د . فادي النجار: الدماغ الاصطناعية تفهم آلية عمل الذاكرة

يدين للإمارات بنجاحه العلمي
03:17 صباحا
قراءة 5 دقائق
حوار: عدنان عكاشة
نجح باحث ياباني من أصل فلسطيني بالتعاون مع فريقه البحثي في تصميم دماغ صناعي "بيوهندسي" يحاكي طريقة تكون الذاكرة طويلة وقصيرة المدى في الدماغ البشري، وصولاً إلى فهم آلية تكون الذاكرة في الإنسان من منظور حركة التواصل بين الخلايا العصبية في المناطق المختلفة من الدماغ، بما يعني تصميم أجهزة لتحسين مستوى الذاكرة لدى من يعانون مشكلات ضعفها، والتغلب على أمراضها المستعصية مثل الزهايمر .
ويؤكد د . فادي سعيد النجار، على أن للإمارات فضلاً كبيراً فيما حققه من نجاحات علمية أكاديمية وبحثية في حياته العملية، حيث أصبح باحثاً علمياً في ثاني أهم مركز أبحاث من نوعه على مستوى العالم، والأول في اليابان، وهو حكومي، يعد إحدى المؤسسات البحثية والأكاديمية المتخصصة في اليابان، فيما بات أستاذاً أكاديمياً ومحاضراً معروفاً في اليابان والعالم .
استكمل د .النجار دراساته العليا، بمنحة يابانية، ونال شهادة الدكتوراه في سن 28 عاماً، في البلد، الذي يشكل أحد أكثر دول العالم تقدماً، بعد أن لمست إحدى الجامعات اليابانية قدراته في مرحلة البكالوريوس، ليتفوق على نظرائه من الطلبة اليابانيين، ويعين بعد تخرجه في جامعة يابانية ومؤسسة بحث علمي هناك، وصولاً إلى منحه الجنسية اليابانية، تقديرا لإمكاناته العلمية والمهنية .
د . النجار، 32 عاماً، درس في مدارس رأس الخيمة، حيث ولد ونشأ حتى بلغ مرحلة الشباب والدراسة الجامعية، أمضى الأعوام الثلاثة الأولى من دراسته الجامعية في جامعة الاتحاد برأس الخيمة، قبل أن تخطفه جامعة فوكوي اليابانية، وتزوج من يابانية أشهرت إسلامها، ولا يخفي سعادته بالعودة للإمارات، التي يعتبرها وطناً بجانب فلسطين واليابان، باحثاً وأستاذاً جامعياً ومحاضراً أكاديمياً، بدعوة من جامعات الدولة ومؤسساتها العلمية لخمس مرات حتى الآن، مؤكداً أنه يدين للإمارات بفضل كبير، حيث ولد وتربى وتعلم، ويملك في ربوعها ذكريات لا تغيب عن ذاكرته، فيما لا يزال والداه وأشقاؤه يعيشون على أرض الإمارات الطيبة .
اللجوء إلى الهندسة، وفقاً للدكتور النجار، في علاج بعض الأمراض يجري من خلال العمل على التوصل إلى آلية عمل "الدماغ"، عن طريق مفاهيم الهندسة والرياضيات، عبر نموذج هندسي ذكي للدماغ، يحاكي العمليات الطبيعية، في حين يخضع الدماغ الصناعي للتجريب والبحث العلمي، بحثاً عن إيجاد الحل أو العلاج لتلك الأمراض، وتلك آلية علمية جديدة تجنب الدماغ البشري العبث الطبي، وتقود إلى فهم أدق للمشكلة في دماغ الإنسان، وتفضي إلى وضع حلول أفضل، وتجريبها على الدماغ الصناعي، ثم تطبيقها على المرضى، في حال نجاحها في مرحلتها التجريبية .
ويشارك الباحث، الإماراتي المولد، حالياً في مشروع بحثي لإعادة تأهيل المعاقين، نتيجة إصابتهم بجلطات الدماغ، بواسطة الإنسان الآلي . ويقود فريقاً بحثياً يابانياً، رغم كونه أصغرهم سناً، في مشروع يبحث طريقة جديدة تسهل تصنيف مرضى الجلطات الدماغية، من فاقدي القدرة على الحركة، وتمهد لإيجاد العلاج المناسب لكل شريحة من هؤلاء المرضى .
تمكن الباحث مع زملائه الباحثين من تصميم معصم يد صناعية، هي الأولى من نوعها، قادرة على الدوران بصورة طبيعية، لتحاكي حركة يد الإنسان الطبيعي عند إمساكه بكوب أو مفتاح سيارة أو ملعقة طعام أو سواها من حركات، إذ تجري حركة دوران معصم اليد تلقائياً، من دون أن نتحكم بدرجة دوران معصم اليد والكتف، الأمر الذي يفتقر إليه المعاقون، ويقوم الابتكار على استخدام حركة الكتف من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة، وتفسير حركة العنق والكتف السليمتين لدى المعاقين، من دون الحاجة لإجهاد إضافي من جانب مبتوري اليد تحديداً، وهي الخاصية التي كانوا يفتقرون إليها، وجرت تجربة اليد الصناعية الجديدة على 5 مرضى وأثبتت فعاليتها، فيما تتولى شركة متخصصة إنتاجها حالياً، لإثبات فعاليتها على عدد أكبر وتسويقها لاحقاً .
الفرق بين اليابان والعالم العربي في الحياة العامة والتنمية، كما يقول د . النجار، أن كل شيء هناك يخضع للبحث العلمي، قبل تنفيذه أو في مرحلة التخطيط والتفكير في المشروع أو في أي خطوة كانت، وذلك يشمل جميع القطاعات، وكل ما يجري على أرض الواقع يأتي بدراسة علمية، وهي نقطة ذكرتها خلال مؤتمر علمي شاركت فيه على أرض الدولة (تعليم بلا حدود) عام 2009 .
يرى النجار أن العرب مستهلكون للتكنولوجيا واليابانيون منتجون لها، بصفة عامة، عربياً، نكاد نستهلك فقط، بل إن العرب أكثر استهلاكا للتكنولوجيا من منتجيها، رغم الفارق الشاسع اقتصادياً وصناعياً وإنتاجياً، لمصلحة اليابان . ويقول: "حتى أنا رغم جنسيتي اليابانية وقضائي في اليابان حتى الآن نحو 10 أعوام، لكن خلفيتي العربية وأصولي تظهر في مكتبي بمركز الأبحاث، الذي أعمل فيه حالياً، حيث لدي 3 شاشات كمبيوتر، بينما يكتفي زملائي اليابانيون بكمبيوتر واحد من الحجم الصغير، رغم أننا نعمل في الشركة أو المركز ذاته، بجانب الهوس العربي في بتقنيات أخرى، كالهواتف المتحركة، بصورة تفوق منتجيها في الغرب والشرق، تجد الياباني وهو ميسور مادياً يملك هاتفاً ذكياً واحداً، يرضى به، بينما تجد كثيرين من العرب يمتلكون أكثر من هاتف وجهاز ذكي، وهو شيء لا أفهمه شخصياً" .
تعددت زيارات النجار العلمية إلى الإمارات، حيث دعته كلية تقنية دبي، لإلقاء الضوء على بحث قدمته في آليات التعليم الذكي، للمشاركة به في مؤتمر (تعليم بلا حدود) عام ،2009 تقوم فكرته على تطوير التعليم من الشكل الروتيني إلى تعليم يسخر الأنظمة التقنية في النظام المتقدم، عبر تصميم بطاقة تعريفية لكل طالب، اعتباراً من الصف الأول الابتدائي، ضمن "نظام ذكي" يربط بين جميع المدارس خلال فترات دراسة الطالب، وتتضمن البطاقة بيانات الطالب بشكل رقمي، وأهم المعلومات والمؤشرات حول قدراته ومواهبه وميوله ودرجاته، وهو ما يحدده المعلمون وأولياء الأمور، وصولاً إلى الصف الأخير في المدرسة، بهدف ضمان الاختيار الأنسب لتخصص المستقبل في الجامعة والحياة العملية، مع ضمان حرية الطالب في الاختيار، وهي بطاقة تتابع حياة الطالب وتطوره الدراسي والمعرفي من الأول الابتدائي إلى الثانوية العامة، ويعتمد هذا النظام على تحليل شخصية الطالب، من خلال بياناته المدونة تدريجياً على مدار أعوام الدراسة، بالاعتماد على الأنظمة الذكية المتطورة، وفي العام ذاته تلقى دعوة لحضور مهرجان المفكرين، الذي احتضنته أبوظبي، وقبل أشهر تلقى دعوة من جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات العالمية، حيث ألقى محاضرة علمية بتقنية أبوظبي .
يرجع د . فادي النجار هجرة العقول العربية إلى "راحة البال" و"السرعة في الإنجاز" والبعد عن الروتين والتعقيد والمماطلة في الدول المتقدمة، والعالم أو الباحث حين يحظى براحة البال، مادياً واجتماعياً، يكون قادراً بصورة أفضل على العمل والبحث، وبالتالي تقديم ما هو مفيد لمسيرة التنمية والتطوير في الدولة، التي يعيش ويعمل فيها، ثم وجود الفرص الأفضل مادياً وعلمياً للعلماء والباحثين، ومنحهم التفرغ العلمي الكامل، لأغراض البحث العلمي، بجانب البيئة العامة والمجتمع، الذي يحترم العلماء ويقدرهم، وللأستاذ الجامعي هناك مكانة كبيرة اجتماعياً وعلمياً .
يؤكد د . النجار أهمية البحث العلمي لأي تنمية في العالم العربي، وأي بلد يتطلع إلى التنمية والتقدم والرخاء، لا بد أن يضم مراكز بحث علمي، وهي أهمية كبيرة تقود إلى إيجاد حلول لمشكلات أي بلد، كالعراقيل في الطاقة الكهربائية والبيئة والمياه، ما يفرض وجود مراكز بحث علمي متخصصة في أي دولة ترغب في التنمية الحقيقية، وصولاً إلى حل مشكلاته وتطوير قطاعاته وتوفير وسائل التطوير، الذي يحدث عبر البحث العلمي، لا بصور عشوائية أو ارتجالية .
هناك بوادر اهتمام إيجابية بالبحث العلمي في الإمارات، حسب النجار قرأ عن "مصدر" وزارها لاحقاً، حيث فوجئ بالمستوى العلمي والبحثي في حقل تطوير وسائل الطاقة البديلة، وبمستوى المختبرات العلمية فيها، لكن الحاجة ملحة في الإمارات ودول الخليج العربي للتركيز على تأهيل وتطوير العنصر الوطني والعربي، من الباحثين والعلماء المتخصصين، لأهمية عنصر الانتماء الوطني في شخصية الباحث ووعي العالم، بصورة تجسد مفهوم البحث العلمي الوطني، وبغياب الانتماء تتراجع الجدوى من البحث العلمي، التي لا حدود لها .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"