الغدة الدرقية، ويعرف بالـ «غلوبين الدرقي»، كما أنها تهاجم أيضا إنزيم «بيروكسيداز» الذي يحث بدوره عملية إفراز الهرمونين T3 وT4. وغالباً ما تكون الإناث أكثر عرضة للإصابة بالمرض أكثر من الذكور، وقد يصابن به في أي مرحلة من العمر، إلا أن احتمال الإصابة به تتضاعف مع التقدم في السن.
أعراض قصور الغدة الدرقية

غالباً ما تظهر علامات وأعراض مختلفة للمرض وذلك بحسب المسبب الرئيسي، وتشمل علامات وأعراض قصور الغدة الدرقية الشعور بالتعب والإنهاك والنعاس وتدني مستوى التحصيل العلمي وزيادة الوزن والتحسس لدرجة الحرارة المنخفضة، إضافة إلى ظهور أوجاع في العضلات والمفاصل، ويعاني المريض كذلك من النسيان واضطرابات الذاكرة وتساقط الشعر بغزارة، كما يعاني المصاب من الإمساك والنزيف الحاد أثناء فترة الطمث وظهور مشاكل في الخصوبة والتقلبات المزاجية والاكتئاب، وضعف في السمع وجفاف في الجلد وفي الشعر وتشوش النظر وانخفاض الشهية والتعرق من راحة اليدين، فضلاً عن بطء الكلام وانتفاخ في الوجه وحول العينين، كما تصبح الحركة أكثر ثقلاً وتظهر في بعض الحالات وذمات في الساقين.
قد تختلف أعراض قصور الغدة الدرقية باختلاف الفئة العمرية، حيث تظهر لدى المسنين أعراض إضافية تتمثل في تراجع الأداء الوظيفي للدماغ، ويعاني المريض من حالة تشبه أعراض داء الخرف وتضخم في الغدة الدرقية وتباطؤ في نبضات القلب وجفاف في الجلد، علاوة على رد الفعل الإنعكاسي، وهو استجابة فورية لمحفز ما أو حركة لا إرادية، وشحوب لون الجلد وميله إلى الصفرة، وارتفاع مستوى ضغط الدم. ومن الممكن أيضا أن يعاني المصاب من فقر الدم ومن انخفاض مستوى الصوديوم في الدم وارتفاع مستوى الكولسترول وفرط ثلاثي «غليسيريدِ الدم».
أسباب قصور الغدة الدرقية

يعتبر مرض المناعة الذاتية السبب المباشر والرئيسي لإصابة الغدّة الدرقية بالخمول، نتيجة لإفراز أجسام مضادة تعمل على محاربة الغدة الدرقية، وهي الأجسام التي تحدّ من كمية الهرمونات التي تنتجها. فغالباً ما يكون المسبب الرئيسي لقصور الغدة الرقية ذا علاقة بالمناعة الذاتية، حيث تبلغ نسبة المرضى الذين يعانون من قصور الغدة الدرقية بسبب المناعة الذاتية حوالي 95%، وفي حالات أخرى يكمن السبب في مشكلة دماغية أو في الغدة النخامية. أما عن الأسباب الأكثر شيوعاً لقصور الغدة الدرقية، فتتمثل في التهاب الغدة الدرقية المزمن، وهو مرض مناعي ذاتي في الغدة الدرقية، حيث يقوم الجسم عن طريق الخطأ بإنتاج أجسام مضادة تقوم بمهاجمة الغدة الدرقية. وتعرف هذه الحالة التي ينتج فيها الجسم أجساماً مضادة لمهاجمة عضو من أعضاء الجسم بـ «الحالة المناعة الذاتية».
وتتمثل الأسباب الأكثر شيوعاً لقصور الغدة الدرقية في العلاج بالإشعاعات، لا سيما تلك المستخدمة عند منطقة الرقبة وإزالة جزء من الغدة الدرقية بعملية جراحية، أو تناول بعض الأدوية التي تؤثر على وظيفة الغدة، أو بسبب وجود تاريخ عائلي لاعتلالات الغدة والأمراض الوراثية، أو اضطراب الغدة النخامية التي تنتج هرمون يؤثر على وظيفة الغدة الدرقية. وقد يكون للحمل دور في الإصابة بقصور وظائف الغدة الدرقية، حيث تتراجع الكفاءة الوظيفية للغدة الدرقية أثناء فترة الحمل أو بعده، وإذا لم يتم العلاج بالشكل الصحيح، فإن ذلك يمكن أن يشكل خطراً على صحة الجنين والأم. ومن الأسباب الأخرى لقصور الغدة الدرقية نقص عنصر اليود، وهو أحد العناصر المتوفرة في ملح الطعام، حيث يستخدم لإنتاج هرمونات الغدة الدرقية، وقد يحول نقص هذا العنصر دون إفراز هرمون الغدة الدرقية بكميات كافية.
قد يختلف توقيت ظهور الأعراض من مريض إلى آخر، وقد يخطئ الطبيب المعالج في تشخيص المرض لدى كبار السن، وذلك حسب الاعتقاد الشائع بأن هذه الأعراض قد تكون جزءاً من مرحلة الشيخوخة. وفي بعض الحالات قد يتفاقم الشعور بالتعب والإنهاك، وقد يعاني المريض من ضعف الذاكرة وأعراض أخرى قد تمنع الشخص من ممارسة أنشطته اليومية بشكل طبيعي، لذا فإن من الواجب معرفة نوع العلاج المطلوب، علاوة على أن الإهمال في علاج قصور الغدة الدرقية أو علاجها بنحو خاطئ قد يؤدي إلى تأثيرات ومضاعفات واسعة النطاق على المدى البعيد. وقد يؤدي عدم العلاج إلى حالة من الاكتئاب وإلى حصول تغيرات سلوكية، كما يمكن أن تتطور أيضا أعراض أشد خطورة، مثل الانخفاض الحاد في درجة حرارة الجسم والتشنجات وفقدان الوعي، وفي حالات أخرى قد تؤدي إلى الوفاة، ويمكن تجنب كل هذه الأعراض عند تلقي العلاج الصحيح والملائم.
العـلاج

يعتبر علاج قصور الغدة الدرقية سهلاً نسبياً، حيث ينصح بتناول أقراص «ليفوثيروكسين» (Levothyroxine) (إلتروكسين - Eltroxin) التي تحتوي على هرمون الـ«ثيروكسين»،وتتم مضاعفة الجرعة الدوائية بشكل تدريجي وفقاً لنتائج فحوصات المختبر والحالة العامة للمريض. قد يلجأ المرضى أحياناً إلى الطب البديل لتلقي العلاج، إلاّ أنه لم يتوفر العلاج الأمثل المثبت علمياً لمثل هذه الحالات حتى يومنا هذا، فضلاً عن الإهمال في علاج قصور الدرقية قد يزيد من حدة المرض، ويمكن أن يتفاقم إلى حالة تعرف باسم غيبوبة الوذمة المخاطية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"