الذُّهان..اضطرابات عقلية وصعوبات تفاعلية

23:54 مساء
قراءة 6 دقائق
تحقيق: راندا جرجس

الذهان هو خلل في اتصال الإنسان بالواقع المحيط به، حيث يتعرض الأشخاص المصابون بالمرض إلى نوبات هلوسة وأحاسيس وأفكار لا وجود لها، والتمسك بمعتقدات توهمية، أو الحالات العقلية التي يحدث فيها خلل ضمن أحد مكونات عملية التفكير المنطقي والإدراك الحسي، وهناك بعض الأشخاص تتمثل إصابتهم في تغيير الشخصية مع مظاهر تفكير مفكك، ما ينتج عنه صعوبات في التفاعل الاجتماعي مع الأشخاص الآخرين، وأحياناً التصرف بشكل غريب وقلة التفاعل مع الناس، وعدم القدرة على العناية الشخصية أو القيام بالأعمال اليومية، ولذلك يحتاج هؤلاء المرضى للمعاملة بشكل خاص سواء على المستوي الطبي أو العائلي، وهذا ما سنعرفه في السطور التالية..
تقول الدكتورة حنان قنديل اختصاصية الطب النفسى، إن الذهان تجربة فقدان الاتصال بالواقع الذي لا يشكل جزءاً من معتقدات الشخص الثقافية والدينية، وفي بعض الأحيان يصعب على المصابين بالذهان تحديد المشاعر والأفكار الحقيقية من سواها، حيث يعتقدون أن هناك أحداثاً مزيفة تحدث حقاً، ويعد الذهان عرضاً لمرض، وليس مرضاً بحدّ ذاته، ويمكن أن ينطوي على هلاوس سمعية، وبصرية، وذوقية، وشمية، إلى جانب الإحساس بأشياء غير موجودة، ويمكن أن يشمل أيضاً الأوهام، وهي معتقدات ثابتة غير حقيقية لا تستند إلى الواقع، وغالباً ما يُنظر إلى هذه المعتقدات على أنها خوف أو شك لا أساس له، ومن الملاحظ أن هذه المعتقدات الوهمية لا تتغير عند المصاب عند تقديم حقائق تثبت زيف معتقداته، وفضلاً عن ذلك، يعاني المصابون اضطراباً في الأفكار، حيث تتكون لديهم أفكار غير مترابطة وينتقلون بشكل مفاجئ من موضوع إلى آخر، وأيضاً يحدث تغيرات في الأحاسيس والسلوك، إلى جانب الأحاديث غير المفهومة عديمة المعنى، ويمكن لأي شخص أن يصاب بالذهان، ومن المتوقع أن يعاني 6% من البشر عرضاً ذهانياً في مرحلة ما من حياتهم، وهو قابل للعلاج، وربما تسبب أعراضه هذه نوعاً من الخوف لدى المصابين بها، مع الميل أحياناً إلى إلحاق الأذى بأنفسهم أو بالآخرين.

أعراض وعلامات

وتذكر د. قنديل أن أعراض الذهان في مراحله المبكرة تتضمن القلق، صعوبة التركيز، المزاج الكئيب، الشك، وبينما تشمل الأعراض الأخرى تغير عادات النوم، بما فيها قلة النوم أو الإفراط، مع وجود معتقدات وأفكار غير معتادة، والابتعاد عن الأصدقاء والعائلة، ويعد الذهان اضطراباً عقلياً خطيراً، يختبر المصابون به مشاعر غير منتظمة، وأفكاراً تشير إلى انفصالهم عن الواقع، وتبدأ الاضطرابات العقلية بالظهور غالباً في مرحلة الطفولة أو المراهقة، ولا يخضع المصابون للعلاج عادة إلا بعد عدة سنوات، وربما يساعد التدخل المبكر في الاضطرابات الأولية على الحد من شدة الاضطرابات الأولية وتسهيل علاجها، ومنع تطور الاضطرابات الثانوية، وهنا تبرز الحاجة للمزيد من البحوث حول العلاجات المناسبة للحالات المبكرة من الاضطرابات الأولية، وحول تقييم الآثار طويلة الأمد للتدخل المبكر في الوقاية الثانوية.

أسباب الإصابة

تبين د. قنديل أن الإصابة بالذهان تنتج عن العديد من الأسباب، تشاهد بشكل شائع في الاضطرابات العقلية بما فيها الاضطرابات الذهانية، واضطرابات المزاج، ويرتبط حدوثه في بعض الأحيان بعدة أسباب منها الإدمان على الماريجوانا، إذ تشير بعض الدراسات إلى دور الماريجوانا في بدء ظهور أعراض الفصام، كما سجلت بعض المستشفيات استخدام الماريجوانا بشكل كبير بين المرضى الذين اختبروا الذهان لأول مرة، وذلك عند ظهور الأعراض، وتشمل الأسباب الأخرى للإصابة به على: تناول الكحول، وتعاطي المواد المخدرة غير المشروعة، وأيضاً الإصابة ببعض الأمراض العضوية مثل الصرع، داء باركنسون، داء ويلسون (عدم القدرة على استقلاب النحاس)، داء هنتنجتون، الاضطرابات الصبغية، أورام الدماغ، الخرف، داء لايم، التصلب المتعدد، والسكتة الدماغية، إلى جانب حالات قلة النوم، وسوء التغذية الشديد، وتناول بعض أنواع الأدوية الموصوفة مثل الستيروئيدات، والمركبات الأفيونية (الكودئين والمورفين)، والأدوية المنشطة بما فيها الأدوية الخاصة بعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.

مراحل الذهان

وتشير د. قنديل إلى أن الأعراض الذهانية الناتجة عن مرض عقلي، تظهر عادة على ثلاث مراحل، وليس من السهل تحديد المراحل أثناء حدوثها، وربما يختلف طول مدة كل مرحلة من شخص لآخر، كالآتي:-
* المرحلة الأولى، وهى تدعى المرحلة البادرية، وتحدث قبل تطور الأعراض الذهانية، ولا يمر بها جميع المصابين بالذهان، وتشمل على علامات مبهمة تشير إلى وجود خلل ما، حيث تظهر على شكل مجموعة من الأعراض الخفيفة بشكل تدريجي وتتبدل بمرور الوقت، أو تحدث لمرة واحدة فقط دون أن تتكرر، وربما يعاني بعضهم من تغيرات في المشاعر والأفكار والسلوك وتبدلاً في نظرتهم للمحيط من حولهم، وعادة لا تظهر الأعراض الذهانية الواضحة (الأوهام، واضطراب الأفكار) في هذه المرحلة، إنما يعاني المريض رؤية بعض الظلال أو أشياء غير حقيقية مع إدراكه زيف هذه الرؤى، ومن الصعب تحديد هذه المرحلة التي تستمر لعدة سنوات، وفى بعض الحالات لا تتطور إلى مرض ذهاني، وتشمل أعراض المرحلة البادرية ما يلي:
* نقص الإدراك (حيث يتراجع أداء الدماغ عما هو عليه في العادة).
* قضاء وقت أقل بكثير مع العائلة والأصدقاء.
* الحصول على درجات ضعيفة في المدرسة على غير العادة.
* تراجع الأداء في العمل.
* تقليل النشاطات التي يمارسها المريض عادة.
* تجنب الاستحمام، والتبرج، وغيرها من أمور العناية الشخصية.
* القلق، الهياج، أو الاكتئاب.
* الصعوبة في تركيز الانتباه أو تذكر الأشياء.
* التفكير الدائم بأفكار جديدة غير معتادة.
* تغير عادات النوم.
* بدء الشعور بالارتياب أو ظهور أنماط غريبة من الأفكار.
* المرحلة الثانية، وتعرف باسم المرحلة الحادة، التي يعاني المريض خلالها أعراضاً ذهانية واضحة كالهلاوس والأوهام واضطراب التفكير.
* المرحلة الثالثة، وتدعى مرحلة التعافي أو مرحلة التخلص من الأعراض، وهنا يستغرق الشفاء وقتاً طويلاً، ولا يحدث دفعة واحدة، وبالرغم من قابلية الأعراض للعلاج، فإن ذلك لا يعني الشفاء التام من المرض، أو التخلص تماماً منها، إذ تبقى بعض الأعراض غالباً ويتعلم المريض كيفية التعامل معها والاستمرار بحياته.
وتفيد د. قنديل بأن هناك بعض النماذج الحيوية النفسية الاجتماعية، تظهر على الشخص، حيث إنها ترافق الإصابة بمرض الذهان وتتمثل في:
* الحيوي: أسباب وراثية، اختلال التوازن في كيمياء الدماغ (الدوبامين بشكل رئيسي)، إصابات الرأس، تعاطي المخدرات.
* النفسي: التوتر، الصراعات، أحداث الحياة، أسلوب التأقلم، اليأس.
* الاجتماعي: العزلة، العائلة، العمل، الشبكة الاجتماعية، الفقر.

العلاج

وعن طرق العلاج الخاصة بمرض الذهان، توضح الدكتورة رينا توماس، اختصاصية الطب النفسي، أنه يتطلب علاجاً مدى الحياة حتى عند تراجع الأعراض، ويمكن أن يساعد العلاج بالأدوية والعلاج النفسي على السيطرة على هذه الحالة المرضية، وخلال فترات الأزمات أو اشتداد الأعراض، فربما يكون احتجاز المريض في المستشفى ضروريًا لضمان سلامته وتقديم التغذية السليمة له والنوم الكافي والنظافة الأساسية، وعادة ما يكون الشخص المسؤول عن توجيه العلاج طبيباً نفسياً متمرساً في علاج فصام الشخصية، وهناك بعض الحالات التي تحتاج لتواجد فريق طبي علاجي، لديهم خبرة وفيرة في علاج فصام الشخصية يتكون من اختصاصي علم نفس، متخصص اجتماعي، ممرض نفساني، وأيضاً مدير حالة لتنسيق الرعاية.
وتضيف: يُعد هذا النوع من أفضل العلاجات التي يمكن تطبيقها، وتُحسن النتائج بالنسبة للمريض، كما أشار الباحثون إلى تسجيل مستويات أدنى من تناول الأدوية لدى المجموعة التي تمت معالجة أفرادها مبكراً، وغالباً ما يترافق تناول هذه الأدوية مع آثار جانبية مرتبطة خصوصاً بزيادة الوزن والنعاس، ويمضي المرضى الملتزمون بهذا البرنامج فترة أطول تحت العلاج كما يشهدون، بالإضافة إلى التراجع الأكبر في مستوى الأعراض، تحسناً في علاقاتهم مع الآخرين وفي نوعية حياتهم مقارنة مع المرضى في المجموعة الضابطة، وللوصول لنسبة شفاء سريعة يجب الانتباه للآتي:-
* يجب ألا يشعر المريض أن لديه مشكلة، بل معاملته على أنه شخص طبيعي 100 %.
* إعارته الكثير من الاهتمام، والاستماع إليه والنظر إلى عينيه عندما يتحدث وعدم إهماله والانشغال عنه بأي أعمال أخرى.
* التركيز على إيجابياته وتعزيزها وإحساسه بأهمية دوره تجاه عائلته وأصدقائه، وتوكيل بعض المهام إليه.
* الحث على استخراج الطاقة السلبية التي في داخله، كما وجد علماء الطاقة ارتداء سلسلة من الفضة أو الذهب تحقق القدرة على امتصاص الطاقة السلبية من جسم الإنسان.
* مساعدته على اكتشاف هواياته وتنميتها، وتوفير مساحة خاصة لممارستها.
* الابتعاد عن انتقاده ومعاندته، وإن كان لابد فيجب اختيار الكلمات اللائقة لإيصال الرسالة بشكل عابر وليس بأسلوب أمر أو توبيخ.

دور الأهل والطاقم الطبي

وتشير د. توماس إلى أن الدراسات والأبحاث أظهرت ضرورة دور عائلة المريض في سرعة الشفاء والتعافي بعد مرحلة العلاج بالأدوية، وخاصة الأسر التي تساعده وتتفهمه ولا توجه له النقد المستمر، على عكس العائلات المفككة أو المتشددة يواجهون أوقاتاً عصيبة ما ينتج عنه انتكاسة الحالة والعودة للمستشفى مرة أخرى، ولذلك يترتب على جميع أفراد العائلة الانتباه لسبل التعامل مع مريض الذهان الفصامي، بأن ينّموا مهاراتهم في التعامل ومحاولة التوقع والتكيف مع نوبات المرض في حالة زيادتها أو انخفاضها، ومنح الطمأنينة الهادئة على الدوام.
وتستكمل: يحتاج معظم الأشخاص المصابين بفصام الشخصية إلى الحصول على أحد أشكال الدعم على المعيشة اليومية، والعديد من المجتمعات لديها برامج لمساعدة هؤلاء الأشخاص المصابين وتوفير الوظائف والسكن ومجموعات المساعدة الذاتية ومساندتهم في حالات الأزمات، وبمجرد تراجع الذهان، تكون التدخلات النفسية والاجتماعية ضرورية، وذلك مع استمرار العلاج بالأدوية، وربما تتضمن تعليم المريض كيفية التكيف مع الضغط النفسي، وتمييز أولى العلامات التحذيرية للانتكاسة، بما يساعد الأشخاص المصابين بفصام الشخصية على السيطرة على مرضهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"