سيرة صادمة لـ «عوض» في «أوراق العمر»

«في المرآة»
00:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
القاهرة: «الخليج»
«أوراق العمر» سيرة د. لويس عوض الذاتية، التي وصفت بأنها الأجرأ في أدب الاعترافات العربي، في حين رأى كثيرون أن لويس عوض كان جريئاً في كشف سلبيات الآخرين، لا سلبياته هو، لكن السيرة في كل الأحوال تكشف لنا عن سنوات التكوين التي شكلت مثقفاً وناقداً كبيراً مثل لويس عوض، الذي عاش في الخرطوم سنواته الخمس الأولى من حياته، وقد جعله هذا أشد المصريين إيماناً بالإخاء المصري - السوداني، ومن أشد دعاة وحدة وادي النيل قبل ثورة يوليو 1952، وكان حزيناً حين قرر السودان الانفصال عن مصر في استفتاء 1955.

ظل لويس عوض على إيمانه بوحدة وادي النيل، حتى كان انفصال سوريا عن مصر، وعند ذلك عدل موقفه من جميع أنواع الوحدة، وأصبح يكتفي بأنواع من التقارب أقل مجازفة، لكنه حتى أوائل الستينات ظل يحلم بقيام كيان سياسي اقتصادي كونفدرالي اسمه «اتحاد جمهوريات وادي النيل» لا يضم مصر والسودان فحسب، لكنه يضم إثيوبيا وأوغندا، وربما الصومال، وكانت المشكلة هي انقلاب يطيح بالإمبراطور هيلا سلاسي ويقيم جمهورية في إثيوبيا، وهو ما حدث بالفعل.
ونقلاً عن أمه يذكر لويس عوض أنهم في السودان كانوا يدللونه باسم «حسن» وكما يقول: «من أقوال أمي استخلصت أن أسرتنا أنشأت صداقات حميمة مع عديد من الأسر المسلمة المصرية في السودان، وكان أكثر أصدقاء أبي من زملائه الموظفين في حكومة السودان، زملاء العمل، وزملاء السمر، الرجال يخالطون الرجال، والنساء يخالطن النساء، والأطفال يلعبون مع الأطفال، وفي الأيام المحددة أسبوعياً للتزاور لم تكن هناك حواجز بين قبطي ومسلم، هذا هو الجو الذي نشأت فيه، سواء في الخرطوم أو المنيا، أو بطبيعة الحال في قريتنا شارونة».

وتحت عنوان «فولكلور العائلة» يكتب لويس عوض عدة حقائق، منها أن اسمه في شهادة ميلاده هو «لويز» وهو الاسم المؤنث، بدلاً من «لويس» ، وكما يقول فإن «انطباعي العام أننا أسرة مفككة، لكني لا أستطيع أن أحكم إن كان تفككنا يضاهي أو يزيد، أو يقل عن تفكك أكثر الأسر المصرية، أو فلنقل الأسر القبطية، لأن اختلاف قوانين الأحوال الشخصية واختلاف الثقافة الدينية قد خلق أنماطاً أخرى للأسر المسلمة».

يرسم لويس عوض عدة بورتريهات لأفراد أسرته، ومنهم أخته «مرجريت» التي يصفها بالعبيطة، التي تنقلت من العيش في كنف أخ إلى آخر، حتى أودعها لويس عوض في أحد الملاجئ بمصر الجديدة، وكان قاسياً في حديثه عن شقيقه رمسيس عوض الذي كما يقول: «أصاب بعض الشهرة بين المثقفين المصريين بوصفه باحثاً جاداً في الأدب وتاريخه» ويصفه بأن «ذكاءه فوق المتوسط، ولكن لا حدة فيه ولا إبداع، وقد عوضه دأبه في العمل عن نقص في الإبداع» ويقول أيضا: «يبدو أنه كان في مطلع شبابه يحمل لي بعض الإعجاب، لأنه كان يترسم خطاي في كثير من الأشياء، في اختياره لتخصصه وفي تخليه عن الاسم الثلاثي والاكتفاء باسم «رمسيس عوض» وفي رغبته في أن ينقطع للبحث الأكاديمي وأن يدرس في الجامعة، بل وفي تقليد خطي».
كان لويس عوض قاسياً على شقيقه وهو يكتب عنه: «بعد أن خرج رمسيس عوض من قوقعة الجامعات الأكاديمية، وبدأ يخاطب القراء، أي منذ الستينات أحس بأنه يغار مني في سريرته، ويحسن إخفاء هذه الغيرة تحت قناع هدوئه، كان يغار مني لشعوره بأنه مهما حاول فلن يصيب ربع ما أصبته من تأثير في المثقفين وفي الرأي العام، سواء بالقبول أو الرفض، ليس في مصر وحدها، لكن على مستوى العالم العربي، بل بين مثقفي أوروبا وأمريكا المهتمين بالعالم العربي، لكنه كرجل عاقل كان دائما يحاول أن يضبط هذه الغيرة، لأنه يعلم - بغض النظر عن اختلاف المواهب ودرجات العلم - أن هذا التأثير الإيجابي أو السلبي القوي لا يكتسب إلا بالنضال والتضحيات، ولا يمكن أن يحصله أحد وهو يمشي مثله دائماً بحذاء الحائط، ويخشى المجازفات أو بطش الأعداء».
بدأ الصدام الكبير بين الأب والابن حين أصرّ والد لويس عوض على أن يلتحق ابنه بكلية الحقوق، في حين أن الابن كان يريد أن يتقدم بأوراقه للدراسة بكلية الآداب، وقرر أن يجرب حظه في الحياة دون أن يعتمد على أحد، فسافر إلى القاهرة وفي جيبه خمسة جنيهات كانت كافية للإنفاق عليه لمدة شهرين، وأخذ يبحث عن عمل في إحدى الصحف، ويذهب إلى صالون العقاد في بيته، كان مستمعاً جيداً لا يشارك برأي أو كلام، وهو يقول: «رغم كثرة اعتراضاتي على العقاد فيما بعد، لا أذكر أنني هاجمته في شيء مما كتبته، وفاء مني للرجل الذي بلور إحساسي الوطني وعقيدتي الديمقراطية».
يتحدث لويس عوض عن ثلاثة أساتذة أثّروا في تكوينه الثقافي: العقاد، طه حسين، سلامة موسى، وكما يرى: «وبقدر ما وجدت طه حسين مهيباً وعباس العقاد شامخاً وجدت سلامة موسى متواضعاً، كان غزير العلم في غير تكلف، كانت أكثر قراءاتي تحت إشرافه بالإنجليزية وكانت هناك أشياء لا يستطيع سلامة موسى أن يعلمني إياها، كالأدب العربي القديم، وكانت له آراؤه في الأدب العربي المعاصر، وفي أنداده من الأدباء والمفكرين، لكنها كانت عندي مجرد وجهات نظر لا تقيدني في شيء».
ظل لويس عوض يحفظ للعقاد مكانته وأستاذيته حتى حدث ما جعله يراجع بعض أفكاره عنه، فحين قررت الجامعة إيفاده في بعثة إلى كامبردج للبحث في الأدب الإنجليزي قرر أن يزور العقاد، ليطلعه على هذا التطور في حياته، فقال للعقاد إن الموضوع الذي قبلت جامعة كامبردج تسجيله لدرجة الدكتوراه هو «تقاليد التعبير الشعري في الأدبين الإنجليزي والفرنسي» وإذا بالعقاد ينفجر في سيل من السخرية المريرة التي سببت لعوض ألماً شديداً، قال: «لماذا تضيّعون الوقت في هذه الموضوعات المنعزلة عن الحياة؟ لماذا لا تكتب رسالة في موضوع نداء الباعة في الشارع؟ إن نداء الباعة فيه دلالات تعرف منها خصائص كل أمة، يجب أن تكون الأبحاث الجامعية أقرب إلى الحياة الواقعية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"