«الاضطراب ثنائي القطب».. مرض المشاعر المختلطة

00:30 صباحا
قراءة 6 دقائق
يُعرّف الأطباء مرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، بأنه مرض نفسي تحدث فيه اضطرابات عديدة تظهر فيها المشاعر المختلطة بصورة كبيرة، تتمثل في فترات من الكآبة والابتهاج والفرح غير الطبيعي تتناوب على المريض.
أثناء فترات الابتهاج يتصرف المريض تصرفات طائشة وغير مسؤولة، ويعد الأشخاص المبدعون كالفنانين والعلماء والمتميزون في المجالات المختلفة أكثر المصابين بهذا المرض، ويطلق على هذا المرض العديد من التسميات منها: الاضطراب ثنائي الاستقطاب أو الاضطراب ذو الاتجاهين أو الهوس الاكتئابي.
وكان في السابق يسمى بالهوس والاكتئاب، كما كان يتم تشخيصه على أنه مرض عقلي، ويوجد نوعان رئيسيان من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، الأول تتناوب فيه على المريض نوبة اكتئاب كبرى مع نوبة ابتهاج قليلة، ويشيع هذا النوع بين النساء على وجه الخصوص، ويلاحظ أن نوبات الاضطراب تقل كلما تقدم المريض في العمر، وتعود الإصابة بهذا النوع في المقام الأول إلى الوراثة، والنوع الثاني تتناوب فيه على المريض نوبة اكتئاب كبرى مع نوبة ابتهاج خفيفة للغاية، وتعود الإصابة به إلى الأمراض العضوية وتعاطي أنواع معينة من العقاقير، حيث إن المرض عارض جانبي لها، ويلاحظ أن عدد النوبات في النوع الثاني أكثر من الأول، وفي هذا الموضوع سوف نقدم تفاصيل هذه الحالة المرضية النفسية، مع بيان الأسباب والأعراض وطرق الوقاية والعلاج المتاحة.

نوبات الهوس

يسهل التعرف على نوبات الهوس التي تصيب مريض الاضطراب مقارنة بنوبات الاكتئاب، حيث يصبح المريض نشطاً بصورة لافتة للنظر، ومن الممكن أن يشعر في نوبات الهوس بالتحسن الشديد وغير الواقعي مدة من الزمن تمتد من أسابيع وحتى عدة أشهر.
وتتميز نوبات الهوس في العادة بنقص قدرة المريض على الحكم السليم، حيث يتصرف بسلوكيات تؤدي لحدوث مشاكل له أو لذويه أو لأصدقائه، فعلى سبيل المثال يقوم بمخاطر لا ضرورة لها في حياته الرومانسية، وهو ما يوقعه في مشاكل مع الشرطة وزملاء في العمل والعائلة، ويمكن أيضا أن يهدر أمواله على أشياء لا طائل من ورائها.
ومن المهم أن يعي المحيطون أن نوبة الهوس لا تجعل بالضرورة المريض سعيدا، لأن صغار السن من المحتمل أن يتصرفوا بطريقة عنيفة أثناء نوبة الهوس، وفي العادة فإن المريض يفقد القدرة على التفريق بين الصواب والخطأ، ولذلك فهو يرفض المساعدة من المحيطين.
ويشعر المريض أثناء نوبة الاكتئاب بالذنب وانعدام القيمة وذلك في أغلب الأحيان، وتتشابه نوبات الاكتئاب بصورة كبيرة مع النوبات التي يعاني منها مرضى الاكتئاب الشديد، ويشعر المريض بفقدان التركيز والإرهاق مع صعوبة في النوم أثناء نوبة الاكتئاب.
ونتيجة للشعور بفقد القيمة والذنب تسيطر فكرة الموت على المصاب بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، ولا يسعى المريض للحصول على العلاج في أغلب الأحيان، غير أنه يسعى بعد فترة طويلة من المرض والتعرض للنوبات الشديدة للبحث عن العلاج، وفي بعض الحالات يمكن أن يتعرض المريض لكلتا النوبتين، وفي هذه الحالة فإن فترة النوبات المجتمعة تكون مؤلمة للغاية، وذلك للهياج الذي يصيب العقل، مع غلبة مشاعر الكآبة على الأفكار.
ولا تظهر الهلوسة أو الأوهام التي يعاني منها مريض هذا الاضطراب بصورة واضحة، مثل الهلوسة التي يعاني منها مريض الفصام.

بدنية وفكرية

يصاب المريض بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب دون ظهور أعراض ملحوظة في بادئ الأمر، أو تكون الأعراض خفيفة للغاية، ويعاني المصاب بالمرض من تقلبات مزاجية شديدة، فهو أحيانا يصاب بطور الاكتئاب فيكون حزينا ويشعر بالخمول، وفي طور الهوس أو الابتهاج يشعر بالسعادة والطاقة التي تفوق العادة. ومن الممكن أن يصاب بنوبة من المزاج المختلط حيث يعاني من الاكتئاب والهوس الابتهاجي في آن واحد، وتشمل أعراض هذا الاضطراب أعراضا بدنية وأخرى تؤثر على التفكير والسلوك.
أما الأولى فيفقد المريض شهيته للطعام، كما يفقد كثيرا من وزنه، ويصاب باضطراب في النوم، ويشعر بالتعب ويصاب بالإمساك، وبالنسبة للنوع الثاني من الأعراض فيفقد القدرة على اتخاذ أبسط القرارات، كما يفقد القدرة على التفكير، وعلى بدء الأعمال أو إنهائها، كما يكثر البكاء أو يكون لديه شعور بالرغبة في البكاء مع عدم القدرة على ذلك، ويبتعد المريض عن الاتصال بالمحيطين.
ويشير الأطباء والأخصائيون إلى أنه لم يتم تحديد سبب مباشر يقف وراء الإصابة بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، غير أن هناك عوامل تلعب دورا في الإصابة بهذا المرض، على رأس هذه العوامل الوراثة وبالأخص في حالة إصابة أحد الوالدين أو كليهما بالمرض، كما يلعب الجنس دورا مهما في الإصابة بهذا الاضطراب، ففرص إصابة النساء به أكبر من الرجال خاصة خلال فترة النفاس، على الرغم من أن فرص الإصابة به متساوية مع الرجال، ويبدأ هذا الاضطراب في أي مرحلة عمرية من الطفولة وحتى الشيخوخة، غير أن أكثر مرحلة تظهر فيها أعراض الاضطراب هي المرحلة المتوسطة والتي تتراوح في عمر الواحد والعشرين، وتعد الضغوط النفسية من أبرز العوامل التي تحفز الأعراض على الظهور، خاصة مع توافر العامل الوراثي.

دوائي ونفسي

يشتمل علاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطب على شقين، الأول الدوائي وفيه يتناول المريض أدوية تسمى مثبتات المزاج، بالإضافة للأدوية التي تستخدم لعلاج الاكتئاب، ويلاحظ أن استخدام مضادات الاكتئاب وحدها تحمل خطر توليد الهوس، ويستمر العلاج الدوائي عدة سنوات.
والشق الثاني هو العلاج النفسي ويشتمل العلاج السلوكي وعلاج التنظيم داخل العائلة، وعلاج الإيقاع الشخصي المتناسق، ومساعدة المريض على النوم بصورة منتظمة، وفي مرحلة الهوس الحاد يفضل إدخال المريض المستشفى.
وهناك العديد من المؤسسات المسؤولة لدعم ومساعدة مرضى الاضطراب الوجداني، وذلك بتدريبهم على تمييز العوامل المحرضة للأعراض، وزيادة وتحسين علاقتهم بالآخرين.
في العادة تستخدم جلسات الكهرباء للنساء الحوامل، وذلك لتأثير الأدوية على الجنين، وعامة لا يفضل الأطباء استخدام هذا النوع من العلاج إلا كمرحلة أخيرة، وفي حالات الاكتئاب الشديد الثنائي القطب، وذلك بسبب آثاره الجانبية.
وأظهرت بعض الأبحاث إمكانية امتلاك الوخز بالإبر لبعض المزايا العلمية، كما يستخدم البعض أحماضا دهنية للأوميجا3 كعلاج إضافــي أو بديل للاضطراب الوجداني، إلا أن نتائج هذا النوع لا تزال غير قاطعة.
ويستغرق العثور على العلاج المناسب لهذا المرض بعض الوقت، ويمكن أن يقوم الطبيب المعالج بتغيير جرعة الدواء أو تغيير الدواء نفسه أكثر من مرة، وذلك حتى يحصل على العلاج المناسب، كما أن الدواء يمكن أن يحتوي على عدة عقاقير تكون على هيئة خليط، ويجب على المريض الالتزام بتعليمات الطبيب عند تناوله. والكثيرون لا يلتزمون بتعليمات الطبيب أو المواعيد المحددة لتناول الدواء، ويعود ذلك إلى أن المريض أثناء نوبة الهوس لا يشعر بالمرض، أو أنه يرفض حقيقة أنه مصاب بالاضطراب.
وفي كثير من الحالات فإن تناول الدواء يستمر عدة سنوات، ولذلك يسمى بالمعالجة الصائنة، وتعتبر المعالجة الوقائية بديلاً آخر للعلاج، حيث يتعلم المريض كيفية التعرف على العلامات المنذرة بنوبة الهوس القادمة.
وعلى المريض التعرف على الأعراض التي تسبق كل نوبة، حيث يؤدي ذلك إلى شعوره بالتحكم، وينصح المريض بتجنب التعرض للضغوط الزائدة، والأمور التي تحرمه من النوم حتى لا يؤثر الاضطراب على حياته، وكذلك لمنع تطور النوبات.

البداية في الطفولة

أكدت دراسة حديثة أن العامل الوراثي هو الأبرز في الإصابة بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب، حيث يسهم في حدوث أكثر من 85% من حالات المرض، وبحسب هذه الدراسة، فإن الأبناء يصابون بأحد أشكال الاضطراب الوجداني الأحادي أو الثنائي بنسبة 25% عند إصابة أحد الوالدين، وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 60% عند إصابة كلا الوالدين بالمرض.
وفي حالة إصابة أقارب الدرجة الأولى، فإن احتمالات الإصابة تتراوح بين 10% إلى 15%، وأكد أحد الأبحاث التي أجريت في الفترة الماضية، أن مراقبة الطفل الذي يعاني مشاكل سلوكية أو اضطراب القلق مهم وضروري، وذلك أنه من المحتمل أن يكون حاملاً لبوادر الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وأجرى الباحثون مقارنة على 83 مريضاً تم تحويلهم إلى المستشفى بـ 208 مرضى لم يعانوا أي اضطراب مزاجي، وتبين أن 46% من المرضى المحولين كان لديهم تاريخ من الاضطرابات السلوكية والنفسية في الطفولة، مقارنة بـ15% من العينة الضابطة التي لا يعاني أي منها اضطراباً مزاجياً، وأوضح البحث أن مرضى الاضطراب الوجداني ثنائي القطب عانوا مشاكل سلوكية وفرط نشاط ومشاكل دراسية، ومشاكل مع المدرسين وزملاء الدراسة أثناء الطفولة، وخلص البحث إلى أن التدخل في حالة الطفل تلك يكون مفيداً له، وذلك قبل أن يصبح مريضاً بالغاً، يعاني هذا الاضطراب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"