ذاكرة الزمن

03:36 صباحا
قراءة 7 دقائق
د . محمد فارس الفارس
منذ ظهور التصوير في منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت الصورة أهم وثيقة تسجل الأحداث . وعلى مدى أكثر من قرن ونصف القرن، التقطت الكاميرات ملايين الصور لحروب وكوارث ومناسبات سعيدة وحزينة لأفراد وجماعات ودول . ولاشك أن الصورة تعني كثيراً في توضيح أي حدث، وتشد القارئ وتجذبه وتحفزه على القراءة باستمتاع .
في هذه الصفحة، لدينا صور كل منها يتحدث عن مناسبة أو حدث معين نعود من خلالها لقراءة التاريخ برؤية معاصرة .

وفد الجامعة العربية في أم القيوين عام 1964

عندما قدم وفد الجامعة العربية إلى الإمارات عام ،1964 قام بجولة شاملة من أبوظبي إلى الفجيرة، وعندما جاء دور أم القيوين في الزيارة، ابتدع أعضاء الوفد طريقة جديدة لزيارتها، وذلك بالتوجه إليها عن طريق البحر، وعرف أهل أم القيوين بذلك، فخرجت الإمارة بكاملها لاستقبالهم ووقف الأهالي على شاطئ البحر في انتظار سفينة الوفد، فيما استقلت مجاميع من المواطنين السفن الخشبية وتوجهت إلى عرض البحر لمرافقة سفينة الضيوف عند وصولها .
ويقول بدر الخالد البدر أحد أعضاء الوفد واصفاً الاستقبال الكبير الذي قوبلوا به "في صباح يوم الأحد الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1964 توجهت البعثة من دبي قاصدة أم القيوين على يخت الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، وقد فضلنا الذهاب عن طريق البحر من باب التغيير ثم العودة بطريق البر، وكان معنا على ظهر اليخت كل من رجل الأعمال القطري عبدالله الدرويش وأحمد سلطان بن سليم أحد المسؤولين في دبي الذي أصبح وزيراً في دولة الاتحاد فيما بعد ومحمد سعيد الملا أحد رجال الأعمال في دبي وأصبح وزيراً أيضاً، وبعد حوالي 3 ساعات من الإبحار، بانت لنا مشارف أم القيوين وهي تقع على الخيران الجميلة، كما ظهرت لنا سفن شراعية عدة مزينة بالأعلام ومحملة بمئات المواطنين الذين قدموا بهذه السفن للترحيب بنا في عرض البحر، وكان منظراً لا ينسى عندما أحاطت تلك السفن باليخت وهو يتهادى متباطئاً نحو الشاطئ، كما وجدنا الجموع الغفيرة من المواطنين تنتظر وصولنا وهي تهتف وتلوّح بالأعلام، وكان الشيخ أحمد بن راشد المعلا حاكم أم القيوين وشيوخ الإمارة وأعيانها في مقدمة المستقبلين ومشينا مع الشيخ أحمد إلى دار الضيافة التي لم تكن بعيدة من مكان نزولنا، وبعد استراحة قصيرة اجتمعنا به وبنجليه راشد وسلطان، وكان اجتماعاً خاصاً تم فيه بحث مهمة بعثة الجامعة وقضايا الساعة، ثم بدأت وفود المدعوين تصل إلى دار الضيافة، وكان منهم بعثة الجامعة وقضايا الساعة، ثم بدأت وفود المدعوين تصل إلى دار الضيافة، وكان منهم شيوخ المنطقة ووجهاؤها، وتناول الجميع طعام الغداء، وبعد ذلك ودعنا الحاكم وكبار المدعوين وعدنا إلى دبي بالسيارات" .

تطور المسرح في قطر

في الثمانينات من القرن العشرين، اشتهر مسلسل قطري كان يبث من بعض المحطات التلفزيونية الخليجية . هذا المسلسل كان "فايز التوش" من بطولة الفنان القطري غانم السليطي، وكانت حلقات المسلسل الممتعة تتناول صوراً من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في قطر بعد النفط، والتمثيل في قطر بدأ بالمسرح والحركة المسرحية في قطر بدأت مثلها مثل دول الخليج الأخرى في الخمسينات من خلال الأندية الرياضية والاجتماعية وكانت تلك الأندية تقدم بعض الاحتفالات الشعبية التي تتخللها عروض مسرحية، وفي عام 1959 تأسس "نادي الطليعة الثقافي الاجتماعي"، ولكنه لم يزاول نشاطاً ثقافياً إلا لشهور محدودة ثم أغلق أبوابه . وفي أوائل الستينات شكل كبار الموظفين في "شركة نفط قطر" نادي كبار الموظفين ليمارسوا الأنشطة الرياضية والثقافية في جو عربي، وهنا قام بعض الشبان القطريين من أمثال هتمي أحمد الهتمي ومبارك الهتمي وجمعة البوعينين بتنشيط الفعاليات الثقافية ومحاولة تقديم بعض الأنشطة المسرحية، وخلال الخمسينات أيضاً نشطت الحركة المسرحية في المدارس، وقدمت العديد من المسرحيات التي أشرف عليها المدرسون العرب الذين قدموا للتعليم في المدارس النظامية، ولعبت معسكرات الكشافة دوراً كبيراً في تنشيط المسرح وتقديم العروض على يد نخبة من طلاب المدارس، وفي عام 1966 تم تأسيس أول فرقة فنية غنائية باسم "فرقة الأضواء الموسيقية" برئاسة الفنان عبدالعزيز ناصر واهتمت بتقديم الموسيقى والأغنيات في الاحتفالات الشعبية، ومن خلال هذه الفرقة، برز العديد من المسرحيين مثل حسن حسين وموسى عبدالرحمن وإسماعيل خالد، وفي أواخر الستينات بدأ معهد دار المعلمين، والمعهد الديني بالاهتمام بالمسرح المدرسي، وبرزت من معهد دار المعلمين مجموعة من الفنانين مثل علي حسن وسيار الكواري ومحمد سلطان الكواري وآخرين كانوا نواة تشكيل فرقة المسرح القطري عام ،1972 كما قام المعهد الديني بتقديم مجموعة من المسرحيات، وانبثقت عام 1973 فرقة مسرح السد انطلاقاً من نادي السد الرياضي، ودعمت وزارة الإعلام هذه الفرقة، وبدأت تتبلور ملامح الحركة المسرحية مع تخرج أوائل الدفعات المسرحية من الفنانين القطريين الأكاديميين .
وكانت الفترة الممتدة من 1972 - 1976 فترة خصبة للمسرح في قطر، وكان الجمهور يحتشد بالمئات لمشاهدة العروض، وخلال الأعوام من 1972 إلى 1975 تأسست ثلاث فرق مسرحية أهلية، وبدأ يتشكل جيل مسرحي شاب، وتم إرسال أفواج من هؤلاء الشباب في بعثات دراسية لدراسة المسرح في المعهد العالي في الكويت والمعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة وتم تخريج 19 مسرحياً قطرياً منهم بعض نجوم الدراما القطرية مثل غانم السليطي وصالح المناعي وفرج دهام ومحمد البلم ومبارك الكواري وفالح فايز

مجلة "أنيس الجليس"

في 31 يناير/كانون الثاني 1898 صدر العدد الأول من مجلة "أنيس الجليس" النسائية في مدينة الإسكندرية وأصبحت المجلة واسعة الانتشار طيلة فترة صدورها التي استمرت عشر سنوات حتى توقفت نهائياً عام ،1908 وأصدر المجلة امرأة تدعى الكسندرا ميلتادي ذهبت مع والدها من بيروت لتعيش في الإسكندرية وعاشت فترات حياتها بين لبنان ومصر وعدد من البلدان الأوروبية وتركيا وإيران .
والتحقت بمدرسة الراهبات بالإسكندرية واستعانت بمدرسة لتعلم اللغة العربية، وفي سن السادسة عشرة اقترنت بالنبيل الإيطالي ميلتادي دي أفرينوه الذي شجعها على النضال النسوي العربي فأنشأت مجلة "أنيس الجليس" وتفرغت للكتابة فيها، وأصدرت أيضاً مجلة بالفرنسية عنوانها "اللوتس" .
ودافعت في مجلتها "أنيس الجليس" عن المرأة وحقوقها وحرصت على نشر العلوم النافعة، وأقبل على قراءتها الرجال والنساء على السواء، وحثت الكسندرا البنات على دخول المدارس، وأصبحت مشهورة في مصر ولهذا انتدبت لتمثيل المرأة المصرية في معرض جمعية السلام النسائية في باريس عام ،1900 وعقب عودتها من باريس، فكرّت في إصدار مجلة بالفرنسية ليطلع الغربيون من خلالها على آداب العرب وأحوالهم وما بلغته المرأة الشرقية من تقدم، ومن هنا جاء إصدار مجلة "اللوتس" التي كان يكتب فيها كبار الكتاب الفرنسيين، وعن سبب إصدار مجلة "أنيس الجليس"، تقول الكسندرا في مقدمة العدد الأول "لما رأيت أن السيدات الفاضلات في هذا القطر تعوزهن مجلة مخصوصة بهن مقصورة على النصح لهن تارة، وبيان فضلهن وأدبهن، وسميت مجلتي هذه "أنيس الجليس" حيث يدل عنوانها على ما تتضمنه من الأبحاث المستظرفة واللطائف التي تبعد الملل عن الأذهان" .
وتنوعت موضوعات العدد الأول، وجاء فيها (المرأة في الشرق، باب إكرام العلماء، ضحايا النساء، واجبات الزوجة، فن الزواج، نكات ظريفة تساؤلات) إضافة إلى هذا، كانت الكسندرا ناشطة في مجال العمل النسائي ولها حضور بارز في المحافل والمؤتمرات الدولية، ولها علاقات مع العدد من زعماء الدول، وحصلت على الكثير من الأوسمة وحظيت بتكريم زعماء كثيرين منهم السلطان عبدالحميد الذي قلدها وسام الشفقة الثاني ثم قلدها الوسام نفسه من الدرجة الأولى، كما منحها الشاه مظفر الدين شاه إيران وسام "شرفت" ومنحها البابا ليون الثالث عشر وسام "محامي القديس بطرس" وحصلت على أنواط الاستحقاق من جمهورية سان مارينو .

الأمريكية "خاتون مريم" ممرضة في الكويت

ماري كابرلي فان بيلت، أمريكية التحقت بكلية التمريض بولاية كنتاكي وتخرجت ممرضة عام 1917 والتحقت بالإرساليات التبشيرية، وفي العام نفسه عينت ماري ممرضة في مركز الإرسالية في البحرين حيث مكثت ثلاثة أعوام تعلمت فيها اللغة العربية، وفي أواخر عام 1920 عينت في الكويت لتبدأ مسيرتها الطبية المهنية . وفي تلك الأثناء، كانت الإرسالية الأمريكية بالكويت قد أكملت المستشفى النسائي الذي افتتح عام ،1919 إضافة إلى المستشفى الرجالي الذي كان يشرف عليه الطبيب الإنجليزي الدكتور ميلري، والممرضة ماري التي أسماها أهل الكويت "مريم" وأسبقوا اسمها بلقب "خاتون" أي سيدة باللغة الفارسية، عاصرت نخبة من رواد العمل الطبي أثناء عملها في الكويت الذي قارب العشرين عاماً (من 1920-1939)، وشاهدت ماري أو "خاتون مريم" أحداثاً وتغيرات اجتماعية في الكويت خلال فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، وعاصرت سنوات الأوبئة والأمراض المعدية التي عصفت بالكويت كسنوات الجدري وموجة الوباء الشديد للمرض عام 1932 والتي أودت بحياة آلاف الأطفال والرجال والنساء وسماها الكويتيون "سنة الجدري" وشهدت سنة هطول الأمطار الغزيرة في 1934 التي سماها الكويتيون (سنة الهدامة) كما عاشت ورصدت سنوات كساد تجارة اللؤلؤ وبدايات إنشاء الدوائر الحكومية كالبلدية والصحة وبدايات البريد والنقل الجوي والتغير العمراني في المدينة وتقول في إحدى رسائلها التي كتبتها عام 1932 عن مرض الجدري في الكويت "بالنسبة للعمل في هذا الصيف، فقد كان كثيراً، فأكثر من ثلاثة آلاف شخص ماتوا فزادت مساحة المقابر، إنه مرض الجدري الأسود، وما زالت حالات جديدة تظهر، والقليل ممن تكتب لهم الحياة يكون مشوهاً أو أعمى، والشتاء سيكون قاسياً عليهم إن عاشوا، وقد مات أكثر من 400 من البالغين أيضاً . وفي رسالة أخرى كتبتها لأهلها في يناير/كانون الثاني ،1935 وتصف فيها رحلة قامت بها في الصحراء الكويتية، تقول فيها "لقد جاء المطر في نوفمبر/تشرين الثاني وجعل الجميع في الصحراء في حالة من البهجة والأمل، وأصبحت الصحراء مكسوة بالخضرة والزهور، كانت وجهتنا نحو مخيم للبدو المصنوعة خيامهم من شعر الماعز (بيوت الشعر) وبعد ساعة من وصولنا، أحضروا لنا صينية ضخمة مملوءة بالأرز يعلوه خروف مشوي، وأحضروا معها اللبن والتمر والزبد، وقد أكلنا بشراهة وكان على المرء أن يجلس على الأرض واضعاً ذراعه اليمنى على ركبته ويأكل اللحم وكل شيء بأصابع يده اليمنى فقط، أما اليد اليسرى فهي لا تمس شيئاً، وهناك نوع من الأرغفة اللذيذة، يقوم المرء منا بقطع جزء من الرغيف ولفه مع التمر ثم غمسه بإناء من الزبد أو اللبن ويأكله، وذلك الإناء ينتقل بين الجالسين في المكان المملوء بالضيوف، وكل منهم يتساءل عما إذا كنت تركت له شيئاً" .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"