زينة يازجي: أريد أن أكون صوت الناس

تتحدث عن رحلتها مع اللاجئين وحياتها الأسرية
22:04 مساء
قراءة 8 دقائق
حوار: مها عادل

هي فراشة رقيقة تبهج المشاهدين، ولكنها تستطيع أن ترتدي ثياب النمور عندما تواجه قادة العالم وصناع القرار فتطرح عليهم أهم الانتقادات والأسئلة التي تشغل الرأي العام. حملتها أجنحتها لتتنقل بين الشاشات العربية المختلفة، فتركت في كل منها بصمة مضيئة وحصلت على جائزة أفضل وأجمل مذيعة على الشاشات العربية، ودخلت قائمة أقوى 100 امرأة عربية، ولكنها ما زالت تتطلع إلى المزيد. إنها زينة يازجي مذيعة قناة «سكاي نيوز عربية»، بنت الساحل السوري التي تعتبر نفسها محظوظة لنشأتها في بيئة علم ودراسة لأب طبيب وأم خريجة السوربون. في هذا اللقاء حاولنا أن نغوص في أعماقها ونقترب من أفكارها، وكان برنامجها «بصراحة» نقطة البداية..

} كيف تقيمين برنامجك «بصراحة»؟

«بصراحة» تجربة حوارية مهمة للغاية. العالم العربي مملوء بالتطورات المصيرية التي تحتاج لحوارات مع مختلف أطياف صناع القرار العرب و الدوليين. هناك أسئلة نحن بحاجة لنطرحها بصوت عالي و نواجهها.

} ما هي عناصر التميز بالبرنامج؟

ما يميزه هو هدف الحوار و أسلوبه. أنا دائماً أذهب بحواراتي إلى ما وراء الأخبار اليومية المتسارعة، و أحاول قراءة الأحداث برؤية أعمق وأشمل. أما أسلوبي فهو معروف، إنساني وصريح، ليس فيه استعراض وإنما استفسار، أفسح المجال لضيوفي لإبداء وجهة نظرهم كاملة، لكنني لا استسلم قبل أن أفهمها و يفهمها المشاهد معي.

} خرجت مؤخراً من نمطية الحوارات داخل الاستوديو وذهبت إلى حيث اللاجئين السوريين لتصوير معاناتهم، كيف تقيمين هذه التجربة؟ وبرأيك أيهما أصعب وأكثر تأثيراً محاورة قادة الرأي أم المواطن العادي؟

صناع القرار والمتأثرون بالقرارات وجهان لعملة واحدة، رغم أن الأول ليس دائماً صادقاً وواضحاً، أما الناس وتأثير القرارات السياسية والاقتصادية فيهم هم الحقيقة. ما نفع قرارات جبارة وصاحب قرار بطولي إذا كانت ذات تأثير سيئ وكارثي على الناس؟ صوابية قرار معين وتميز أي قائد يأتي من قدرته على الاستجابة لحاجات الناس وحل مشكلاتهم، وهذا هو المقياس الوحيد. ومن هنا قررنا في برنامج «بصراحة» على «سكاي نيوز عربية» أن نكون مع الناس، ونخرج عن سكة البرنامج لحلقتين، أعتقد أنهما كانا من أنجح الحلقات لهذا الموسم. لم أستطع أن أبقى، أنا زينة السورية، الصحفية، الأم، بعيدة عن هذه المعاناة. كان لا بد أن أساهم و أشارك في نقل الأوجاع حتى نسهم في إيقافها. طرحت الفكرة ووجدت دعماً من إدارة المحطة، من المدير العام نارت بوران ورئيس التحرير مصطفى السعيد، فوضبنا أدواتنا وانطلقنا.

} حدثينا عن طفولتك ونشأتك كيف أثرت في تكوين شخصيتك؟

أنا ابنة الساحل السوري، نشأت في بيت علم و دراسة، أبي طبيب وأمي خريجة السوربون، أخوتي كلهم تعليمهم علمي من هندسة وطب، وأعتقد أن ميلي للحس الإنساني، أخذني للأدب الإنجليزي في جامعة تشرين السورية، و من ثم إلى الصحافة في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت. تربيت على الجد والاجتهاد، مساعدة الغير، الصدق والخير في أصغر الأمور وأكبرها. كان دائماً لدي شعور بأنني محظوظة لأن الرب أنعم علي بعلم وبيت حنون وفكر مصقول، فلا بد لي أن أستثمره. وأعتقد أن الصحافة حققت لي هذا التوق، أستغرب ممن يدخل الصحافة التلفزيونية من أجل الظهور فقط، يجب أن يكون مفيداً للمجتمع وإلا فإنه مضيعة للوقت والجهد.

} ما رأيك في مقولة أن الإعلام موهبة بالأساس ولا يحتاج دراسة؟

أعتقد أن الإعلام بالأساس توق وشغف. توق لكشف الواقع وخياراته أمام المجتمع، بالسياسة أو الثقافة أو الترفيه. وهذا الشغف يولد قدرة على التواصل مع المشاهدين وهذا سر النجاح الفردي. طبعاً المعادلات أكثر تعقيداً اليوم، فالترويج الكثيف يمكن أن يوحي بنجاح إعلامي، ضخامة إنتاج بعض البرامج أو الأعمال التلفزيونية أيضاً تؤثر، بصراحة فإن تزييف النجاح ممكن و حاصل. أما الدراسة فإنها تختصر التجربة، فمثلاً دراستي الإعلام مكنتني من فهم قليل من الإخراج والتمثيل والدراما والتسويق. الدراسة توسّع آفاق المعرفة خارج الموهبة.

} ما أهم المحطات بحياتك المهنية وكيف استفدت منها؟

دراستي في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت كانت مفرق طريق في حياتي، ليس فقط من ناحية الشهادة والمناهج الممتازة النظرية والعملية، و لكن من حيث الانخراط في الصخب اللبناني السياسي والفكري. عملي مع التلفزيون السوري أعطاني ثقة بقدراتي وسمح لي أن أجرب نفسي في عدة مجالات اقتصادية وسياسية وحوارية وإخبارية، حتى درامية ووثائقية. وطبعاً عملي مع قناة «العربية»، المحطة الأهم في المشوار. هي مدرسة في الأخبار وصناعتها، في الأداء والتسويق، في الإدارة و الزمالة. كانت عالمي لثماني سنوات. العمل مع تلفزيون دبي في برنامج «الشارع العربي» هو بالحقيقة أول تجسيد لأحلام تراكمت أثناء عملي بقناة «العربية» من حيث توقي إلى المساحة الحوارية، حرية الحركة في الميدان، الالتصاق بالشارع والمشاهد عبر النيوميديا أو الاحتكاك المباشر، بدل الجلوس في الاستوديو وتلقي الخبر من المكاتب. أما محطتي الحالية «سكاي نيوز عربية» فهي ترسيخ لكل ما مضى وعلى شاشة معاصرة لها بعدها العالمي.

} تلقيت جوائز وتكريمات.. ما أهمها وماذا تمثل لك؟

كنت من ضمن 100 أكثر السيدات العربيات تأثيراً في لائحة أرابيان بزنس في 2013، كما تم انتخابي بالتصويت من الجمهور كأفضل وأجمل إعلامية عربية عبر «أم سي انترناشنال»، وأتطلع للمزيد.

} أنت زوجة الفنان عابد فهد.. كيف تقيمين زواج الفن بالإعلام ولزوجين مشهورين، وكيف يؤثر في حياتك الأسرية؟

طبعاً عملنا يأخذ الكثير من وقتنا وتركيزنا وهذا يجعلنا متوترين أحياناً وقليلي الصبر، يصبح الأمر متعباً كثيراً في الفترات التي يذهب بها عابد إلى التصوير، لأنه متى بدأ التصوير فإن كل الواجبات المنزلية تكون من نصيبي. وهذا يرهقني نفسياً وجسدياً مع اضطراري للسفر أنا أيضاً كل أسبوع تقريباً. أقلق على الأولاد وأحاول تأمين كل الاحتياطات قبل السفر، وهذا يتعب أعصابي بالفعل. ولكن من ناحية أخرى، فإن الشهرة ومحبة الناس تفتح لنا الكثير من الأبواب، وتسهل حياتنا في المدرسة والنوادي والجيران والأصدقاء. فالناس تشعر أنها تعرفنا وتقديرهم لعملنا يجعلهم يتقدمون للمساعدة وتسهيل العقبات، الحمد لله.

} حدثينا عن أهمية الأسرة في حياتك، والوقت المخصص لبيتك خاصة وأن كثيراً من المذيعات قد يجدن صعوبة في الحفاظ على استقرارهن الأسري و نجاحهن المهني بذات الوقت؟

بالطبع الحفاظ على الأسرة أصلاً صعب فما بالك بأسرة صحفية، دائمة السفر والقلق والتنسيق والترتيب عبر التلفون والإيميل! ولكن وصفتي السحرية هي كالتالي: فترات كاملة للعمل، وفترات كاملة للبيت. بمعنى أقضي أحياناً أسبوعين أكاد لا أعرف شيئاً عن الأولاد، ثم أدخل معهم لأسبوع في كل تفاصيل الدراسة والرفاق والتدريبات، وأقوم بتجميع كل لقاءات المدرسة وغيرها فأنهي الأمور، تحضيراً لموجة العمل المقبلة. طبعاً أحياناً لا تنفع الوصفة وتحترق الطبخة! ولكنني أجد هذا أفضل من السير على الخطين معاً في نفس الوقت.

} المرأة التي تتزوج فناناً مشهوراً عادة ما تعاني الشعور بالغيرة، هل تعرف الغيرة طريقها إليك؟

أحياناً أغار ولكن ليس لدي الوقت لأسترسل، بالحقيقة عندما أكون مشتاقة ومضغوطة بين العمل والمنزل أكون حساسة جداً، ولكن حين يكون عابد بقربي وتكون أمور المنزل على ما يرام، فإنني أتمتع بمناعة تامة من الغيرة أو أي مشاعر مزعجة أخرى.

} ماهي طموحاتك على المستوى الشخصي والمهني؟

شخصياً، أتمنى أن أنجح أنا وعابد في تأمين حياة مستقرة وآمنة لأولادنا، وأن نكون نجحنا في تنشئتهم ليكونوا صالحين، أقوياء وسعداء. أما مهنياً، فأتمنى أن أصل إلى صيغة برنامج يلتصق بالمشاهد تماماً بدون أي نفاق سياسي أو اجتماعي، وبنتاج ضخم لنشره وتسويقه. أقلق من أن الوقت يمر وما زلت أشعر أنني لم أصل إلى ما أريده بعد، أريد أن أكون صوت الناس، كل الناس.

} هل تجدين لدى ولديك ميولاً فنية أو إعلامية؟ و ما رأيك بدخولهم أحد المجالين؟

ليونا ابنتي لديها بالتأكيد ميول فنية إنسانية، كالتأليف ربما أو الإخراج، أو الاستعراض. أما تيم فمن المبكر الجزم، ولكن ما هو واضح أن لديه حضور جاذب، محبب في محيطه في المدرسة والنادي والجيران.

} بسبب تعرضك اليومي كمذيعة أخبار لأحداث القتل والدمار والحروب، كيف يؤثر ذلك في مزاجك، وهل تحملين هذه المشاعر إلى البيت؟

بالطبع، الفترة الماضية مثلاً كانت كل أحلامي عن اللجوء والتيه والضياع، أنا وعائلتي وأطفالي. أحياناً أشعر أن كل عضلة في جسمي تؤلمني بسبب التوتر وألا طاقة لي لأن ألمح أحداً أو أسمع صوتاً. أرجع إلى البيت محبطة إذا لم أشعر أنني كسرت صمت الضيف، وأيضاً لا أستطيع أن أقوم بأي عمل فيه دقة وتركيز قبل السفر لإجراء مقابلة. بالمقابل عند إنجازي عملاً جيداً أشعل البيت بالإيقاع السريع والمزاج الجيد وبعض اللعب مع الأولاد والثرثرة.

بكيت مع اللاجئين وتواصلنا عبر «واتس أب»

عن المواقف التي تأثرت بها زينة أثناء لقائها اللاجئين السوريين، والصعوبات التي واجهتها وفريق العمل قالت: كلها كانت مريرة، عدت من التصوير محطمة وحزينة، كيف لنا أن نعيش في منازلنا وأولادنا في أحضاننا مرفهين وأبناء سوريا، بلد الحرف والإنسان يعانون، عالقون في تركيا بانتظار خلاص في رحلة موت في البحر، في الحديقة العامة مع أطفالهم ونسائهم! أو يتعرضون لجريمة تجارة البشر على يد مهربين يسرقون حلمهم وحياتهم وأموالهم.. أو يعيشون في اللامكان واللازمان على طرقات أوروبا وحدودها.. ذهبت إلى بودروم حيث ينطلق المهاجرون من تركيا نحو الجزر اليونانية، ثم ذهبت إلى ألمانيا، حلم الأغلبية من اللاجئين، لأفهم كيف يتم استقبالهم وما هي الإجراءات التي تتخذ. وفي الحلقتين سمعت حكايات الألم الذي يبدأ بضياع البيت في سوريا بسبب القتال، وضياع مصدر الرزق لأربع سنوات عجاف، ثم فكرة الهجرة لإنقاذ أولادهم من الدخول في الحرب مع طرف أو آخر، وصولاً إلى بيع الممتلكات للدفع للمهربين انطلاقاً من داخل سوريا، عبر حدود ملتهبة إلى تركيا. رأيت الطفل يبكي والشاب ينهار والأم والأب يعانيان ويندمان، بكوا جميعاً وبكيت معهم مراراً.. تشعرين بحالة ضياع للوطن والكرامة والذات. وسيم ..الشاب الحمصي الذي لم يتمالك نفسه عندما سألته إن كان يتذكر كيف كانت حياته قبل سبع سنوات، فبكى. أم علي، الأم التي صارت لا تنام في الليل خوفاً من أن يزحف النمل على أطفالها في الحديقة العامة نحو أنوفهم وآذانهم الصغيرة، هواجس يدخل فيها الإنسان الضعيف التائه. أو المرأ ة التي أضاعت أطفالها فوصلت هي إلى ألمانيا وهم ظلوا في تركيا. أو مايا، ذات العشرة أعوام، التي كادت تغرق في بحر إيجة مع عائلتها ولم تزرف دمعة واحدة حتى لا تشعرهم بأنها خائفة، و لكنها انهارت أثناء المقابلة معي، فكانت أول مرة يعرف فيها والداها حقيقة شعورها. الصعوبات أن الفريق صغير، وقررنا التوجه لتنفيذ الفكرة بسرعة بدون تنسيق مسبق من حيث الأمور اللوجستية. ولكن الحمد لله تعاون العائلات السورية فتح لنا الأبواب الموصدة، وفتحوا قلوبهم لي. وأيضاً إيمان فريق العمل بالفكرة جعلنا نعمل من دون توقف ودون استسلام. كان تصميمنا جارفاً، لم نقف عند أي عقبة، من الزميل المخرج السوري سليم مقدسي، و الزميل المعد الليبي معتوق والفريق التركي والسينمائي السوري فراس فياض. كنا في حلقة مع اللاجئين وليس عن اللاجئين، وما زلت على اتصال مع عائلة أبو علي، التي أبشركم بأنها وصلت سالمة إلى بلجيكا، وكذلك الشاب وسيم. يكتبون لي على «الواتس آب» موقعهم فرافقتهم في رحلتهم في البحر والبر خطوة خطوة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"