ريم المتولي: العباءة بعد النفط تحولت إلى الحرير

«سلطاني.. تقاليد متجددة» يرصد تطور الأزياء
01:05 صباحا
قراءة 6 دقائق
حوار: فدوى إبراهيم

كشفت الدكتورة ريم المتولي في كتابها البحثي «سلطاني..تقاليد متجددة 1966-2004»، عن تطور الأزياء الإماراتية النسائية بشكل جلي ما بين فترتي ما قبل وبعد ظهور النفط في الدولة، وأوضحت صاحبة ال 170 ثوباً إماراتياً تراثياً أصيلاً يعود أقدمها لفترة الأربعينات، أن البيئة العامة من توفر أجهزة التبريد، والانفتاح على العالم، ووفود ثقافات العالم إلى الدولة كانت أبرز عوامل تغير الثوب الإماراتي، إلا أنه ما زال محافظاً على عناصره الأساسية رغم كل الحداثة.

خلال استضافة معرض فاشن فورورد دبي وd3 في نسخته العاشرة، للدكتورة ريم المتولي التي عرضت خلاله النسخ الأخيرة من طبعة كتابها الثانية «سلطاني.. تقاليد متجددة»، كان لنا وقفة مع تفاصيل الكتاب الذي يتكون من جزأين؛ لضخامة ما يتضمن من معلومات وصور قيّمة، وحدثتنا بداية عن أهمية تعاونها مع المعرض قائلة: «يسعى القائمون على معرض فاشن فورورد دبي إلى عدم الاكتفاء بعرض كل ما هو حديث، بل ومستقبلي في عالم الموضة، ومد جسر تواصل بينه وبين الماضي، وحين عرضوا عليّ المشاركة وافقت بالطبع؛ لأن الفكرة تتواءم وما أريد توصيله من خلال الكتاب، في جعل المجتمع في الإمارات وكل من يرغب أن يقف وقفة يحلق فيها أو يسترجع طريقة حياة المرأة في الماضي، والتي تكشفها الأثواب التي عرضناها وتعود إلى حقبة السبعينات، والثمانينات، والتسعينات، وهن 3 أثواب من بين 170 قطعة تراثية أمتلكها، أقدمها تعود للعام 1940، ونحاول دائماً في كل فترة أن نعرض قطعاً لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة؛ وذلك لأنها قديمة جداً وقيمة، لكن العرض الأكبر كان في متجر «روبنسنز»، حيث عرضنا 18 قطعة، قدرت قيمتهن من قبل مختصين بمليون ونصف مليون دولار؛ لعراقتها التراثية والتاريخية، لذلك أسعى ألا أعرض الكثير منها، بغية الحفاظ عليها؛ كونها من أقمشة قديمة قابلة للتلف، وهو ما دعانا أن نقدمها على منصات مرتفعة في معرض فاشن فورورد دبي؛ كي لا تلمسها الأيدي، وبنفس الوقت يمكن للزوار التقاط الصور معها».
حماية
صدر الكتاب في طبعته الأولى في العام 2011، وكان يتكون من ثلاثة مجلدات نفدت جميعاً، ثم تمت إعادة طباعته بنسخة جديدة مكونة من مجلدين، قدمت في معرض فاشن فورورد في 2015، الجزء الأول منه يتضمن المادة التاريخية، والثاني يتضمن تفصيلاً كاملاً لكل قطعة تراثية إماراتية، وهو ما توضحه المتولي، وحول أبرز ما يتضمنه الكتاب من معلومات حول الزي النسائي الإماراتي تقول: «كان أبرز ما قدمته في الكتاب هو معلومات غير معروفة بشكل عام عن الأزياء الإماراتية النسائية، فنحن في زمن تجري فيه الأمور بصورة سريعة جداً، وأبرز عوامل عدم الوقوف عند التفاصيل الصغيرة هو الانفتاح على العالم، والتطور المتسارع فيه، ودخول كمّ من الثقافات إلى منطقة الخليج والإمارات، ما أفرز نوعاً من القلق على الرموز البسيطة التي يمكن أن تختفي في أي لحظة، وقد تفهم بأسلوب آخر، فكان من الضروري توثيق المادة، ومن ذلك، التغيير في شكل وطريقة لبس العباءة؛ حيث تعتبر من أكثر الأمثلة دلالة على تطور الزي الإماراتي النسائي، فكانت العباءة بدايةً عباءة رأس، أي تمتد من الرأس وتغطيه حتى القدمين، وتصنع من الصوف وتشبه في نسيجها الرجالية، وهي أصلها بدوي، وكانت الغاية منها حمايتهن من الشمس وعوامل الطقس الأخرى كالبرد والحر، وحينئذ كانت باللون الأسود، وفيها بعض التطريز، وحين تغيرت الحياة قليلاً وأصبحت مدنية، وانتقل عدد كبير من البدو إلى الحضر، تغيرت العباءة في خامتها فتحولت من الصوف، وبعد النفط أصبحت من الحرير وتزين بالخيوط الذهبية، ومع الثمانينات ودخول الحداثة تغيرت العباءة وفق تغير أسلوب حياة المرأة، كدخولها للجامعة وسوق العمل وقيادتها المركبة، فأضحت عباءة الرأس غير عملية لها، وتحولت لعباءة الكتف، التي دخلت على المجتمع الإماراتي من السعودية، وأصبحت الشيلة، التي كانت قبل عقود ترتديها نساء العموم، وتغطي الرأس حتى الأسفل وبحجم كبير، بحجم أصغر لتغطي الرأس فقط وتتهدل قليلاً للكتفين، وبذلك باتت العباءة والشيلة هي الزي المعتمد للمرأة في الإمارات، وبعد حين تطور الأمر وأصبحت الشيلة ملونة، وأحياناً العباءة أيضاً، وأصبحت المرأة ترتدي غطاء الرأس من دور أزياء عالمية. فالوقت يتغير وقطع الملابس تتغير في طريقة ارتدائها، واستخدامها وقصاتها، ولكنها نابعة من الأصل أي التراث».
الوصول والحصول على قطع أزياء تراثية إماراتية تعود لأربعينات القرن الماضي وما بعدها هي مهمة صعبة، وأن تجرى دراسة للوصول إلى تفاصيل تطورها أصعب، حول تلك المهمة تقول المتولي: «تربيت في الإمارات ووصلت تحديداً في العام 1968».
زينة
توضح الدكتورة ريم المتولي، أن اختلاف شكل البرقع النسبي يختلف من امرأة لأخرى، ومن مكان لآخر، لكنه أكثر اختلافاً من امرأة لأخرى؛ كونه نوعاً من التعبير عن الإحساس الفني للمرأة، وتضيف قائلة: «كل امرأة كانت تصمم برقعها بأسلوبها الخاص الذي يبرز شخصيتها، وبما يتلاءم مع عمرها، فمنهن من تفضله عريضاً يغطي جزءاً أكبر من ملامح الوجه، وأخريات يفضلنه أضيق، وتلك التفاصيل الصغيرة تعبر عن كل واحدة منهن، أما المكانة الاجتماعية فكانت تبرز في زينة البرقع ذاته، فمثلاً هنالك برقع مزين بالذهب يسمى الرياسي أو بونجوم، أما البرقع العريض الذي يغطي المساحة الكبرى من الوجه، فعادة يصمم للنساء الكبيرات في السن، بينما كلما كانت المرأة أصغر سناً فهي، بحسب طبيعة المرأة، تكون راغبة في إبراز جمالها، فيكون البرقع أكثر نحافة وأناقة».
وتشير المتولي إلى أن البرقع لم يتمّ ارتداؤه إلا حين زواج الفتاة؛ لذلك إعلاناً لزواج البنت وتحولها لامرأة ترتدي البرقع، أما الفتاة الصغيرة غير المتزوجة فلا ترتديه، وعموماً فالفتاة في سن البلوغ تكون قد تزوجت وارتدته.
مساهمات فاعلة
خلال بحثها عن أدق المعلومات والتفاصيل حول الأزياء النسائية الإماراتية القديمة، كان لا بد للمتولي أن تعود لسيدات عشن أو عرفن تلك الأزياء، فاستطاعت أن توثق في الكتاب شهادات حية لآراء سيدات من الأسرة الحاكمة، كان لهن الفضل في تأكيد ونفي بعض المعلومات، وتقديم إسهامات مهمة لإنجاحه بحسب ما تذكر في كتابها، ومن بينهن: الشيخة عوشة بنت شخبوط آل نهيان، والشيخة حمدة بنت محمد آل نهيان، والشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، و د. شمة بنت محمد بنت خالد آل نهيان، والشيخة موزة بنت مبارك آل نهيان، والشيخة سلامة بنت طحنون بن محمد آل نهيان، وشهادات أخرى من أسر نافذة، ومن شرائح اجتماعية أخرى، من بينهن: حصة إبراهيم المطوع، شريفة محمد المطوع، د. موزة غباش، أسماء صديق المطوع، ومحترفات في الخياطة. وخياطون ومطرزون وتجار أقمشة.

أشهر الأقمشة «بوتيلة» و«المرقط بالذهبي»
تشير الكاتبة د. ريم المتولي إلى أن من أشهر الأقمشة المنقط ويسمى بوتيلة، والمرقط بالذهبي يسمى بونيرة، وهو محور عن كلمة ليرة لأنه ذهبي اللون، وكان من لديهم الإمكانية يزينون الثوب بالليرات الذهبية الحقيقية بدلاً من النقش. وعن تحول الأقمشة في فترة ما بعد اكتشاف النفط تقول المتولي: «مع كل فترة زمنية، وكل مستوى حياة كان هناك تطور، وتحول في شكل ونوع الأقمشة المستخدمة في الأثواب النسائية الإماراتية، فما قبل النفط يظهر في بساطة الأزياء لأن الإمكانات محدودة، والأقمشة المختارة كانت عملية في الأغلب، تتلاءم وحالة الطقس والبيئة التي يعيشون فيها، أما بعد ظهور النفط، فأصبح هناك إمكانية مادية جيدة، وترافق ذلك بشكل طبيعي مع تغير الوضع العام، والانفتاح على العالم الخارجي، فأصبح هناك استيراد للأقمشة الغربية، بينما كانت الأقمشة الشرقية هي التي ترد إليهم قبل ظهور النفط، وكثرت أقمشة الحرير لكونها ملائمة للارتداء في ظل وجود بيوت مبنية بإمكانات جيدة تقيهم الحر، واستحداث أجهزة التبريد، كما أن السفر إلى خارج الدولة أثر كذلك في استجلاب أشكال الموضة الخاصة بالأقمشة والمزايا الأخرى، إضافة إلى عوامل أخرى أثرت في الأقمشة والتفصيلات في الأزياء، ولكن الجميل انه حتى حينما تغيرت الخامة من القطن إلى الحرير ثم الشيفون، ومن الشرق للغرب، لكنها احتفظت برموزها التراثية التي ظلت حاضرة، كنقشات الأقمشة بونيرة، بوتيلة، بو ربوع، بو دولار، بوطيرة، وغيرها، كما أنه وبرغم ندرة خيوط التلي التي كانت تجمّل الأثواب، نجد اليوم حرصاً على تزيينها للثوب العصري، بينما ما زال الزري أي التطريز حاضراً»، وتنوه المتولي بأن حضور هذه الرموز التراثية في الأثواب، وحضورها هي بذاتها رغم التطور الذي شهدها، هو ما تمت عنونته في الكتاب «تقاليد متجددة»، بحيث إن ممارسة هذا الموروث ما زالت حاضرة ولم يعد مجرد اسم أو صورة في تاريخ الزي الإماراتي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"