دفع الزكاة لغير المسلم

عالم متجدد
01:59 صباحا
قراءة 3 دقائق

لو نظرنا إلى المجتمعات الإسلامية اليوم، لرأينا أنها مجتمعات إنسانية أكثر من أن تكون مجتمعات إسلامية، وذلك بسبب انصهار الأمم بعضها في بعض، ففي دولة خليجية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، تكاد تكون نسبة المواطنين أقل من نسبة أي جالية في أي دولة .

- لذلك فإن البيوت لا تخلو من الخدم غير المسلمين، وهؤلاء يعيشون بين أفراد العائلة وبين الخدم الآخرين من المسلمين، من غير أن تستطيع أن تفرق بينهم، وربما بعض من هؤلاء أكثر إخلاصاً من المسلمين، مما يجعل أهل البيت يعطفون عليهم، ويعاملونهم معاملة المسلمين، لأنهم إن لم يكونوا يتفقون معهم في الإسلام، فإنهم يتفقون معهم في الإنسانية .

- من أجل ذلك فإن رب البيت عندما يوزع زكاة ماله، ويعطي شيئاً منها للخدم المسلمين، فربما يود أن يعطي لغير المسلمين أيضاً وهم أهل كتاب .

- لكن بعضهم يعترض على ذلك بحجة أنهم غير مسلمين، فلا يجوز لهم أن يأخذوا من الزكاة التي فرضت على أغنياء المسلمين، لترد إلى فقراء المسلمين، ويستدلون بأحاديث مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله تعالى عنه: تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم، أي أغنياء المسلمين وفقراء المسلمين .

- واليوم وإن كان سكان البلد يصنفون إلى مسلم وغير مسلم، وغير المسلم منهم مَنْ هو أهل كتاب سماوي، ومنهم مَنْ ليس من أهل كتاب سماوي، إلا أن أهل الكتاب ليسوا هم أهل الكتاب الذين كانوا في السابق (أهل الذمة) وهم قوم يعيشون بين ظهراني المسلمين، ويخضعون لسلطان دولة الإسلام، وتجري أحكام الإسلام عليهم .

- نعم، لا يوجد أهل الذمة اليوم بالمعنى الصحيح، لكن يوجد مَنْ في حكمهم، فالخدم والعمال من أهل الكتاب، سواء كانوا في البيوت أو في المتاجر، يدخلون الدولة تحت كفالة أهل البلد والدولة مسؤولة عنهم .

- هؤلاء يعيشون بيننا ويخدموننا كما يخدمنا المسلمون، فهم في حكم أهل الذمة متى كانوا كتبايين، ولا إثم علينا إذا أعطيناهم من صدقاتنا، لأن الإسلام لم ينهنا عن الإحسان إليهم، بل قال: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (الآية 8 من سورة الممتحنة) .

- بل أجاز أبو حنيفة وآخرون، رحمهم الله تعالى، أن يعطوا من زكاة الفطر أيضاً .

- ونقرأ في تفسير ابن كثير قوله حول تفسير قوله تعالى: وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله (الآية 272 من سورة البقرة) أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله تعالى، فقد وقع أجره على الله تعالى، ولا عليه لمن أصاب: البرّ أم الفاجر؟ المستحق أم غيره؟ فهو مثاب على قصده، ومستند هذا تمام الآية: وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (الآية 272 من سورة البقرة) .

- أما زكاة الأموال المفروضة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تعطى لغير المسلم، ودليلهم حديث معاذ رضي الله تعالى عنه: إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم .

- لكن يرد على الجمهور بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس .

- ويقول السرخسي من علماء الحنفية في كتاب المبسوط: إن زفر صاحب أبي حنيفة يجيز إعطاء الزكاة للذمي، وهو القياس، لأن المقصود إغناء الفقير المحتاج عن طريق التقرب وقد حصل .

- ويرى البعض أن التوفيق بين حديث معاذ وبين ما ذهب إليه السرخسي ممكن، فالزكاة في الأصل لفقراء المسلمين، ولكن لا مانع من إعطاء الذمي الفقير من الزكاة إذا لم يكن فيه إضرار بفقراء المسلمين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"