الأنيميا.. أعراض مرهقة ومضاعفات خطرة

تحقيق: راندا جرجس

يعاني 62‚1 مليار شخص على المستوى العالمي، فقر الدم بحسب «منظمة الصحة العالمية»؛ حيث يصل الانتشار إلى أعلى معدلاته في صفوف الأطفال قبل سن التعليم المدرسي، وخاصة في الدول النامية؛ وذلك نتيجة غياب ثقافة التغذية الصحية والسليمة؛ حيث يعاني مريض الأنيميا، عدم قدرة الدم على إنتاج كريات الدم الحمراء، التي تحمل مادة الهيمجلوبين، الذي ينقل الأوكسجين والموادّ الغذائية بين خلايا الجسم، ما ينتج عنه الشعور الدائم بالتعب والإرهاق، وضعف التركيز، وفي هذا التحقيق نقرأ معلومات أكثر عن الأنيميا وعلاجها وكيفية الوقاية منها.
تقول الدكتورة زينب صبري، أخصائية الطب الباطني، إن الأنيميا تعد حالة طبية تصيب الإنسان فور حدوث نقص ملحوظ في نسبة خضاب الدم أو ما يعرف طبياً بالهيمجلوبين، وهي خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأوكسجين وتنقله إلى أنسجة وخلايا الجسم ونقل ثاني أكسيد الكربون من الجسم، وعودة إلى الرئتين؛ بحيث يمكن إخراجه من الجسم في عملية الزفير، كما يعرف فقر الدم أيضاً بأنه هبوط أحد القياسات المتعلقة بكريات الدم الحمراء وهي: تركيز الهيمجلوبين وهو الحامل الأساسي للأوكسجين، وهناك الهيماتوكريت، الذي يشير إلى حجم خلايا الدم الحمراء، مقارنة بإجمالي حجم الدم، وأخيراً تعداد كريات الدم الحمراء، وهو عدد كريات الدم مقارنة بإجمالي حجم الدم الكلي، وتكون عادة نسبة الخضاب لدى الذكور أعلى من الإناث دائماً؛ وذلك بسبب فقدان الإناث للدم خلال وقت الحيض، وتتراوح نسبة الخضاب للنساء بينgm/dl 12-14 وللرجال بين gm/dl 41-16.

عوامل الإصابة

تذكر د. زينب أن الإنسان ربما يصاب بحالة مؤقتة من فقر الدم، أو مستمرة؛ نتيجة لعدة أسباب تكون وراثية في بعض الأحيان، وعندما يلاحظ الإنسان بعض الأعراض الخاصة بفقر الدم، فيوجب التوجه مباشرة إلى الطبيب؛ إذ إن فقر الدم يكون بداية لحالات مرضية أكثر سوءاً وخطورة، وفي حين الإصابة بالأنيميا أو فقر الدم، لا يستطيع الجسم إنتاج ما يكفي من خلايا الدم الحمراء؛ بسبب ضياع معظمها أو تلفها بسرعة، وتعود الأسباب الشائعة للإصابة بفقر الدم إلى نقص الحديد الذي يحتاج إليه نخاع العظم لإنتاج الهيمجلوبين، أو إلى نقص في الفيتامينات التي تضمّ حمض الفوليك، وفيتامين ب 12 التي تؤدي بدورها لنقص في خلايا الدم الحمراء، ويجدر بالذكر أن بعض الأشخاص يعانون أيضاً عدم قدرة أجسامهم على امتصاص فيتامين ب 12.
تستكمل: ربما يكون فقر الدم من الأعراض التي تصيب الإنسان قبيل الإصابة بمرض مزمن كالنقرس أو الإيدز أو فشل الكلى أيضاً، أو بسبب مرض في نخاع العظم، أو يحدث بسبب بعض الأدوية مثل المضادات الحيوية، وفي بعض الحالات الأخرى تكون أسباب الإصابة بفقر الدم عائدة إلى الوراثة؛ حيث يحدث خلل في نسبة الهيمجلوبين، يؤثر في شكل خلايا الدم فتأخذ شكلاً يشبه المنجل، وبهذا الشكل يسبب ضمور الخلايا وموتها قبل الأوان المعتاد، ما يؤدي إلى هبوط في نسبة خلايا الدم وحدوث الأنيميا، وهناك بعض الحالات النادرة التي يصاب فيها الإنسان بالأنيميا نسبة لعيوب في الهيمجلوبين.

أعراض فقر الدم

تفيد د. زينب، أن أعراض فقر الدم تختلف استناداً إلى مستوى المرض حاجة الجسم إلى كمية من الأوكسجين؛ حيث يشكو المريض الذي يعاني الأنيميا عادة من الدوران، الصداع، الوهن، التعب، الإرهاق، الشعور بالإعياء، تسارع بدقات القلب، آلام الصدر، قلة التركيز، وأحياناً الشعور بالنعاس، إضافة إلى آلام في الجسم بشكل عام، والنوم لفترة طويلة أو صعوبة فيه، مع شحوب الوجه والعينين، ويزداد الشعور بتلك الأعراض مع تفاقم المرض وشدته، وربما يحدث شعور بالتنميل في الأطراف واختلال في التوازن في حال نقص فيتامين ب 12.

وسائل تشخيصية

تشير د.زينب، إلى أن التشخيص يتم عن طريق الأعراض التي يشكو منها المريض، التي ذكرت سابقاً، ما يستوجب إجراء تحاليل مخبرية؛ للتأكد من فقر الدم؛ لكن في بعض الحالات المزمنة، يتم اكتشاف الأنيميا؛ عن طريق إجراء فحوص الدم السنوية أو لحالات مرضية أخرى، وتعد تحاليل الدم لنسبة الخضاب وقراءات الكريات الحمراء من أهم التحاليل المستخدمة لتشخيص الأنيميا الحادة، أما في حالة الأنيميا المزمنة، فيجب القيام بتحاليل مخازن الحديد؛ للتأكد من نسبة النقص الحاصلة وإعطاء العلاج المناسب في الفترة الصحيحة؛ حيث يعد تحليل مخازن الحديد ضرورياً عندما يكون الهيمجلوبين طبيعياً، إلا أنّ قراءات الكريات تظهر علامات نقص الحديد (أي تكون القرارات أقل من المعدلات الطبيعية)؛ إذ من الممكن أن تكون مخازن الحديد قليلة جداً، وتسبب أعراض الدوران والإرهاق، ما يستوجب إعطاء المريض العلاج بالحديد.
تضيف: من الممكن فحص خلايا الدم تحت المجهر لأسباب أخرى مثل الحجم واللون والشكل. إجراء هذه الفحوص يساعد في معرفة سبب المرض بشكل دقيق. فعلى سبيل المثال، تكون خلايا الدم الحمراء أصغر حجماً وذات لون أكثر شحوباً حين تقل نسبة الحديد.

فئات مستهدفة

توضح د. زينب، أن النساء تعد الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالأنيميا، وخاصة من تكون ضعيفة التغذية والحامل والمرضع والمعرضة وراثياً للأنيميا، وبعد إجراء عمليات جراحية؛ لذلك تنصح دائماً المرأة الحامل بأن تتناول مكملات حديد أثناء الحمل؛ لتجنّب الإصابة بفقر الدم، كما يعد الأطفال من الفئات الأكثر استهدافاً للإصابة بفقر الدم؛ حيث إنّهم يبدؤون ببناء الحديد اللازم في جسمهم بين سن 2-3 أشهر، وتبدأ علامات ظهور فقر الدم الوراثي في السنين الأولى.

مضاعفات ومخاطر

يذكر الدكتور روشان أومين، طبيب عام، أنه لا يوجد حتى الآن سبب قاطع لحدوث الأنيميا، فربما تحدث الإصابة نتيجة عوامل مختلفة، تشمل العدوى الفيروسية، فقدان الدم بكمية كبيرة، ووجود نقص في الحديد، أو في فيتامين ب12، وفي الحالات الصحية المزمنة، كما أن مصابي الأنيميا لا يأخذون الأعراض الناتجة عن الإصابة بها بعين الاعتبار؛ بل في بعض الأحيان ربما لا تتم ملاحظة العلامات إلا في حال حدوثها بشكل معتدل على وجه العموم، ما يؤدي إلى تفاقم هذه الأعراض وحدوث مضاعفات صحية حادة، وكأي حالة صحية أخرى، في حال ترك الأنيميا أو إهمالها دون علاج، سيؤدي ذلك إلى عدم القدرة على مقاومة الأمراض، وربما الإصابة بها على نحو أسهل من المعتاد، علاوة على ذلك، سينتج عنه الشعور بالضعف والإعياء الشديدين، وتتزايد الأعراض المباشرة التي تشمل، حدوث صداع قصير والشعور بالتعب، أو حدوث مخاطر صحية طويلة الأمد، كما تسبب الأنيميا المزمنة في حدوث حالات بالقلب، التي تؤدي حتماً إلى الوفاة.

وسائل علاجية

يذكر د.روشان أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى حدوث الأنيميا، ومن ثم يعتمد علاج كل حالة على سبب وحده ومدى تطور الحالة، وفي المعتاد يمكن علاج الأنيميا، إلا أن هذا الأمر ربما يتوقف على سبب الإصابة، علاوة على ذلك، تظهر الأنيميا خلال الأعراض؛ حيث إن السبب هو نقص قدرة الجسم على إنتاج خلايا الدم الحمراء، وتشتمل وسائل العلاج على تغيير في نظام الغذاء، وتناول الأدوية، وتناول المكملات، وإجراء عمليات جراحية، وغيرها من الوسائل العلاجية؛ حيث يكون الهدف الأساسي من علاج الأنيميا هو زيادة عدد خلايا الدم الحمراء في الدم وعلاج العامل المسبب للمرض ويتم ذلك كالآتي:-
* علاج فقر الدم الناتج عن نقص الحديد، بتناول مكمل حديد لزيادة محتوى الحديد في الجسم لغرض إنتاج الهيمجلوبين.
* تعويض فقر الدم الناتج عن نقص الفيتامينات، باستخدام الحقن الطبية التي تحتوي على فيتامين B 12، إن كانت الحالة شديدة.
* معالجة فقر الدم الناتج عن مرض نخاع العظم، بتناول أدوية بالمعالجة الكيماوية أو حتى زرع نخاع عظم في بعض الحالات.
* أما فقر الدم الناتح عن انحلال الدم، فيتم علاجه بالتوقف عن تناول أدوية معينة، ومعالجة العدوى المرافقة وتناول أدوية كابتة للجهاز المناعي الذي يستمر بمهاجمة الخلايا الحمراء.
* بالنسبة للأنيميا الناتجة عن أسباب وراثية، فيجب الاستمرار بمراقبة ورصد مستوى الأكسجين في الجسم، لمنع المضاعفات، فليس هناك أي علاج معين؛ لكن هناك بعض النصائح التي تعطى في بعض الأنواع الوراثية مثل الابتعاد عن الفول والبقوليات؛ لمنع تكسر الكريات وحصول فقر الدم، أو أخذ حبوب حامض الفوليك في حالة المريض الحامل للبيتا ثلاسيميا.
* في بعض حالات النقص الشديد أو الحاد يلجأ الطبيب إلى إعطاء الحديد عن طريق الوريد، وأحياناً، ربما يحتاج المريض إلى نقل دم؛ لتعويض النقص الحاد ومعالجة أعراض فقر الدم الحادة.

الوقاية

يشير د.روشان إلى أن هناك أشكالاً متعددة للوقاية من الأنيميا المعتدلة، والسيطرة على الأعراض التي تحدث تزامناً معها؛ حيث يتم ذلك من خلال اتباع نظام غذائي غني بالحديد، وكذلك يُنصح بإجراء اختبارات الدم على نحو منتظم؛ لضمان طبيعة مستوى الهيمجلوبين في الدم.
* الممارسات الغذائية تساعد على تجنب تكرار هذه الحالات.
* إجراء اختبارات دم بشكل منتظم لغرض السيطرة على أي مضاعفات صحية.
* المواظبة على تناول أغذية غنية بالحديد، وحمض الفوليك وفيتامين ب 12 وفيتامين سي.

وصايا تطبيقية

يؤكد د.روشان، أن ليس كل أشكال الأنيميا يمكن تجنبها، فالأنيميا التي تحدث نتيجة الأمراض المزمنة يجب إدارتها باستخدام العلاج والخيارات العلاجية الأخرى، كما يجب استشارة مختص عند ملاحظة أعراض غير طبيعية، فعندما تكون أعراض الأنيميا معتدلة فغالباً قد لا يمكن ملاحظتها، وتجنب التأخير في تشخيص الحالة؛ حيث ينتج عنه مضاعفات صحية على المدى الطويل، كما أن بعض الأدوية التي يتم تعاطيها لعلاج حالة معينة، يمكن أيضاً أن تؤدي إلى حدوث أنيميا؛ ولذلك هناك بعض النصائح التي يجب تطبيقها في الوجبات الغذائية وتشتمل على:
* تناول الكبدة واللحوم الحمراء لمعالجة الأنيميا.
* تناول السبانخ الخضراء والبقدونس والنعناع والفاصولياء والملوخية.
* تناول الفواكه بكثرة وخاصة تلك التي تشمل فيتامين C.
* المكسّرات مثل الفستق واللوز.
* صفار البيض والعسل، خاصّة الأسود.
* الاستمرار بتناول البروتينات في اللحوم والأجبان والألبان.

الأنيميا المنجلية

تعرف الأنيميا المنجلية بأنها نوع من الأنيميا الوراثية يوجد منذ ولادة المريض في نخاع العظام، التي تنتج عن تغير شكل كرية الدم الحمراء، حيث تصبح هلالية الشكل عند نقص نسبة الأوكسجين، ويلاحظ في الآونة الأخيرة ارتفاع نسبة الإصابة بها، وتظهر أعراضها على شكل نقص في النمو، وعدم القدرة على مزاولة الأنشطة، والشعور بألم حاد في المفاصل والعظام.. وغيرها من المضاعفات الخطيرة، نتيجة قصر في عمر خلايا الدم الحمراء، ما يؤدي إلى فقر الدم المزمن، ويتم الكشف عن وجود هذا المرض من خلال فحوص دقيقة، وإجراء تحليل للدم لفحص خضاب الدم (الهيمجلوبين) بالعزل الكهربائي في المختبر الطبي، ويكون علاج الأنيميا المنجلية فقط بتخفيف حدة المرض.