حكم المريض بالوسواس القهري

عالم متجدد
02:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
المصاب بالوسواس القهري، يدفعه الوسواس إلى أن يتصرف تصرفاً لا إرادياً، ويرتكب مخالفات شرعية، فهو مرة يشعر بأنه مجنون، ومرة يحس أنه مريض، فيتخبط في البحث عن العلاج.
وربما أقبل على الكتب الدينية، فقرأها فزادت من ألمه، إلى أن صار يكره سماع الذكر وأي شيء ديني.
وهذه الوساوس القهرية ربما تصيب النساء أكثر، وتقول إحداهن إنها تحب العزلة ولا تحب أن تسمع شيئاً، وتحب أن تجلس وتبكي خوفاً من الموت أو من غير أن يكون لبكائها سبب.
أقول: إن الوسواس مرض، لكنه ليس مرضاً نفسياً عادياً حتى يعالجه الطبيب النفسي، لذلك فإنه يأخذ وقتاً طويلاً، وبعضهم يستجيب للعلاج سريعاً، وبعضهم يأخذ وقتاً أطول يصل إلى سنة أحياناً.
وحسب ما يقول الأطباء فإن الوسواس القهري الذي يصيب الإنسان بعد سن السبعة عشر، يكون أهدأ وأقرب إلى تقبل العلاج، والأمر في النهاية يتعلق بتغيرات في النسيج العصبي.
سألتني إحدى الأخوات وهي مصابة بالوسواس القهري فقالت: ما مصير عبادتي التي لا أستطيع أن أوفيها حقها من العناية والاهتمام، فأنا أشك في كل عبادتي، وهل مع الشك عبادتي صحيحة؟
أقول: إن الأولين أرجعوا سبب هذا النوع من المرض إلى وساوس النفس ووساوس الشيطان، أو قالوا إنه نوع من الجنون، وقد تبعهم بعد الغربيين في الرأي الأخير.
والذي نراه اختلاف علماء الشرع في حكمهم على الوسواس القهري، فعالم مثل الجويني يرى في كتابه «التبصرة» أن الوسواس يحدث بسبب نقص في غريزة العقل، ويبدو أن العلماء السابقين معظمهم قالوا بأن سبب الوسواس هو الشيطان.
ولكن نرى عالماً فاضلاً مثل أبي الفرج بن الجوزي يروي عن أبي الوفاء بن عقيل، أن رجلاً قال له: أنغمس في الماء مراراً كثيرة وأشك، فهل صح لي الغسل عند ذلك أم لا؟
قال له الشيخ: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة، قال: وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «رفع القلم عن ثلاث: المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ» (رواه أبو داوود والترمذي)، ومن ينغمس في الماء مراراً، ويشك بعد ذلك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون.
ونقرأ لابن القيم قوله: «فإن قال الموسوس هذا مرض بليت به، قلنا له: نعم وسببه قبولك من الشيطان ولم يعذر الله أحداً بذلك، ألا ترى أن آدم وحواء لما وسوس لهما الشيطان فقبلا منه أخرجا من الجنة؟
ونودي عليهما بما سمعت، وهما أقرب إلى العذر لأنهما لم يتقدم قبلهما من يعتبران به، وأنت قد سمعت وحذرك الله من فتنته، وبين لك عدوانه، وأوضح لك الطريق، فما لك عذر ولا حجة في ترك السنة والقبول من الشيطان».
نعم... ويسمي بعضهم الوسواس القهري تشدداً في الدين، ويستشهد بالحديث الوارد: «لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار».
يلاحظ أنهم وقفوا عند كلمة لا تشددوا، ولم يفرقوا بين التشديد وبين ما يفعله الموسوس، علماً أن التشديد غلوّ في الدين نابع من إرادة الفرد مثل ما قرر أولئك الثلاثة أن يصوموا ولا يفطروا، وأنت يقوموا الليل ولا يناموا، وأن يتركوا النكاح.
لكن ما يفعله الموسوس هو وسواس قهري لا إرادي، فالوسواس في بدايته وإن كان من الشيطان، إلا أنه في النهاية مرض كما قال ابن الجوزي، وأجمل ما يقال في حق المصاب بالوسواس: ليس على المريض حرج.
وفي القواعد الفقهية: «إذا أخذ ما وهب رفع ما وجب»، فكيف نعسر الأمر على الموسوس؟

د. عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"