جامع الجند.. بناه معاذ بن جبل بأمر من النبي

بيوت الله
12:26 مساء
قراءة 6 دقائق

لجامع الجند التاريخي في اليمن قدسيته ومكانته الخاصة لدى اليمنيين الذين يحتفون سنويا بذكرى أول يوم تقام فيه الصلاة في الجمعة الأولى من شهر رجب في السنة العاشرة للهجرة وهو اليوم الذي فرغ الصحابي الجليل معاذ بن جبل من بنائه في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وجامع الجند يعد من أقدم الجوامع في التاريخ الإسلامي، وهو واحد من ستة مساجد بناها الصحابي معاذ في اليمن ولا يزال قائما حتى اليوم حاملا بعضا من معالم بنائه الأول.

تكمن أهمية هذا الجامع الذي تقرر أخيرا إحياء دوره التاريخي في التعليم عن طريق إنشاء كلية للعلوم الشرعية تابعة له في أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من أمر ببنائه وحدد مكانه كما أنه يعد ثالث المساجد الجامعة في العالم الإسلامي بعد المسجد النبوي بالمدينة المنورة وجامع صنعاء الكبير.

في كتب السيرة فإن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم اختار موقع بنائه حيث أمر معاذاً بأن يبني المسجد في الجند بين السكاسك والسكون قائلاً له يا معاذ انطلق حتى تأتي الجند فحيثما بركت هذه الناقة فأذن وصل وابتن مسجداً.

ويقول خبراء الآثار الإسلامية إن تأسيس مسجد الجند التاريخي بتعز كان مكملا لدور مسجد صنعاء المؤسس في السنة السادسة للهجرة وقد انتهى الصحابي معاذ بن جبل من بنائه في شهر رجب من السنة العاشرة للهجرة وصلى بالناس أول جمعة ما جعل لهذه المناسبة مكانة خاصة لدى اليمنيين الذين يحتفون كل عام بهذه المناسبة الدينية من خلال الاجتماع السنوي في الجامع وختم القرآن وصحيح البخاري في مظاهر احتفالية يرتدي فيها الناس الملابس الجديدة ويقيمون الولائم ويقدمون الطعام للفقراء والمساكين.

جولة معاذ

عندما بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم الصحابي معاذ بن جبل إلى اليمن لدعوة الناس إلى عقيدة التوحيد نزل أولا مدينة صعدة وأمر أهلها ببناء مسجد ثم ودعهم متجها إلى صنعاء واجتمع بأهلها ثم توجه إلى الجند حيث بركت ناقته في المنطقة التي بنى فيها الجامع، لذلك يوصف الجامع بأنه ثاني مساجد اليمن بعد مسجد صعدة.

ويقول أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية بجامعة صنعاء الدكتور عبدالله عبدالسلام: إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمر بعد عودته من غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة معاذ بن جبل بالتوجه إلى الجند ودعوة أهل اليمن إلى الإسلام وتفقيههم بأمور دينهم، وبناء المساجد وإقامة الصلاة لهم فتوجه معاذ إلى مكة حاجاً ومنها خرج إلى اليمن حيث وصل الجند في شهر جمادى الآخرة من السنة العاشرة، وكان كلما مر على منطقة دعا أهلها إلى الإسلام وأسس لهم مسجداً للصلاة، لذلك تنسب إليه ستة مساجد في اليمن في مناطق نجران، صعدة القديمة، صنعاء، ذمار، إب وأخيرا مسجد الجند ولهذا السبب استغرقت رحلته من مكة إلى الجند حوالي خمسة أشهر.

وقد مكث الصحابي الجليل معاذ بن جبل يجوب بلاد اليمن ثلاثة عشر شهراً ثم عاد واستقر في مكانه الأول الجند حتى تولى أبوبكر الصديق رضي الله عنه أمر الخلافة فانتقل معاذ إلى الحجاز.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن معاذ بن جبل اجتمع ببني الأسود الذين كان لهم رياسة الجند في أول جمعة من رجب فوعظهم وصلى بهم فكانت أول جمعة تقام في اليمن فاتخذها الناس منذ ذلك اليوم عيداَ يقام كل سنة في أول جمعة من رجب حيث يتجهون إلى جامع الجند للصلاة فيه وإقامة الشعائر الدينية والتقرب إلى الله.

يقع الجامع إلى الشمال الشرقي من محافظة تعز على مسافة 20 كيلومترا وقد عرف باسمين الأول جامع معاذ والثاني جامع الجند نسبة إلى مخلاف الجند وهي مدينة قديمة في محافظة تعز جنوب اليمن تنسب إلى جند بن شهرات احد بطون قبيلة المعافر وكانت من أهم المخاليف في اليمن وكان بها سوق الجند احد أهم أسواق العرب الموسمية المشهورة قبل الإسلام شأنه شأن سوق عكاظ، ولكن لم يبق اليوم من مدينة الجند القديمة سوى جامع الجند الممتد في منطقة القاع.

وكان المسجد الذي بناه الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه صغير الحجم غير أنه لم يبق من مساحة المسجد الأولى شيء سوى موقع محراب معاذ الأول والذي يقع إلى الشرق من المحراب الحالي.

عمليات التجديد

وبعد بناء الجامع بقرون شهد الجامع عدة مراحل لتجديده حيث تم تجديده في عهد الملكة الصليحية السيدة بنت أحمد 480-532ه، على يد وزيرها المفضل بن أبي البركات أواخر القرن الخامس الهجري واشتمل التجديد على بناء الجامع بالحجارة المنقوشة والآجر المربع، وتسقيفه وتذهيبه، وإجراء الماء إليه من عين تقع في وادي خنوة شمال غرب الجند بواسطة ساقية ذات عقود مقنطرة.

كما جدد الأيوبيون الجامع أربع مرات الأولى قام بها نواب توران شاه بن أيوب (571-576ه) إذ كان الجامع قبل استيلاء الأيوبيين على اليمن سنة 569 هجرية قد أحرق سنة 558 هجرية هو والمدينة على يد مهدي بن علي بن مهدي ثاني ملوك دولة بني مهدي، وظل مخرباً حتى مجيء الأيوبيين، حيث انشغل توران شاه بترتيب أوضاع اليمن والقضاء على الزعامات القبلية والدويلات الحاكمة حتى عودته إلى مصر سنة 571ه، بعد أن عهد إلى نوابه على اليمن ببناء ما تحتاج إليه البلاد، ومن ذلك قيام نائبه على تعز ياقوت التعزي أو مظفر الدين قايماز بتجديد الجامع وقد انتهى ذلك التجديد سنة 575ه كما هو مذكور على جدران الجامع.

وتجدد الجامع في عهد طغتكين بن أيوب 579-593 هجرية أخ صلاح الدين الأيوبي الذي أتى إلى اليمن لثبيت الأستقرار وفي تلك الفترة قام ببناء مدينة جديدة شمال الجند سماها المنصورة وكذلك قام بتجديد جامع الجند واشتمل التجديد على زيادة سمك جدران الجامع بقوالب الآجر، ورفع السقف على أعمدة من الآجر المكسوة بالجص، وتزيين زخارف السقف بالذهب واللازورد، وكذلك عمل منبراً للجامع سنة 588 هجرية كما هو مذكور على المنبر.

وجدد سلاطين الدولة الرسولية جامع الجند مرتين: أولاهما في عهد السلطان الأشرف إسماعيل الثاني 778-803ه الذي أمر بتجديد الجامع وتسوير المدينة سنة 793ه، وثانيتهما في عهد السلطان الظاهر يحيى بن الأشرف 830-842 ه حيث تذكر المصادر أنه جدد المئذنة الشرقية بعد سقوطها، وإن لم تحدد المصادر سنة التجديد.

وتم تجديد الجامع أيضاً في عهد الطاهرين حيث قام آخر سلاطين الدولة الطاهرية السلطان الظافر عامر بن عبد الوهاب بتجديد المئذنة الغربية وجدد الجامع في القرن الماضي مرتين كانت الأولى في عهد الإمام يحيى حميد الدين أثناء حكم ولي عهده سيف الإسلام أحمد لمدينة تعز، وفي العصر الجمهوري استكملت كسوة بقية الواجهات وكذلك استبدال السقف الخشبي بسقف إسمنتي على نفقة الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز.

الجامع من الداخل

جامع الجند العتيق شأنه شأن مساجد اليمن الأولى لم يبق من عمارته الأصلية إلا الرقعة الصغيرة التي كان يشغلها المسجد عندما بناه الصحابي معاذ بن جبل والتي أدخلت في مساحته الحالية، والجامع حاليا مستطيل الشكل طوله من الخارج (5.65م) وعرضه (43 م) يحيطه سور تتوجه شرفة مسننة، وأما تخطيطه العام فيتكون من صحن مكشوف بطول 35 مترا وضع فيه عمود مربع بارتفاع مترين يستخدم كمزولة لتحديد أوقات الصلاة، وتحيط به أربعة أروقة أعمقها رواق القبلة الذي يتألف من أربعة أساكيب ويزين جدار القبلة فيه محرابان وضع بينهما منبر خشبي، يعد تحفة فنية غنية بالزخارف المحفورة والمخرمة والمجمعة وهو من المنابر الباقية التي ترجع إلى زمن طغتكين بن أيوب في الربع الأخير من القرن السادس الهجري وتكمن أهميته في أنه يعد حلقة الوصل بين طراز المنابر المبكرة ومنابر اليمن في الفترة اللاحقة أي الرسولية والطاهرية.

وتشغل المئذنة جزءاً من الزاوية الجنوبية الغربية وهي تتكون من جزء سفلي اسطواني يعلوه شكل مثمن فوقه شكل مسدس ويتوج المئذنة من أعلى قبة ويبرز إلى جانب المئذنة لوح من الحجر كتب عليه اسم السلطان عامر بن عبد الوهاب، بالإضافة إلى ألواح أخرى سجلت عليها التجديدات المتلاحقة التي جرت على هذا الجامع عبر الحقب التاريخية المختلفة.

وللمسجد أربع زيادات مكشوفة تحيط به من الخارج، وقد شغل الركن الجنوبي الشرقي من الزيادة الشرقية بميضأة مكونة من بركة للمياه مستطيلة الشكل تمتد من الشمال إلى الجنوب، يشغل ضلعها الشرقي أحد عشر حماماً مغطاة بقباب صغيرة، فيما يشغل كلاً من الضلعين الشمالي والجنوبي حمامان مماثلان، وفي الضلع الغربي للبركة خمس حجرات صغيرة مكشوفة وعدد من المقاعد الحجرية الدائرية للجلوس عليها أثناء الوضوء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"