الأنيميا «المنجلية..» عدو الرياضة والحياة الطبيعية

02:56 صباحا
قراءة 5 دقائق
الأنيميا المنجلية هي مرض وراثي شائع في العديد من المناطق حول العالم، ويزيد هذا المرض في المجتمعات التي يكثر فيها زواج الأقارب بشكل خاص، ويجب على من تنتشر فيهم وراثياً إجراء فحوص شاملة قبل الزواج، بسبب أن أعراض المرض وآثاره الجانبية على الأبناء تعتبر شديدة جدا، ويمكن أن تؤثر على تكوينهم الجسماني، علاوة على أن المرض يمكن أن يصيبهم في مرحلة مبكرة من حياتهم، وهو أحد أمراض الدم الوراثية التي يحدث فيها اضطراب في الجينات المسؤولة عن تكوين الهيموجلوبين، ويتسبب في التصاق هذه الكريات داخل الأوعية الدموية الدقيقة، وبالتالي يقل تدفق الدم والأكسجين إلى أعضاء الجسم، وينتج عن ذلك الأعراض المصاحبة للأزمات لدى المصابين بالأنيميا المنجلية، ومنها ألم شديد، وضيق في التنفس، وغيرها.
تتمثل العلة الأساسية في المرض في أنه يسبب تكسر خلايا الدم الحمراء المصابة، كما أنه يؤثر على كمية الأوكسجين التي يستخدمها الجسم في أنسجته، وتأثيره المباشر على كافة أعضاء الجسم، إضافة إلى أنه يؤثر سلباً على وظائف الكبد والطحال، وهو مرض يستلزم مراجعة دورية مع الطبيب مع الحاجة إلى نقل الدم بصورة متكررة، وفقاً للحالة المرضية، بيد أن آثار المرض تتخطى تلك الأعراض إلى مشاكل الهيكل العظمي والمفاصل وغيرها.
وفي هذا المرض تصبح كريات الدم الحمراء صلبة ولزجة، وتشبه شكل الهلال أو ما يسمى بالمنجل، هذا الشكل غير الطبيعي لكريات الدم الحمراء، يجعلها غير قادرة على الحركة المرنة داخل الأوعية الدموية، كما أنها تصبح قابلة للالتصاق بجدار الأوعية، فتؤثر على حركة الدم داخل الأوعية، حيث يكون تدفق الدم بطيئاً، أو قد يتعثر في الأوعية بسبب التصاق الكريات الدموية وسدها لجدار الوعاء الدموي، والأكثر أهمية من ذلك كله عدم قدرة الأكسجين على الوصول إلى أعضاء الجسم بكميات كافية، ما يعرض الجسم لمشاكل صحية خطيرة منها الالتهابات والسكتة الدماغية.
وتؤدي خلايا الدم الحمراء المصابة إلى انسداد الأوعية الدموية والشرايين الدقيقة، التي تغذي العظام، مع العلم أن العظام تتكون من هياكل دقيقة جداً من الكالسيوم، تتضمن داخلها خلايا عظيمة حية تقوم بإفراز مواد بروتينية، وإضافة إلى عمليات الترميم المتكررة لهيكل الكالسيوم، فإن نقص كمية الأوكسجين والدم الذي يصل إلى هذه الخلايا يؤدي إلى موتها، وبالتالي إلى عدم القدرة على إفراز البروتينات المكونة للعظام. ومع مرور الزمن يتأثر ويتهاوى مكون الكالسيوم في الجزء المصاب من العظام، مما يؤدي إلى توقف نشاط هذا الجزء المصاب تماماً وخشونة المفاصل القريبة منه. وفي الغالب يصيب هذا المرض عظام العمود الفقري وعظام رأس الورك، والعظام المحيطة بالركبة، أو عظمة رأس الكتف.
الأعراض والتشخيص

يمكن الكشف عن المرض عن طريق فحص الدم الروتيني، بعد ولادة الطفل، كما يمكن اكتشافه مبكراً قبل الولادة عن طريق فحص الماء الأمنيوسي المحيط بالجنين في رحم الأم. وعادة ما يشتكي المرضى من آلام شديدة ومبرحة في الجزء المصاب، تزداد مع الحركة وتستوجب التوجه للمشفى، لأخذ نوع قوي من المسكنات. ومع تقدّم المرض، فإن حركة المفصل القريب تصبح صعبة، وقد يصبح المريض غير قادر على المشي بشكل طبيعي. أما التشخيص فعادة ما يكون بالفحص السريري الذي يبين وجود آلام حول المنطقة المريضة، وصعوبة في حركتها، وضموراً في العضلات المحيطة بها، بعد ذلك يتم إجراء فحص الأشعة السينية وأشعة الرنين المغناطيسي التي يظهر فيها مكان المرض وشدته ومدى تأثر العظام والمفاصل به.
في البداية يكون العلاج تحفظياً عن طريق التحكم في مرض الأنيميا المنجلية بواسطة الأدوية ونقل الدم، والمتابعة مع طبيب الأمراض الباطنية، إضافة إلى أنه يتم وصف الأدوية المسكنة للآلام، وجلسات العلاج الطبيعي والأجهزة الطبية المساندة كالعكاز الطبي، أو الربطات الطبية بمختلف أنواعها.
أما في الحالات المتقدمة التي لا تستجيب للعلاج التحفظي، فقد يلزم إجراء عملية جراحية لإزالة الأعراض. وتختلف هذه الجراحة حسب عمر المريض، والجزء المصاب وشدة المرض، فمثلاً عندما يكون المرض في رأس عظمة الورك، وهو ما يحدث في الغالبية العظمى من المرض، فإن التدخل الجراحي الأفضل والأمثل هو عملية المفصل الصناعي، وهي العملية التي يمكن أن تتم من خلال استبدال نصف المفصل أو استبدال المفصل كاملاً، حسب شدة المرض، ومدى تأثر مفصل الورك.
وعلى الرغم من أن هذه العمليات تعتبر روتينية من الناحية التقنية، إلا أن هذه الفئة من المرضى تستدعي انتباهاً وحذراً شديدين خلال الجراحة وفي المرحلة التي تليها، لمنع حدوث تكسرات في خلايا الدم الحمراء المريضة، وهو الشيء الذي قد تكون له آثار خطيرة على صحة المريض. ومن أجل ذلك فإن هؤلاء المرضى عادة ما يتم إدخالهم إلى المستشفى قبل بضعة أيام من موعد العملية، وتتم استشارة طبيب أمراض الدم، وطبيب التخدير قبل العملية، وقد يتم إجراء نقل دم لهم قبل العملية بيوم أو يومين، لزيادة كمية كريات الدم السليمة في دورتهم الدموية.
وبصفة عامة، تتميز هذه العمليات بنسبة نجاح عالية، وتعتبر نتائجها ممتازة في إزالة الألم، وإعادة المرضى للحركة ولممارسة الحياة بشكل طبيعي. ونظراً للآثار السلبية الكثيرة لمرضى الأنيميا المنجلية، فإن الوقاية منه خير من العلاج، وذلك بمحاولة الأخذ بالأسباب التي قد تمنع ظهوره.
وتتمثل أهم مضاعفات المرض في السكتة الدماغية التي تكون نتيجة لانسداد الأوعية الدموية، ومتلازمة الصدر الحاد، التي تعتبر حالة مرضية حادة، تحدث ألماً شديداً في الصدر وصعوبة في التنفس، إضافة إلى ارتفاع ضغط الدم في الرئتين، وتضرر الأعضاء وحصوات المرارة​، وتقرحات الجلد​ خصوصاً في القدمين، فضلاً عن إمكانية انسداد الأوعية الدموية في العضو الذكري للرجال المصابين بالمرض، بسبب انسداد الأوعية الدموية بكريات الدم الحمراء المنجلية.​

طرق الوقاية والعلاج

يحتاج مرضى الأنيميا المنجلية إلى عناية تامة بشكل متواصل لمنع تكرار المضاعفات وتدهور الحالة الصحية. ويتم علاج الألم المصاحب باستخدام مسكنات الألم، وإمداد جسم المصاب بالسوائل. وقد تستجيب بعض الحالات المرضية لاستخدام مسكنات الألم غير المحددة بواسطة الطبيب، في حين تحتاج حالات أخرى لاستخدام مسكنات للألم ذات مفعول أقوى، مثل المورفين والميبريدين، وغيرها، تحت إشراف طبي داخل المستشفى.
ويتم استخدام عقار الهيدروكسي يوريا (Hydroxyurea) لبعض المصابين كنوع من الوقاية، وذلك لتجنب حدوث الأزمات، خصوصاً الأعراض المتعلقة بالجهاز التنفسي، كآلام الصدر وضيق التنفس.
ويتم علاج فقر الدم المصاحب للمرض بنقل الدم، ويجب الحرص على أخذ اللقاحات الروتينية، خصوصاً للأطفال المصابين، وكذلك اللقاحات الموسمية سنوياً، كلقاح الأنفلونزا لمنع الإصابة بالعدوى. كما أنه يمكن زراعة النخاع لعلاج حالات الإصابة بالأنيميا المنجلية.
ويمكن لمرضى الأنيميا المنجلية، التعايش مع المرض بطريقة صحيحة تخفف من آثاره، حيث يعطى المريض حبوب حمض الفوليك، للمساعدة في علاج حالات فقر الدم، علاوة على وجوب الراحة وتجنب التعرض للضغوط اليومية، وممارسة الرياضة بشكل منتظم، والمداومة على شرب كميات كافية من الماء، تجنباً للإصابة بحالة جفاف يمكن أن تزيد الوضع سوء، فضلاً عن تجنب التعرّض للحرارة أو البرودة الشديدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"