فك رموز اللغات يفتح الباب على أسرار الماضي

بعض الكتابات لا يزال لغزاً
13:20 مساء
قراءة 5 دقائق

اللغة هوية الإنسان وأحد ارتباطه بأرضه ووطنه، وأداة المعرفة، والتواصل بين الفئات الاجتماعية المختلفة. ومن دون اللغة التي تصون الذاكرة يفقد الإنسان كينونته الواعية. ولذلك يهتم العلماء بكل ما يتعلق باللغة، وفي مقال نشرته مجلة نيوسانتست، يشرح العالم والكاتب أندرو روبنسون من جامعة كامبريدج تطور اللغة وأهمية فك رموز اللغات المندثرة والصعوبات التي تواجه علماء الآثار في سعيهم لذلك.

يعتبر روبنسون الكتابة واحداً من أعظم الاختراعات الإنسانية، هذا إذا لم تكن أعظمها بالفعل، فلولا الكتابة لم تكن لتوجد المعرفة المتقدمة، ولا السجلات التاريخية ولا الكتب، ولا حتى الصحف او الانترنت، فعن طريقها تم تناقل الخبرات العلمية وتطويرها مع الأجيال.

وتعود أقدم كتابة معروفة حتى الآن كما يؤكد إلى 5000 سنة وهي التي اكتشفت العراق والحضارة الآشورية والتي تعرف بالكتابة السومرية، وبعدها بفترة قليلة ظهرت الكتابة الهيروغليفية في مصر، ثم وبعد فترة طويلة نسبيا ظهرت الكتابة في كل من أوروبا، والصين، وأمريكا الوسطى.

ويشير الى أن الكتابة لم تتوقف عند أمة واحدة، فقد اخترعت الشعوب حول العالم مئات من اللغات المكتوبة المختلفة، منها ما بقي حتى الآن كلغتنا العربية ومنها ما اندثر تماما.

وفي تصور روبنسون ما تزال مهمة فك رموز هذه اللغات عملاً بالغ الأهمية بالنسبة للإنسانية، لأنها تستطيع ان تخبرنا عن سر الماضي البعيد وتاريخ أجدادنا، مشاكلهم وأفراحهم وعلومهم، وهذا ما نستطيع ان نتعلم منه الكثير.

ويدلك على ذلك بأنه بعد أن فكت رموز الكتابة الهيروغليفية عام 1823 استطاع العالم أن يسمع صوت رمسيس العظيم، واطلَعْنَا على الكثير من إنجازاته واشراقات الحضارة المصرية.

كما استطاعت البشرية الاطلاع على ثقافة حضارة المايا الأدبية والمعمارية المتطورة بعد ان فُكت الغاز رموز كتابتها المعقدة.

قد يتساءل البعض عن سر اكتشاف تلك الكتابات واللغات البائدة، ويقول أندرو: روبنسون عن ذلك: ان اكتشاف الغاز كل كتابة بائدة يعتمد على شيئين.

أولا وجود مادة كافية من اللغة البائدة، فجملة او اثنتان لن تمكن عالم الآثار من فك رموزها. ثانيا ان تكون قريبة من إحدى اللغات الحية او المعروفة لنا، كما يساعد جدا وجود الأسماء المهمة فيها كالملوك والأمراء في ذلك الزمان على جعل فهمها أكثر سهولة.

ويضرب مثالا على ذلك بالكتابة التي وجدت على الحجر الزهري في مصر، باللغتين المصرية والإغريقية القديمة، وتناولت أسماء ملوك من سلاسة البطالمة وأحداث مهمة من ذلك العصر، مما ساعد في كشف محتواها بسرعة كبيرة نسبيا.

وبالرغم من العلوم الحديثة والتقنيات المتطورة التي استطاعت فك رموز معظم اللغات القديمة إلا ان بعض الكتابات ما تزال لغزا حتى الآن.

ويقسمها العلماء إلى ثلاث مجموعات الأولى: نص غير معروف مكتوب بلغة معروفة مثال على ذلك نصوص الحضارة الاتروسكانية التي ازدهرت في غربي ايطاليا قبل أكثر من ألفي عام وتحديدا في القرن السابع قبل الميلاد، فيما يعرف اليوم ب توسكانا وبالرغم من ان النصوص المكتشفة مكتوبة بأحرف شبيهة جدا بأحرف اللغة الإغريقية القديمة، إلا أنها غير مفهومة أبدا ولا يميز علماء الآثار فيها إلا بعض أسماء المدن والشخصيات المهمة، فهي وعلى عكس اللغة الإغريقية تكتب من اليمين إلى اليسار.

وحاول العلماء بلا طائل مقارنة حروفها باللغات الأوروبية المختلفة حتى الكتلانية (لغة سكان برشلونة الحالية)، ولغة سكان إقليم الباسك الإسباني (الباسيكو) إنما من دون جدوى.

المجموعة الثانية هي: نص معروف مكتوب بلغة غير معروفة. كأن يعرف معنى النص لوجوده في وثيقة رسمية مكتوبة بعدة لغات من دون ان يكون معلوما معنى الحروف.

والمجموعة الثالثة هي نص غير معروف مكتوب بلغة غير معروفة. وهي أصعب الحالات التي يمكن العثور على حل لها، لكنها لا تثني العلماء من المحاولة على الإطلاق، ويكتشف علماء الآثار باستمرار المزيد من النصوص المشابهة مما يزيد من احتمال الكشف عن أسرارها مستقبلا.

وكانت بعثة فرنسية سويسرية مشتركة بقيادة شارل بونيه عثرت على مجموعة من التحف الأثرية المهمة في موقع كرمة جنوب الشلال الثالث في شمال السودان عام 2002.

ووجد علماء الآثار من جامعة جنيف حفرة بداخلها سبعة تماثيل كبيرة الحجم، ترجع إلى ملوك النوبة الذين حكموا إمبراطورية كبيرة في وادي النيل منذ ألفين و500 سنة، واستمرت ألفا و200 سنة، وعرفوا باسم الفراعنة السود.

وأسس ملوك النوبة مملكة كوش القديمة، وتمكنوا من مد سيطرتهم على مناطق شاسعة في وادي النيل، ما بين الخرطوم في السودان وأسوان في مصر حيث حكمت منذ عام 712 قبل الميلاد ولمدة 70 سنة، حتى قدوم الآشوريين الذين أجبروهم على التراجع إلى الجنوب.

وغير الفراعنة السود لغتهم بعد انسحابهم، وما تزال اللغة التي كتب بها هؤلاء من مصر، مجهولة حتى يومنا هذا بالرغم من اكتشاف مخطوطات للغتهم في العام 1911 على يد العالم فرانسيس غريفيث من جامعة أكسفورد.

وبالرغم من تشابه حروفها مع اللغات القديمة في ذلك العصر إلا ان احداً لم يستطع فك طلاسمها حتى يومنا هذا.

اللغة الغريبة الأخرى تدعى رونغو رونغو واكتشفت في جزيرة الفصح أمام سواحل تشيلي في 1864 على يد بعثة فرنسية.

والجزيرة التي اكتشفتها سفينة هولندية عام 1722 كانت خالية إلا من بعض التماثيل الضخمة لوجوه إنسانية، ويعتقد العلماء ان سكان الجزيرة واستنزفوا مواردها وباتوا يأكلون لحوم بعضهم البعض إلى أن افنوا ذريتهم على الجزيرة التي جاؤوا إليها من جزر البولونيز الحالية شمال شرق استراليا.

ووجدت الكتابة التي تعود إلى القرن الرابع الميلادي على ألواحٍ خشبية، ويعتقد علماء الآثار ان اللغة الغريبة تقرا اسطرها مرتين مرة من اليمين إلى اليسار، وذلك بسبب الشكل الاسطواني للألواح الخشبية.

وكانت كل الجهود لمقارنتها بلغات أخرى باءت في الفشل. بعيد جداً عن جزيرة الفصح نعود إلى أقدم نص كتابة مكتشف حتى يومنا هذا والذي يعود إلى 3050 سنة قبل الميلاد والمكتشف في جنوب في مملكة سومر القديمة.

وبدأت الكتابة أولا على شكل رسوم على ألواح الطين والمعادن المختلفة كالبرونز والشمع وغيرها من المواد، وتطورت إلى الكتابة المسمارية التي لا تمت بأي صلة إلى اللغات المعروفة حاليا.

وكان العلماء تمكنوا من حل رموز هذه اللغة في القرن التاسع عشر مما أتاح لهم التعرف على آداب وقوانين الحضارة القديمة إضافة إلى النصوص الرياضية، والتاريخية والملاحم والرسائل والمراسيم الملكية.

ويوجد في المتحف البريطاني حوالي 120 ألف لوح طيني مكتوب باللغة المسمارية، التي كانت لها قواعد ونظم منذ خمسة آلاف سنة فدون السومريون بها السجلات الرسمية وأعمال الملوك وإنجازاتهم، والمعاملات التجارية والأساطير المتداولة في ذلك العصر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"