البطء.. مدونة للشفاء من المرض بالوقت

01:31 صباحا
قراءة 10 دقائق
محمد إسماعيل زاهر

لطالما كانت مفردة البطء مكروهة، وذلك على مستويات عدة لا تبدأ من تفاصيل الحياة اليومية ولا تنتهي عند نقد بعض الفلاسفة والمنظرين، ولكن ماذا عن حركة تنتشر في العالم الآن ويطلق عليها «حركة البطء»، وتنتظم تحتها دعوات إلى الطعام البطيء والمدن البطيئة والبستنة البطيئة والسياحة البطيئة.. إلخ.
عندما نبحث في الإنترنت حول هذه الحركة سنعرف أنها تأسست في عام 1986 في العاصمة الإيطالية روما، على يد كارلو بيتريني، احتجاجاً على افتتاح مطعم لمكدونالدز في إحدى ساحات روما، حيث ترفض الثقافة الإيطالية في العمق فكرة الوجبات السريعة، ولم تلبث أن أنشأت الحركة منظمة «الأغذية البطيئة»، ثم تأسس «المعهد العالمي للبطء» وأصبحت هناك دعوات لكوكب بطيء، لتعم فكرة البطء الكثير من حقول النشاط الإنساني، ووصل تأثير الحركة إلى بلد مثل اليابان معروف بمرض «الموت من كثرة العمل»، ليتأسس هناك «نادي الكسل»، فضلاً عن إنشاء جمعية «إبطاء الزمن» في أوروبا وتقول الأرقام إن للحركة أكثر من 800 فرع في 50 بلداً حول العالم.
ولكن ما الذي يجعل لهذه الحركة وجاهتها بحيث يتزايد أتباعها وفروعها وحقول عملها يوماً تلو الآخر؟ تقول الوكيبيديا إن عدد المنخرطين في الحركة 83 ألفاً، ويقول موقع الحركة بالإنجليزية إنهم مليون، وتصل بتأثيرها إلى تأسيس حركة فرعية تتعلق بأكثر الأنشطة تحتاج إلى السرعة ونعني بها المال والأسواق، إذ إن هناك الآن حركة «المال البطيء». وعودة إلى محاولة الإجابة عن السؤال السابق، يذهب كارل أونوريه في كتابه «في مديح البطء..حراك عالمي يتحدى السرعة» إلى أن الغرب «مريض بالوقت».
هذا المرض شخصه الطبيب الأمريكي لاري دوسي في عام 1982 ليصف الوسواس القهري الذي يهيمن على معظم البشر ممن يطلق عليهم «المؤمنون بعقيدة السرعة»، ومفاده أن «الوقت ينفد، ولا يوجد ما يكفي منه، وأن علينا الإسراع باستمرار للحاق به»، ومن هنا يكتب أونوريه كتابه ليناهض «عقيدة السرعة».
لكن ماذا فعلت السرعة بالبشر؟ تلك التي تحولت إلى غريزة على حد وصف أونوريه، تأتي الشكوى دائماً من كثرة العمل وضغوطه، والعجز عن تنظيم الوقت، ولكننا لا ندرك أنه عندما تجري الأمور بسرعة فائقة، لا يعود أحدنا متأكداً من أي شيء ولا حتى من نفسه، وسنجد أننا نفعل الكثير من الأشياء في اليوم الواحد، بل في اللحظة نفسها، ولكن من دون إتقان، وسنجد أننا من جهة أخرى فقدنا القدرة على التأمل، والانتظار، والاستمتاع، بل وربما فقدنا أيضاً نعمة التفكير التحليلي، والتخيل والحب نفسه.

(1)

في كتابه «نهاية كل شيء» يعرف كريس إمبي وظيفة الزمن بالقول: «إن الزمن هو الذي يمنع الأحداث من الوقوع جميعها دفعة واحدة»، وبعيداً عما يمكن الخروج به من دلالات فلسفية وفيزيائية لهذا التعريف، بإمكاننا القول إن المرض بالوقت رغبة أكيدة في تجاور كل ما نعيشه أو نفعله أو يحدث لنا في الوقت نفسه، لم يعد هناك مسافة نمنحها لأنفسنا في إحساسنا بالوقت وعلاقته بما نفعله، ومن ثم علاقتنا بالبشر والأشياء والعالم المحيط بنا.
هذه المسافة التي نفتقدها الآن تغطي قوساً واسعاً لا يبدأ من أننا أصبحنا نعجز عن التأمل ولا ينتهي بالشكوى من تفاصيل الحياة الصغيرة.
في هذه المسافة المفقودة تكمن مدونة كاملة ل «البطء»، وإذا تركنا لأنفسنا مسافة لتأمل مفردة «البطء» لاكتشفنا أن هذه المدونة فضلاً عن تضمنها لآفاق معرفية لا نهاية لها فإنها تشتمل أيضاً على الكثير من المشاعر والأحاسيس. وفي الشق المعرفي علينا ونحن نتأمل «البطء» أن نتخلص من عقد ثقافية كثيرة، يأتي على رأسها الجدل المزمن مع الغرب، فدائماً ما وُصف الشرق بالسكون والاسترخاء و«البطء» أيضاً. وعلينا أن ننسى قليلاً أو نتناسى مفردات لغوية سلبية تعودنا عليها وربما تقفز إلى ذهننا لا إرادياً ونحن نقرأ عن البطء.
تشمل مدونة البطء، تلك المفردة الخلابة والساحرة ونعني بها الدهشة، تقول جوستاين غاردر في كتابها «عالم صوفي»: «الفيلسوف هو إنسان لم يستطع يوماً أن يتعود على العالم، والعالم يظل بالنسبة له شيئاً غير قابل للتفسير، شيئاً غريباً ملغزاً»، ثم تذهب غاردر إلى أن الأطفال يشتركون مع الفلاسفة في هذه السمة، الفلسفة كلها مؤسسة على الدهشة، على نظرة متسائلة في عين رجل يختبر الحياة ويود أن يفهمها أكثر، أو في عين طفل يتلمس معارفه في العالم، مؤسسة على رفض السائد والمتعارف عليه، على النظر للأمور والقضايا بتمعن وتمهل، على البصر المحدق.
إن عدم التعود على العالم هو في العمق بطء يستهدف الفهم والتحليل، الفيلسوف يدرك العالم رويداً رويداً لتفكيكه وإعادة بنائه من جديد، ذات تتأمل موضوعها، وتترك لنفسها دائماً مسافة مع موضوعها محل الدراسة. لا بناء جديد يتم بسرعة وعلى عجل. لقد كانت الدهشة دائماً أو عدم التعود على العالم أو متعة المسافة مع ما يحيط بنا مؤسسة للفلسفات الكبرى والأفكار المهمة، بل والمعتقدات، هل نحن بحاجة إلى الإشارة إلى أديان الشرق الأقصى؟ هل تنقصنا الآن صورة لتمثال لبوذا جالس في وضعية التأمل، هل البطء بناء على ذلك مدار آخر ليس للتأمل والتفكير وحسب ولكن للطمأنينة والسلام الداخلي؟ أن نطمئن يعني أن نحاول الإمساك بالزمن، أن نصنع زمننا الخاص الذي لا يشاركنا فيه أحد، أن نتأمله بهدوء لنشعر بالرضا، هل نحن بحاجة لمن يحدثنا عن مفاهيم اليقظة والاستنارة في فلسفات الشرق الأقصى؟
إن فضاء كاملاً يتعلق بنا ويقوم على التأمل.. على استقراء الذات ومحاسبتها والدخول بها في أزمنة من الكشف والعشق والفناء بعد أن يكون المريد قد أفنى حياته في مجاهدة النفس. للمتصوفة وقتهم الخاص، بل شديد الخصوصية، فهم لا يهتمون إلا بالحاضر، يقول القشيري: «الفقير لا يهمه وقته وآتيه، بل يهمه وقته الذي هو فيه. وقيل الاشتغال بفوات وقت ماض تضييع وقت ثان». امتلاك الوقت هو الطمأنينة، أن نمتلك وقتنا معناه امتلاك الحاضر والشعور بالامتلاء والثبات في الأرض، حيث لا خفة في إدراك الماضي، ولا خوف من توتر المقبل.
الدهشة ابنة الوقت أو البطء في التعاطي مع الزمن، ولا سؤال من دون دهشة، أو من دون بطء في استيعاب المفارقات التي تحيط بنا وتتطلب مئات الأسئلة، لا الأجوبة المعلبة والجاهزة، السرعة لا تنتج إلا إجابة، وكما أنتجت العولمة سوبرماركت يجد كل منا بداخله ما يحتاج إليه من مواد استهلاكية، أنتجت أيضاً أكبر مدونة للإجابات في التاريخ، وهي مدونة لا تحتاج أيضاً إلى أي مجهود بدني للبحث والتمحيص، ولا تترك للخيال فرصة لإثارة سؤال مختلف، ولا للذات في أن تشك في أي شيء، ولا تترك للروح أي مجال لتشكل فضولها الخاص، فكثرة الإجابات وخاصة عندما تحيط بنا من كل جانب تجعلنا نشعر أن العالم أصبح بين أيدينا، ولكنه عالم معروف جداً، يفتقد إلى جمالية الغموض، إلى روح المغامرة.
هل فقدنا القدرة على التنظير والإنتاج الفكري بسبب غريزة التسارع، هل يتسق فعل التفلسف مع اللهاث؟ وهل ينضج الشعر في زمن لم نعد قادرين على الإمساك به؟ أو هل تعود أزمة الفكر والشعر والمسرح، الكتابة الثقيلة، إلى عقيدة السرعة؟ وهل لم نعد نملك في ظل هذه العقيدة إلا القدرة على الكلام ثم المزيد من الكلام في الفضائيات ومواقع التواصل وإذا ذهبنا إلى الإبداع لم نجد إلا الحواديت الراهنة المسماة «رواية». عندما تتعطل الآلة المسماة بالعقل تنتعش آلة الكلام، لم يعد هناك وقت لاستبطان الذات، للخروج بأفكار تنضج على مهل، لم يعد لدينا وقت حتى للحكي بحميمية، أو للقراءة البطيئة، لم يعد لدينا رغبة لإثارة أي قضية جادة، فالإجابات التي قيلت لنا من منظرين ومفكرين ومستشرقين ومحللين أن زمن الثقافة العربية ككل دائري تكراري، سكوني، أي أن الوقت متكرر، فالبدايات معروفة والقضايا نتائجها معروفة أيضاً، فلا حاجة بنا إلى «وجع الرأس»، وهنا نحن نعيش عقيدة السرعة ونعيش زمننا الخاص، ولم نعد نملك على الأرض إلا مجرد جمل قصيرة على الفيسبوك وتويتر، وعندما يريد البعض تجميع هذه الجمل في حدوتة «رواية»، لم يعد لديه الوقت ليقرأ ويدرس ويكون نفسه، فهناك تلك الورش التي أصبحت تعلم الإبداع، وورش أخرى للكتابة الجماعية، وتعديل النص ثم إعادة تعديله.

(2)

لنستعير عنوان الفصل الأخير من كتاب جوليا كريستيفا «قصص في الحب»، والتي وضعت له عنواناً لافتاً:«كائنات فضائية تفتقر إلى الحب»، ولنضع هذا العنوان في سؤال: هل بتنا كائنات فضائية تفتقر إلى الحب؟ هل يسمح ذلك اللهاث الذي نعيشه أصلاً بالحب، ألا يتطلب تشكل مشاعر مملوءة بالآمال والأحلام والتوقعات، ألا يتضمن وبقوة مفردة الانتظار، أن تنتظر محبوبك أو حتى أن تنتظر ردة فعله تجاه موقف أو شيء ما، هل تحتمل السرعة بطبيعتها فكرة الانتظار، هل تسمح بتوقعات في ظل ثقافة تبحث عن كل شيء الآن؟ هل تترك لك فرصة للتمتع بالحب؟ إن المتعة نفسها بما تنطوي عليه من خيال جامح لا وجود لها في ظل ثقافة مريضة بالسرعة.
إننا كما نمارس كل شيء الآن بسرعة، أصبحنا نحب بسرعة أيضاً، هنا لا يمكنك الآن أن تسمع عن قصة حب حقيقية هنا أو هناك، أو تقرأ بعمق عن الحب، فضلاً عن غياب شبه تام لسردية حب كبرى، أياً كان مدارها. إن الحب في أحد معانيه اكتشاف للذات عبر معرفة الآخر، ولكن هل هناك وقت لمتعة الاكتشاف أو مغامرة المعرفة؟
لا مجال في حب الكائنات الفضائية لسردية حب تكتنز بداخلها مفاهيم الاكتشاف والمعرفة ويستبطن طرفاها تجارب عاطفية وجمالية، لم يعد الحب نوعاً من السعادة القصوى كما تذهب كريستيفا، وحتى تعبيراتنا اللغوية عن الحب أصبحت باردة وسخيفة، لغة وظيفية ينقصها الخيال والاستعارات، لغة تقريرية لا مجاز فيها، كلمات إنشائية لا مساحة بداخلها نستشف منها العمق وصدق التجربة، وهل هناك تجربة يمتلكها مرضى السرعة؟

(3)

يخصص كارل أونوريه في كتابه السابقة الإشارة إليه فصلاً كاملاً عن «المدن البطيئة»، وعندما نبحث في الإنترنت عن هذا المصطلح، سنعرف أن هناك 93 مدينة بطيئة حول العالم، ولا أدري لماذا شعرت بالسعادة لأن 67 من هذه المدن في إيطاليا وحدها، فعندما قرأت تعريفات مقتضبة للمدينة البطيئة قفز إلى ذهني الروائي الإيطالي إيتالو كالفينو أحد أهم نقاد المدن الفائقة السرعة. لقد كان كالفينو يحلم بمدينة تنطبق عليها ملامح المدن البطيئة.
المدينة البطيئة هي تلك المدينة التي لا يتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة، وعليها أن تحافظ على ثقافتها المحلية، أي لا تكون نسخة من مدن أخرى، وألا تحتوي على أي مطعم يقدم الوجبات السريعة.
في رواية «ماركو فالدو» يتنقل بنا كالفينو صورة لمدينة ينبت فيها نبات الفطر بكميات تدفع البشر لكي لا يستمتعوا بالمطر وجمع ما يقع تحت أيديهم من نباتات في مظلاتهم، وأخرى تتشابك فيها اللوحات الإعلانية بأضوائها المبهرة لتحجب نجوم السماء، وصورة ثالثة يطارد فيها الجميع أحد الأرانب، الهارب من مختبر علمي بعد حقنه بمادة سامة، ورابعة تتحدث فيها القطط وخامسة تمتلئ أمطارها بالأسماك، ولكن ينتابنا شعور قوي أن كالفينو يكره هذه المدينة، حيث أدى التحديث وتصاعد وتيرة التصنيع إلى الاعتداء المتواصل على الطبيعة، ولكن بخلاف هذه الثيمة تظل أبعاد هذه الرواية تحتاج إلى أكثر من زاوية نظر.
الرواية يسودها طعم إيطاليا في خمسينات القرن العشرين. والنص مقسم بطريقة تعود بك إلى كتاب كالفينو نفسه «قلعة المصائر المتقاطعة»، فهو عبارة عن مجموعة من القصص لا رابط بينها إلا ماركو فالدو، تلك الشخصية الطيبة، الوحيد في المدينة الذي يسير بتمهل وينظر دائماً إلى السماء، ولديه وقته ليشعر بوطأة المدينة.
المدينة في «ماركو فالدو» ليست متنفساً للخيال، ليست حلمية، المدينة في إيطاليا «الفقيرة» في العقد الأول بعد الحرب العالمية الثانية، مدينة مشوهة، حزينة، مجروحة، مدينة الأفلام الإيطالية الواقعية التي خطفت عقول وقلوب المشاهدين آنذاك.
المدينة في «ماركو فالدو» هي الصراع بين الفقراء وأصحاب العمل من الرأسماليين، وهنا بإمكانك أن تبدأ قراءة الرواية من فصلها الأخير، فبعد أن يقف السرد عند هلع ماركو فالدو بسبب خوفه من فصله من عمله لسبب تافه ومضحك، يسير هائماً في «مدينة أصغر، تجمعت في أنبوب مضاء مدفون في القلب الأسود لغابة بين السيقان المعمرة لأشجار الكستناء وعباءة الثلج السرمدية. في منطقة ما من الظلام كان بالإمكان سماع عواء ذئب»، وسط هذا المشهد يتربص الذئب بأرنب أبيض صغير «رأى الذئب آثار الأرنب البري على الثلج فتتبعها على أن يظل في الظلام حتى لا يُرى. وحيث تنتهي آثار الخطوات سيكون هناك الأرنب وسيخرج الذئب من الظلمة ويفتح فمه الأحمر، على وسعه ويكشر عن أسنانه الحادة ويعض الريح، كان الأرنب على بعد خطوات قليلة، غير ظاهر للعيان، يحك أذنه بمخلبه ويثب على قدم واحدة هارباً. هل هو هنا؟ هل هو هناك؟ هل هو على بعد خطوات من هنا؟».
كالفينو هنا يطرح مجموعة من الأسئلة في عدة أسطر قليلة حول الأرنب /الأبله/ الفقير والذي لا مكان له في المدينة، مدينة الظلام أو مدينة الذئاب أو مدينة الرأسماليين، هي تشوه البطل، تسلبه بياض القلب ونقاءه، تسرق منه إحساسه بالأمان، فبعد معاناة في العمل، لا يدري هل تم فصله أم لا؟ وعليه أن يصبح كالأرنب المذعور يقفز هارباً على قدم واحدة، قبل أن يراه الذئب. قبل أن يضيع منه الوقت ولا يتمكن من رؤية نجوم السماء.

(4)

أن «نعيش» معناه أن نتوقف قليلاً لنبطئ من إيقاع حياتنا، حتى نشفى من مرض الوقت. أن «نعيش» معناه أن نمتلك الوقت للتأمل بفكر وعاطفة صادقة وعين جمالية في نجوم السماء.

إعادة تقييم الوقت*

«في عصر المتعة الذي نعيش، فإن حركة البطء تمتلك سر النجاح: إنها تروج المتعة. المبدأ المركزي في فلسفة البطء هو قضاء الوقت الكافي لإنجاز الأمور بالشكل الصحيح، وكذلك التمتع بها أكثر. وتمنحنا فلسفة البطء السعادة مهما كان تأثيرها في الميزانيات الاقتصادية، صحة موفورة، وبيئة مزدهرة، ومجتمعات قوية، وعلاقات متينة، وتحرر من الاستعجال الذي لا ينتهي.
بيد أن إقناع الناس بمزايا البطء ليس سوى البداية. فالإبطاء معركة مستمرة حتى نتمكن من إعادة كتابة القواعد التي تحكم جميع ميادين حياتنا تقريباً، من الاقتصاد وأماكن العمل والتصميم الحضري إلى التعليم والطب. وهذا يتطلب مزيجاً مدروساً من الإقناع بالحسنى، والقيادة الحكيمة، والتشريعات الصارمة، والإجماع الدولي. إنه تحدّ حقيقي، ولكنه جوهري وحاسم. إن أسباب التفاؤل موجودة. فنحن بمجموعنا نعلم أن حياتنا محمومة جداً وأننا نريد الإبطاء، ويتزايد إقبالنا كأفراد على دوس الفرامل لنكتشف أن حياتنا تتحسن. والسؤال الكبير المطروح الآن هو: متى سيتحوّل الفردي إلى جماعي؟ متى ستتمكن كثير من أعمال التباطؤ الشخصية، التي يشهدها العالم بأسره، من أن تشكل كتلة حرجة؟ ومتى ستتحول حركة البطء إلى ثورة بطء؟
إذا أردنا مساعدة العالم في الوصول إلى هذه النقطة الحرجة، فإن على كل واحد منا أن يحاول إفساح المجال أمام البطء. ولعل خير بداية هي إعادة تقييم علاقتنا مع الوقت».

*من كتاب «في مديح البطء» لكارل أونوريه

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"