السكري.. المرض الصديق

23:55 مساء
قراءة 6 دقائق
إعداد: خنساء الزبير

مرض مزمن مرتبط بارتفاع معدلات السكر بالدم نتيجة انخفاض أو انعدام إفراز هرمون الأنسولين الذي يحافظ على تلك المعدلات، والذي تفرزه غدة البنكرياس؛ ومن أعراضه تكرار التبول، والعطش، والجوع، والإرهاق، وأصبح من الأمراض الشائعة وسط الفئات المختلفة من الناس؛ واتضح من خلال البيانات أن كل 10 سنوات تزيد معدلات الإصابة بمرض السكري بعد عمر 40 عاماً من دون أن يكون لوزن الجسم تأثير، وتشكل نسبة الإصابة بعد عمر 65 عاماً 27%، أما النوع الثاني تكثر الإصابة به وسط مجموعات عرقية معينة، وتكون النساء اللاتي تعرضن له في مدة الحمل أكثر عرضة للإصابة به.
يعكس المرض مجموعة من الأعراض المتعلقة بالتمثيل الغذائي تتضح في ارتفاع معدلات السكر بالدم، التي يخرج الفائض منها مع البول، ويصنف المرض إلى نوعين رئيسيين هما الأول والثاني:
النوع الأول - كغيره من أمراض الجهاز المناعي الأخرى - يصنع فيها جهاز المناعة أجساماً مضادة وخلايا التهابية كإجراء دفاعي، وهو أمر غير طبيعي في هذه الحالة فينتج عنه تلف بالأنسجة لدى المريض لأن جهاز المناعة يهاجم خلايا «بيتا» الموجودة بالبنكرياس، والتي تنتج هرمون الأنسولين ويعتقد أن حالة إنتاج الأجسام المضادة غير الطبيعية في هذا النوع من السكري تورث جينياً، كما تتسبب العدوى بفيروسات معينة - مثل فيروسات النكاف وكوكساكي - والتعرض للمواد السامة الموجودة بالبيئة، في زيادة استجابة الأجسام المضادة مثل مضادات الأنسولين، ومضادات الجلوتاميك، ومضادات الكربوكسيل، وبالتالي تحدث ضرراً أكثر في خلايا البنكرياس التي تنتج الأنسولين، ويمكن أن تكون زيادتها مؤشراً لتعرض الشخص للإصابة بالمرض، لذلك تنصح الجمعية الأمريكية لمرض السكري بإجراء الفحص فقط لمن هم أكثر عرضة للمرض مثل من لهم صلة قرابة من الدرجة الأولى (الوالدين والأشقاء) ويعانون مرض السكري النوع الأول، وهو يصيب عادة الشباب دون الـ 30 عاماً، وفي بعض الأحيان يصيب كبار السن؛ ويمثل المصابون بهذا النوع 10%، ويعالج هذا النوع بالأنسولين، والتمارين الرياضية، والنظام الغذائي الخاص بمرض السكري.
يعرف النوع الثاني من مرض السكري بـ «غير المعتمد على الأنسولين» أو «سكري كبار السن»، وفي هذا النوع يكون جسم المريض مازال قادراً على إفراز الأنسولين ولكنه لا يفي باحتياجات الجسم قياساً بالمقاومة التي يواجهها، وفي معظم الحالات يفرز البنكرياس كميات أكثر من المعدل الطبيعي من هرمون الأنسولين، ومن السمات الرئيسية لهذا النوع من مرض السكري عدم وجود حساسية تجاه الأنسولين من قبل خلايا الجسم، خصوصاً الخلايا الدهنية وخلايا العضلات.
وإضافة إلى تلك المقاومة التي يجدها، فإن الأنسولين الذي يفرزه البنكرياس ربما يكون به خلل أو دون المعدل المطلوب وتتراجع كذلك خلايا بيتا المفرزة للأنسولين ما يؤدي إلى صعوبة السيطرة على الغلوكوز بالدم، لذلك ينتهي الأمر بمرضى السكري من النوع الثاني إلى العلاج بتعويض الأنسولين؛ ومن ناحية أخرى يستمر الكبد في إنتاج الغلوكوز من خلال عملية تسمى «استحداث السكر» رغم ارتفاع معدلاته بالدم وتصعب السيطرة على تلك العملية.
هنالك أنواع أخرى غير النوعين الرئيسيين (الأول والثاني)، فهنالك السكري المؤقت الذي يحدث للمرأة أثناء مدة الحمل «سكري الحمل» نتيجة التغيرات الهرمونية التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات السكر بالدم كحالة من الاستعداد الوراثي للمرأة، ولكنه يختفي بعد الولادة مع احتمال الإصابة لاحقاً بالنوع الثاني خلال 10 أو 20 عاماً، خصوصاً لدى النساء اللاتي عولجن بالأنسولين واللاتي ما زالت لديهن الأوزان الزائدة بعد الولادة؛ ويجرى لهن فحص بعد 6 أسابيع من الولادة للتأكد من اختفاء المرض، وللتأكد من احتمالية إصابتهن لاحقاً عن طريق فحص «تحمل الغلوكوز».
يوجد أيضاً نوع من السكري يحدث نتيجة استخدام الشخص أدوية لعلاج أمراض أخرى، فترتفع لديه معدلات السكر بالدم ويسمى «سكري ثانوي»، وربما يكون السكري كامناً فتسوء الحالة بعد استخدام بعض الأدوية مثل المنشطات وعلاجات الإيدز، أو تحدث الإصابة بالسكري لتلف أنسجة البنكرياس المفرزة للأنسولين نتيجة الإصابة بأمراض أخرى مثل التهاب البنكرياس الحاد نتيجة تعرضه لمواد سامة مثل الكحول؛ أو إزالته جراحياً، أو إصابته؛ وفي بعض الأحيان يكون السبب خللاً هرمونياً مثل زيادة إفراز هرمون النمو في حالات ضخامة الأطراف، ومتلازمة كوشينغ التي يحدث فيها ارتفاع بمعدلات السكر بالدم نتيجة زيادة إفراز الغدة الكظرية لهرمون الكورتيزول الذي يزيد من معدلات سكر الدم.
تشكل نسبة الإصابة بمرض السكري من النوع الأول 90% من بين المصابين من الأطفال، وبالرغم من أن السكري من النوع الثاني يصيب البالغين - 30 عاماً فأكثر- إلا أن أعداد الإصابات به تتزايد في وسط الأطفال والمراهقين، وفي الأغلب يكون السبب العادات الغذائية غير الصحية، وزيادة الوزن، وقلة النشاط البدني، ووجد أن عامل الخطر يتضاعف مع كل 20% من الوزن غير المرغوب فيه؛ ومن المعروف أن المرض لدى الأطفال يظهر نتيجة الاستعداد الوراثي، إلا أن السمنة تشكل عاملاً قوياً من عوامل خطر الإصابة؛ ولم تتضح الأسباب بعد للإصابة وسط الأطفال ولكن يعتقد أن العوامل البيئية مثل الغذاء والنشاط البدني يحفزان العامل الوراثي للإصابة فتظهر أعراض المرض مبكراً، وفي الوقت نفسه هنالك كثير من الأطفال المصابين بالنوع الأول لا يوجد لديهم تاريخ عائلي للمرض، وتظهر لدى الطفل المصاب الأعراض نفسها التي تظهر لدى البالغين مثل العطش، والإرهاق، وفقدان الوزن، والتبول المتكرر؛ إضافة إلى أعراض أخرى لا يعانيها الكبار مثل ألم البطن، والصداع، والتغير سلوكي؛ وبما أن السكري من النوع الأول هو انعدام أو انخفاض إفراز الأنسولين نتيجة تلف خلايا البنكرياس، بالتالي يكون الأنسولين العلاج المثالي للطفل من خلال جرعات يحددها الطبيب، وفي الأغلب يعطى جرعة سريعة المفعول خلال النهار وجرعة بطيئة المفعول خلال الليل؛ ويحتاج الطفل عند بداية التشخيص إلى جرعات بسيطة تزداد مع نمو الطفل، وتعتبر السيطرة على الغلوكوز العلاج المثالي في جميع أنواع مرض السكري، ويشيع كذلك استخدام مضخات الأنسولين كنوع من العلاج وهو جهاز مبرمج على إمداد الجسم بجرعات مستمرة من الأنسولين سريع المفعول عبر أنبوب صغير ذي نهاية حادة يزرع تحت الجلد وغالباً يكون بمنطقة البطن، ويجب تغيير الأنبوب ومكان تثبيته بالجلد كل يومين أو ثلاثة لمنع حدوث التهاب، ويعتمد علاج النوع الثاني لدى الأطفال على درجة المرض، وفي بدايته يمكن الاعتماد على تغيير كامل لنمط حياة الطفل يشمل تغيير عاداته الغذائية وزيادة النشاط البدني. يجب على الوالدين مراقبة معدلات الغلوكوز لدى الطفل للسيطرة عليها في حالة هبوطها أو ارتفاعها، كما تجب العناية الكاملة بالنظام الغذائي للطفل ونشاطه البدني، وأن يضعوا نصب أعينهم بعض الأمور المهمة التي تساعدهم على التعامل مع حالة الطفل المريض لأنها حالة مزمنة تستمر معه مدى الحياة؛ مثل التدرب على حقن الأنسولين ومن المعروف أنهما منطقتان فقط فوق البطن، أو منطقة الفخذ، والتعرف إلى أعراض هبوط الغلوكوز بالدم وأعراض ارتفاع الحامض الكيتوني السكري وكيفية التعامل مع تلك الحالات؛ ويعتبر إعلام الآخرين عن حالة الطفل أمراً مهماً لإسعافه عند الضرورة، ودائماً ينصح بتوفير الغلوكوز للضرورة.
يرتبط مرض السكري ارتباطاً وثيقاً بالنظام الغذائي، يجب على مريض السكري تناول الطعام بصورة عادية تماماً كالشخص الطبيعي، وليس كما يعتقد البعض أن نظامه الغذائي يجب فقط أن يكون خالياً من مادة السكر، فغذاء الطفل المصاب بالسكري يجب أن يكون متوازناً وغنياً بالكربوهيدرات والألياف؛ كما يجب الاهتمام بالوجبات الخفيفة (غير الأساسية) والتي تمده بالطاقة حتى موعد الوجبة الأساسية وتحافظ على توازن معدلات السكر بالدم والتي تكون معدة من الخضراوات، أو الفواكه، أو منتجات الألبان؛ ويجب تثقيف الطفل من ناحية الموعد المناسب لتناول الوجبة الخفيفة، وتعتمد كمية الطعام التي يتناولها الطفل على حجمه وعمره ويمكن الاستعانة بأخصائيي تغذية؛ وفيما يتعلق بالأطعمة التي تحتوي على السكريات يجب الحذر في تناولها ولكن لا يعني ذلك أن تختفي تماماً من قائمة طعام الطفل.
تعتبر الرياضة عاملاً لا يقل أهمية عن النظام الغذائي في السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني لدى الأطفال، لأن النشاط البدني يخفض من معدلات السكر بالدم لذلك يجب على الوالدين تشجيع الطفل على ممارسة التمارين الرياضية بشكل يومي، وعندها يجب تخفيض جرعة الأنسولين لتجنب هبوط السكر بالدم الذي يؤدي إلى غيبوبة، ويوفر دائماً قطعة حلوى أو ما شابه لمد الطفل بالسكريات عند الضرورة عند ممارسته للتمارين الرياضية.
من الأساليب العلاجية غير التقليدية استنشاق الأنسولين وظهرت هذه الطريقة في تسعينات القرن الماضي، وتعتبر مشابهة لعلاج الربو حيث يستنشق مريض السكري مسحوق الأنسولين الذي يدخل إلى الرئتين ومنها إلى الأوعية الدموية عبر الشعيرات الدموية، وفي سبتمبر/أيلول 2006 وافقت الإدارة الأمريكية للأغذية والدواء على أول منتج من مستنشق الأنسولين يسمى اكسوبيرا وتم سحبه من الأسواق عام 2007 لتعديل الجرعة لأنها ربما تتسبب في بعض الأمراض ونتيجة شكاوى المرضى من أنها غير مريحة.
وفي يونيو/حزيران 2014 تمت موافقة إدارة الأغذية والدواء الأمريكية على مستنشق يسمى أفريزا Afrezza يحتوي على بودرة الأنسولين سريعة المفعول تؤخذ قبل الوجبة ويمكن التحكم بالجرعة، ولكنه ليس علاجاً للمضاعفات الناتجة عن مرض السكري مثل ارتفاع الحامض الكيتوني، ومن آثار الأنسولين المستنشق الشائعة انخفاض سكر الدم، والكحة، وحكة بالحلق، أما مريض السكري من النوع الأول فهو بحاجة إلى تناول جرعة من الأنسولين طويل المفعول إضافة إلى المستنشق للسيطرة على معدلات السكر بالدم، كما لا ينصح باستخدامه من قبل المدخنين والأشخاص الذين يعانون أمراضاً صدرية مثل الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"