ثاني السويدي . . تمرد الشاعر والروائي

بورتريه
01:25 صباحا
قراءة 4 دقائق

ولد الشاعر والروائي ثاني السويدي في اليوم الأول لشهر يوليو/تموز من عام 1966 في منطقة المعيريض في رأس الخيمة، وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية فيها . تخرج في كلية العلوم الاقتصادية في جامعة الإمارات العربية، إلا أنه فضّل نص القصيدة على الأرقام والحسابات، فلم تحل الدراسة الأكاديمية دون شق طريقه في عالم الشعر والرواية . كان ذلك التمرد الأول في حياة السويدي، إلا أنه لم يكن الأخير، فبعد شباب مملوء بالمحاولات الشعرية، والخربشات على دفاتر المدرسة والجامعة، تمرد السويدي على شكل القصيدة العربية الكلاسيكي العمودي الذي ما زال إلى اليوم تفضّله ذائقة المتلقي الخليجي بشكل عام، فكانت مجموعته الشعرية الأولى، تنتمي إلى قصيدة النثر، وجاءت بعنوان ليجف ريق البحر صدرت عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في عام 1990 .

في مجموعته الشعرية الأولى المتمردة على شكل القصيدة المتكرس في الساحة الثقافية الإماراتية في تلك الفترة - أوائل التسعينات - دعا السويدي إلى جفاف ريق البحر ليظل ريق قلمه مواصلاً جريانه، فكان إصداره الثاني عملاً أدبياً ينتمي إلى الرواية، فتمرد بذلك على ظهوره الأول في الساحة الثقافية بوصفه شاعراً .

بعنوان الديزل جاء شكل التمرد الثاني للسويدي فكانت روايته بعد انقضاء أربعة أعوام على ليجف ريق البحر، حيث صدرت عام 1994 عن دار الجديد، في بيروت .

واصل السويدي تمرده ليس عبر مجموعة شعرية أو رواية أو غيرها، بل برواية الديزل نفسها، فمنذ صدورها للمرة الأولى ونص روايته يأبى التصنيف، إذ يقف السويدي في الديزل على مسافة فاصلة بين النثر والشعر، ليعجن الشعر بالنثر، ويضيف من الشعر صورا واستعارات ومن النثر حواراً وسرداً، ليبدع عملاً أدبياً عصياً على الأشكال الجاهزة .

ظلت الديزل إلى اليوم عصية على التصنيف وتراوح في المكتبات بين رف الرواية ورف الشعر، فمنهم من رآها شعراً مشغولا بحساسية الراوي، ومنهم من رآها رواية مشغولة بشعرية الشاعر .

واصلت الديزل تعنتها رغم تواصل طباعتها وترجمتها، فرغم أن عام 2011 شهد طبعتها السادسة، والأشهر القليلة الماضية شهدت صدور ترجمتها للإنجليزية، فإن الديزل لم تصنف بعنوان على غلافها يؤشر إلى جنسها، رواية كانت أم شعراً .

ليس هذه وحسب ما تمرد عليه نص السويدي، بل جاء ليسرد المسكوت عنه في المجتمع الإماراتي ما بعد النفط، والتحول الذي رافق المرحلة، مقدماً نظرة مغايرة أكثر جرأة وأقرب إلى الإنساني من عصر الآلة والكائنات الأسمنتية .

التمرد الذي رافق السويدي منذ مجموعته الأولى خمد طوال سبع سنوات متواصلة إلى أن أطل من جديد بمجموعة شعرية ذكّرّت الساحة الثقافية بظهوره الأول الشاعر، فجاءت مجموعته الأشياء تمر صدرت عن دار الانتشار العربي في بيروت عام 2000 .

يبدو السويدي محظوظاً أن يولد لأبوين اختارت المشيئة أن يكونا من قاطني إمارة رأس الخيمة، فليس المكان في حياة السويدي كأي مكان، إنما هو شريك في جملته الشعرية ونصه النثري، وليست رأس الخيمة أي مكان، ويعود تاريخها إلى (5000 سنة ق .م) وكانت معروفة باسم (جلفار) في فترة صدر الإسلام .

الحديث عن رأس الخيمة يقود إلى مفاصل وجزئيات في نص السويدي، إذ الشاعر نتاج بيئته، حيث يرتبط اسم رأس الخيمة (جلفار) باسم الملاح العربي الجلفاري احمد بن ماجد، وهو سيد العلوم الفلكية والملاحية ورائدها .

عرفت جلفار - مدينة السويدي - بقبورها التي تدفن كل 100 شخص في قبر واحد، وبرزت عندما اتخذها عثمان بن أبي العاص الثقفي منطلقا للفتح الإسلامي باتجاه بلاد فارس .

من هذا التاريخ وتلك البيئة التي ينمو فيها المرء مبلولاً بالبحر ومجففاً بالرمال، خرج السويدي، محملاً بموروث من حكايات تناقلها البحارة والصيادون، فجاء مشبعاً بحكاية الماء وأسطورة الموج، حتى بات نصه يحيل إلى حكاية شعبية مرة ومرة يسرد أسطورته الخاصة .

القارئ لرواية الديزل يعيش أساطير حبكها السويدي من بيئته - طبيعة رأس الخيمة - فحين تتزوج أخت بطل الرواية من البحر وتنجب على ضوء القمر مئات الأسماء، تنهمك في تسميتها، وتحتار في ألوانها، فإن القارئ يدرك أن هذا المشهد لم يتولد من العدم بل أنجبته حساسية شعرية مشغولة بالمد والجزر ودفع البحر لفرج الرمل .

مئات الأسماء بألوان مختلفة هي أبناء عذراء تزوجت من بحر مالح، وهذا تماما ما يتشاكل تناقضاً مع القبر الجلفاري الذي التهم مئة جثة في تاريخ جلفار رأس الخيمة .

من الفنون الشعبية التي تحظى بها رأس الخيمة خرجت قصيدة السويدي، فكان لإيقاعات فن رزيق الشحوح الذي تقرع فيه الطبول وتتضارب السيوف، أثر في نَفَس قصيدته .

وكذلك الزرقة الذي يلقي فيه أحد الشعراء بيتاً من الشعر، ويرد الثاني، مع الإمساك بالعصا والبنادق والسيوف .

من تلك الفنون الشعبية نبتت قصيدة السويدي بصيغة حداثية يانعة مشغولة بمفردات ترسم من البحر صوراً ومن الرمل كائنات .

تنبه العديد من النقاد العرب لقصيدة السويدي فكان للناقد الدكتور صالح هويدي نظرة خاصة إلى مجموعة ليجف ريق البحر في إطار دراسة له بعنوان تجليات المكان في الشعر الإماراتي المعاصر يذكر فيها: يبلغ ثاني السويدي في مجموعة ليجف ريق البحر المستوى الأبعد في تقنية التوظيف الفني لمفردة ثيمة المكان، إذ يقدم لنا الشاعر منظوراً ذا رؤية باطنية لا تحفل بالمواضعات المألوفة، ولا تستند إلا إلى منطقها الخاص، النابع من صيغة البناء الفني للنص، من هنا فإن من العبث البحث عن منطق خارجي يمكن أن ينتظم علاقات بناء عالم المكان لدى الشاعر، فهو مدفوع بقوة المخيلة الشعرية إلى خلخلة بنية العلاقات التي تنتظم صورة المكان، خلخلة تجعل منه أقرب إلى اللوحة التشكيلية السريالية التي تقدم مشهداً جديداً بالاعتماد على المزج بين العناصر المتباعدة التي لا يدركها إلا المنطق الداخلي للشاعر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"