"متحف المرأة" توثيق للإنسان لا للأشياء

ملامح من الوطن
01:50 صباحا
قراءة 9 دقائق

للمرة الأولى يصبح للمرأة متحف في الإمارات، في خطوة سباقة نفذتها بإصرار الدكتورة رفيعة غباش رئيسة جامعة الخليج العربي في البحرين سابقاً والباحثة الاجتماعية والنفسية والتراثية التي رمت كل شيء وراء ظهرها متفرغة لحلمها متحف المرأة، ليروي تاريخها بالصورة والصوت أحياناً، إضافة إلى موسوعة المرأة الإماراتية المتجددة التي يجري العمل عليها يوماً بيوم .

تم افتتاح المتحف في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد خمس سنوات من العمل، حيث أعيد إحياء هذا المكان الذي يقع في مكان يعد شرياناً حيوياً في تاريخ دبي قديماً وحديثاً، أيضاً هو بيت البنات الذي يقع مثل سكيك في منطقة الضغاية قرب سوق الذهب، والتي كانت ولاتزال منطقة تجارية، والهدف منه تاريخ مسيرة المرأة الإماراتية، والدور الذي لعبته على مدى تاريخ دبي خاصة، والإمارات عامة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً .

وبالعودة إلى المتحف وموقعه ومدى أهميته بالنسبة إلى مؤسِّسته، تقول الدكتورة رفيعة غباش: كنا نسكن في هذه المنطقة، حيث اعتاد أهل الفريج تسمية هذا البيت - متحف المرأة بيت البنات، وكانت تسكنه أسرة بوغانم، التي كانت لديها فتاتان وولد، وتعارف الناس إلى تسميته بيت البنات . وكنت أعرف منذ طفولتي . هذا المنزل الذي كان في مربع من الأزقة الضيقة أو كما نسميها بلغتنا المحلية السكيك .

حول متحف المرأة ومسيرتها وأمور أخرى كان لنا مع الدكتورة رفيعة غباش الحوار التالي:

لماذا اخترت هذا المكان تحديداً؟

- بداية لكونه يحمل الكثير من الذكريات الجميلة والبسيطة، ولأنني كنت أبحث عن هذه المواصفات التي رسمتها في ذهني، كذلك وجدته مناسباً، فهو يقع في منطقة سوق الذهب التي كانت تسمى سكة الخيل، وكانت العاصمة الاقتصادية لدبي منذ بداية الخمسينات، وهي عبارة عن شارع اصطفت على جانبيه محال لبيع وصياغة الذهب والمجوهرات، ومنه تفرعت أسواق أخرى للملابس والساعات والأدوية الشعبية وسوق النحاس (الصفافير) وغير ذلك من البضائع، ولايزال مجاوراً لسوق السمك الذي كان مركزاً لتواصل الناس، محتفظاً بمكانته الاقتصادية . بل هو أكثر الأماكن حيوية وارتياداً، إذ أظهرت دراسة حديثة أن ما يقرب من تسعين ألف شخص يعبرون هذا الشارع يومياً (تجاراً ومرتادين وسائحين)، ومن ثم فإن وجود مركز ثقافي كنوعية متحف المرأة في هذا المكان كفيل بأن يضيف إليه بعداً ثقافياً ضرورياً . وسعيت لأن يكون هذا المركز التاريخي الثقافي في أكثر المناطق حيوية وارتياداً، ليكون منبراً لإبراز تاريخ وتراث مجتمع الإمارات، من خلال تاريخ المرأة، فهو محور مغيب في أغلبية المراكز الثقافية، ولذا كان اختياري منطقة سوق الذهب لتكون مقراً لهذا المركز .

الصالون الأدبي

ما تصورك للمشروع والمراد منه؟

- لطالما أردت أن يكون هناك مكان خاص بالمرأة الإماراتية، فالمعتاد هو أن يكون لها قسم أو قاعة في المتاحف، وللآن لا يوجد مكان خاص بالمرأة وإنجازاتها، التي لا تعد ولا تحصى كما قلت سابقاً في المجالات كافة، فعلى سبيل المثال أذكر أنه كان يلتقي عندنا في المنزل جمع من النساء والسيدات ويتشاورن في كل الموضوعات المتنوعة، وهذا التجمع يعرفونه اليوم بالصالون الأدبي، في حين أن الأمور كانت أبسط بكثير منها اليوم . لذا أردت أن أقول شكراً لأمهاتنا اللاتي بذلن الكثير الكثير، ولهن الفضل الكبير في ما وصلنا إليه اليوم .

هذا إضافة إلى نقطة مهمة ثانية تتعلق بكوني باحثة في التراث، وانطلاقاً من اهتمامي بالثقافة والتراث - وعلى نحو خاص ما يتصل منه بقضايا المرأة - فقد بادرت إلى إنشاء مركز تثقيفي توثيقي يعنى بتاريخ المرأة، يسمى متحف المرأة، يقدم للأجيال المتعاقبة تاريخ الأمهات والجدات، ويبرز دور المرأة ومساهمتها الأصيلة في بناء الوطن، كما يمثل هذا المتحف - بما سيقدمه من مادة توثيقية عن المرأة الإماراتية - شهادة تؤكد أن المرأة حاضرة وفاعلة في كل القطاعات .

لم يكن شراء أرض في هذا الموقع أمراً سهلاً، ولكني وفقت فحصلت على بيت قديم كان معروضاً للبيع (في حينه)، وتصادف أن مسماه القديم متماشٍ مع طبيعة المشروع، فقد كان يسمى بيت البنات، والآن أصبح متحف المرأة، وقد تم استكمال بناء وتأسيس هذا المتحف في العقار رقم (232-113) في منطقة الضغاية قرب سوق الذهب في دبي .

وتضيف الدكتورة رفيعة: جابهتنا صعوبات وتحديات كثيرة، ولكن - الحمد لله- تجاوزنا كل المعوقات، وارتفع البناء، في الوقت نفسه الذي أقوم (أنا والفريق المتعاون معي) بكتابة وتوثيق تاريخ النساء، إضافة إلى التنقيب والبحث عما هو مرتبط بتاريخ الأسر، وتجميع ما يحتاج إليه المتحف من أدوات ومقتنيات، حرصت على جمعها من بيوت احتفظت بها حتى اليوم، فقد كنت حريصة على أن تحمل كل قطعة تاريخها الخاص، مسجلة كل الشكر والتقدير لمن أهدى المتحف مقتنياته .

مرجع تعليمي

إلى ماذا تهدفين من إنشائك متحف المرأة؟

- إن مشروع المتحف بكل مقتنياته يحمل تاريخ الأشخاص الذين ارتبطت بهم تلك المقتنيات، وهذه هي فلسفة المتحف، فنحن هنا لا نوثق للأشياء ولكن للإنسان . إضافة إلى ما ذكرته آنفاً، هناك أهداف أخرى تحققت لي، وهي أن بعضهم أصبح يتساءل: لماذا لا يكون هذا المتحف مرجعاً أساسياً لطلبة المدارس والجامعات، وبدلاً من أن يعلموهم تاريخ بلادهم شفهياً، يكون المتحف أنموذجاً حياً عن تلك الحقبة، وعن تاريخ المرأة . والأهداف الأخرى منها التعريف بمجتمع الإمارات من خلال مكانة المرأة وتاريخها وحاضرها، وإبراز الأدوار المختلفة التي مارستها المرأة قديماً وربطها بحاضرها الجميل . والتأسيس لمركز دراسات يبرز نشاط المرأة في الفكر والثقافة والفنون والتراث . وتعريف ضيوف الإمارات والجيل الناشئ بنمط الحياة اليومية بكل تفاصيلها .

هل حققت هدفك أو حلمك بهذا المشروع؟

- يسعدني هذا السؤال، ويشعرني بأنني حققت إنجازاً على مستوى أحلامي وتطلعاتي، وأيضاً أهدافي . حيث استطعت أن أجذب طلاب المدارس والجامعات والمسنين لزيارة هذا المكان، وهنا وصلت إلى نقطة أساسية ألا وهي كيف تكون هناك مرجعية للتاريخ تجعل هؤلاء يعتزون بالأمهات، وتجعل الجيل الجديد يشعر بالاعتزاز بهذا التاريخ من خلال نساء الإمارات، وبالتالي يعطي صورة حقيقية وراقية عن الجيل السابق، ويجعله معتزاً به وبالأمهات بالذات، بعد أن اعتدنا أن يكون الاعتزاز بالرجال .

قلب المكان

ماذا عن رد فعل أبناء الجيل الجديد لدى زيارتهم المكان؟

- عندما يأتي أبناء الجيل الجديد إلى هذا المكان لا ينبهرون بجمال المكان وطريقة عرض المعلومة فقط، إنما يشعرون بالغضب والانزعاج، لأنهم لا يعرفون ولم يتعلموا تاريخ هذه النماذج في الدولة، وخاصة طلاب المرحلة الجامعية كطلاب جامعة زايد وكليات التقنية والإمارات، فهؤلاء ينهون جولتهم في المتحف بالسؤال التالي: دكتورة لماذا نحن لا نعرف هذا التاريخ وهؤلاء النساء؟ وأجيبهم ببساطة: لأن واضعي المناهج ليسوا من الإماراتيين . أنا أحاول أن ألملم القصص من هنا وهناك وأبحث عن النساء المسنات وأتوجه بنفسي إليهن لسماع قصصهن، لكونها الفرصة الأخيرة لتسجيلها وتدوينها . أريد أن أسجل التاريخ قبل أن يرحل، وبالتالي سوف أقوم بافتتاح قسم جديد في المتحف، فيه المزيد من المعلومات التاريخية، وسوف أخصص جزءاً منه لوالدتي بعنوان قلب المكان وهو بمثابة شكر لهذه المرأة التي كان لديها صالونان أدبيان يومياً، ولم يكن الحضور مقتصراً على النساء فقط، بل للجميع، وكان رواد الصالونين من التجار والمثقفين وغيرهم، وكانت أمي رحمها الله تمنع أي أحد يريد النميمة، وهذا ما لم تكن ترضاه مطلقاً في مجلسها الذي كان مضمونه الفكر والثقافة .

مشكلة الضيق

يقع المكان على مساحة ضيقة، فكيف يسع كل هذا التاريخ؟

- جميل طرحك هذا السؤال، فأنا أعاني الكثير من مشكلة ضيق المكان، بالرغم من أنني طلبت السماح لي ببناء طابق ثالث، إلا أني لم أجد تجاوباً من المسؤولين من جهة، ومن جهة أخرى طلبت من أحد أصحاب المحال التجارية القريبة من المتحف والمطلة على الطريق مباشرة، بيعي محله، وعرضت عليه مبلغاً مجزياً إلا أنه رفض، وطالب بمضاعفة المبلغ .

وفي رأيي أن سبب رفضه لا يعود إلى المال، بل إلى استيائه هو وغيره من التجار الآسيويين في هذا السوق من وجودي بينهم في السوق، فضلاً عن أن هذا المشروع قد استنفد كل مدخراتي لكوني لم أجد جهة حكومية أو غيرها تدعمني، وحينما طلبت من أحد سماسرة السياحة الآسيويين أن يضعني ضمن قائمة الأماكن السياحية التي يزورها السياح رفض بحجة أن سعر بطاقة دخول المتحف مرتفعة، في حين أنه يقبض من السائح الواحد أضعافها، علماً بأن السائح لا يكلفه أكثر من 5 دراهم، ولكنهم يحتكرون السوق .

هل يعني هذا أن أحداً من السياح الأجانب لم يزر المتحف؟

- لم أتصور أنه خلال الأشهر الخمسة أو الستة الماضية سوف أستطيع استقطاب الجاليات الأجنبية، وللأسف هؤلاء يأتون من أنفسهم، وليس من خلال تنظيم الجولات السياحية، بل يتعرفون إلى المتحف من خلال تسوقهم في السوق المحيط، وبالنسبة إليّ كان هذا الاستقطاب للأجانب هو هدفي الثاني من تأسيس المتحف، ألا وهو تعريف الأجانب بتاريخ المرأة الإماراتية وتمكينها منذ وقت مبكر، وهذا ما ينفي دعوى الغرب بأنه هو الذي عمل على تمكين المرأة في الدول العربية قاطبة . كذلك أهدف إلى التوجه إلى الجالية الأجنبية التي لا تعرف شيئاً عن المرأة الإماراتية وتاريخها واجتهادها لبناء هذا المجتمع .

هلاّ أخذتينا في جولة في بيت البنات بشكله الجديد؟

- متحف المرأة هو المكوّن الرئيس في المبنى، ويحتل الدور الأرضي ويوثّق تاريخ النساء في مختلف المجالات: رائدات العمل النسائي وفي مقدمتهن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك أم الإمارات، مؤسسات وجمعيات العمل النسائي على مستوى دولة الإمارات، رائدات المشاركة السياسية مثل، الشيخة حصة بنت المر والشيخة سلامة بنت بطي، رائدات العمل الاقتصادي مثل الشيخة صنعا بنت مانع، والسيدة عوشة بنت حسين، ورائدات المجال التعليمي مثل الدكتورة عائشة السيار وغيرهن، إضافة إلى أسماء عدة لشخصيات نسائية لمعت في مجالات العمل الصحي والثقافي والفني، ويهتم المتحف أيضاً برصد كل ما يتعلق بحضور المرأة في الموروث الشعبي، وكل ما يتصل بزينة المرأة ومجوهراتها وملابسها ومقتنياتها .

جدارية للتاريخ

وفي مدخل المتحف عملنا على تصميم جدارية تربط المرأة بمجتمعها، ولا تقتصر هذه الجدارية على النساء، بل تشمل وجوهاً لرجال من المجتمع كانت حاضرة فيه وموثرة ومساهمة في بنائه، إضافة إلى لوحة مخصصة للمرأة والسياسة، وهي منصة تحكي دور المرأة الإماراتية في السياسة المحلية التي امتدت منذ سنة 1819 وحتى عصرنا الحاضر، ومن بين تلك النساء اللواتي يذكرهن تاريخ الإمارات بالفخر والاعتزاز الشيخة حصة بنت المر والدة المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، والشيخة سلامة بنت زايد الأول، والشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان حرم المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، وعائشة بنت محمد بن علي بن هويدن، وميرة بنت محمد بن سالم السويدي، رحمهن الله جميعاً .

على الجدارية كذلك وثائق ومقتنيات تذكرنا بمراحل تطور دبي خاصة، والإمارات ككل . وهناك قاعة تحتضن التراث الشعري للشاعرة القديرة فتاة العرب، وتوثّق سيرتها الذاتية، وتعرض تجربتها الشعرية بالصوت والصورة، مع إبراز أهم المحطات في حياتها . وفي هذه القاعة أيضاً عرض وتوثيق للإنتاج الشعري لشاعرات من الإمارات .

ما طبيعة عمل مركز دراسات المرأة أحد أقسام المتحف؟

- هو بمثابة وحدة بحثية توثيقية تعمل في إطار المتحف، وتؤسس لمركز دراسات مرجعي لكل المعنيين بالأبحاث المتعلقة بالمرأة في دولة الإمارات والوطن العربي، وسيبدأ العمل فيه بتوفير قاعدة معلومات عن أهم الأبحاث والمؤلفات المرتبطة بالمرأة في الأطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى مكتبة تضم كل إنتاج المرأة الإماراتية الفكري، وكل ما كتب عنها .

ويضم المتحف جاليري بيت البنات قاعة الفنون التشكيلية، وهي قاعة تعرض الأعمال الفنية للمرأة الإماراتية، وتبرز إبداعها بكل تجلياته، وقاعة العروض الدورية لأعمال الفنانين والفنانات من خارج الإمارات، ولن يقتصر دور المتحف في إطار الفن التشكيلي على مواطني الإمارات فقط، بل سيتم تخصيص قاعة رئيسة لاستضافة فنانين وفنانات من ضيوف الإمارات من كل الجنسيات، وذلك من أجل التواصل الحضاري والثقافي والإنساني . وهناك قاعة متعددة الأعراض يتسع نشاطها ليشمل العروض المسموعة والمرئية والمحاضرات وورش العمل . وفي مدخل المتحف مقهى في الطابق الأرضي لاستقبال الزوار، وسوف تستخدم جدرانه للعرض الدوري لبعض أعمال الفنانات المواطنات للتعريف بالحركة التشكيلية النسائية في الإمارات، وفيه ركن لبيع الهدايا المرتبطة بنشاط المتحف، ومرسم فاطمة بنت الزينة وهو مكان خاص بالنشاط المتعلق بالأطفال، ويهدف إلى استقطاب الأطفال المتهمين بالفنون والتراث للمشاركة الفعلية في المشروع وبناء جيل يرتبط بهذا التراث وينتمي إليه .

ومن أركان المتحف ركن مختص بمنتجات العطور الإماراتية يطلق عليه أم الدويس، وهي اسم لأسطورة في تراث الإمارات تحكي قصة امرأة ذات جمال أخاذ، سلاحها العطر والداس، والداس هو آلة ذات شكل هلالي تستخدم لقطع النخيل، وفي المكان يوجد مخلط ومخمرية وغيرهما من العطور المصنعة محلياً، وكذلك منتجات البخور المصنوع بأيدي نساء من أهل الإمارات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"