عائشة بالخير: كبار السن كنوزنا

تعمل على توثيق تاريخ الدولة بالموروث الشفهي
01:15 صباحا
قراءة 6 دقائق

بين الماضي والحاضر، تعيش هذه المرأة بين زمنين مختلفين تحاول أن تربط بينهما بعملها الدؤوب على توثيق الموروث الثقافي والاجتماعي، فالدكتورة عائشة بالخير مديرة إدارة البحوث والخدمات المعرفية في المركز الوطني للوثائق والبحوث هي تلك المرأة الإماراتية، التي نشأت في أحضان الشندغة بإمارة دبي، وبقي أثر تلك النشأة في دمها دون أن يعكر حياتها بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لأجل الدراسة والعمل، جل اهتمامها اليوم في توثيق تاريخ دولتها حفاظاً على الإرث الثقافي والاجتماعي الذي تعده كنزاً يجب الحفاظ عليه، حول حياتها ونشأتها ودراستها كان لنا معها هذا الحوار .

تحدثي لنا عن نشأتك وما واجهت خلالها؟

أنا من مواليد عام ،1959 وتعد فترة مولدي وما بعدها مرحلة أسميها العصر الذهبي، حيث شهدت جيلاً ارتبطت حياته بالتحديات كما شهدت النهضة والتحولات، وهذا جعلني أحظى بخلفية معرفية ولو نسبياً عن تلك الفترة، حيث شهدت ما واجهوه من عطش وحر ومصاعب حياة، بينما حظيت بعدها بفرصة عيش الطفرة التي حصلت باكتشاف البترول، وما قدمه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من مقومات لحياة جديدة، كما عهدت ما تبع تلك الطفرة من نهضة شملت جميع جوانب الحياة .

أين نشأت وكيف عايشت تلك التطورات خلال نشأتك؟

نشأتي كانت في منطقة الشندغة في دبي التي تعتبر أساس دبي بضفتيها، حيث كانت تلك المنطقة موقع الحكم آنذاك، ومن المثير بالنسبة إلي أن لتلك المنطقة شأنها، ولعل العيش فيها كان له أكبر الأثر في تربيتي ونشأتي وحياتي بكاملها إلى اليوم، فكل شبر وشخص في ذلك المكان له تأثيره في شخصيتي، وأذكر أننا كلنا في تلك المنطقة كنا نعيش كأسرة واحدة ممتدة .

هل كان هناك تأثيرات محيطة أثرت فيك كشخصية؟

لم تكن وسائل الاتصال مثلما نعيش اليوم، فما كنت أعرفه عن البيئة المحيطة هو من خلال ما يسمعه والدي على إذاعة بي .بي .سي وإذاعة صوت العرب، بينما والدتي تستمع لفيروز نهاراً وأم كلثوم مساءً، هذا ما يخص معرفتنا بالعالم الخارجي . أما عن العالم الداخلي فكنا نتأثر بكل ما يحيط بنا ولدينا الفضول لنستكشف كل جديد ونبني علاقتنا مع الآخر بشكل وثيق، وكان للجاليات وما تعلمنا منهم الأثر الكبير فينا .

وماذا عن أيام قيام الاتحاد في عام 1971؟

كان عمري 12 سنة حينما أعلن قيام الاتحاد، فانخرط كل تفكيرنا بهذا الحدث وكنا نتساءل كأطفال ماذا يعني قيام الاتحاد؟ وماذا يعني دستور وعلم موحد وحدود، ورويداً رويداً بدأ مفهوم الوطن بالشكل الجديد يترسخ في ذهننا ويكبر معنا، وأصبح هناك انتماء إلى هذا الوطن الجديد او هو حب متجدد، ومع الوقت أصبحنا نشعر بما معنى أن تكون هناك سبع إمارات تتحد وتكون دولة واحدة بعلم واحد وقلب واحد، وصرنا كلما نكبر قليلاً نعي ماهية الاتحاد أكثر .

كيف عشت مرحلة الدراسة في الطفولة؟

لم أكن أهتم بدراستي وكنت أيضاً مشاغبة، وهذا الأمر كان معروفاً عني، ولكن ما يزال في ذاكرتي ما قالته عني إحدى المعلمات آنذاك حين قالت ماذا تظنين نفسك، أنت مهما وصلت لن تصبحي أكثر من مستخدمة فراشة، وهل تتخيلين أنك ستصبحين دكتورة مثلاً؟، كان همي وشغلي الشاغل حينها هو كسب العلاقات الاجتماعية ونيل قبول الناس لي عن طريق النكتة وإرضاءهم بأية طريقة، وكنت أبذل كل جهدي لأجل تحقيق هذا الهدف، فلم تكن الدراسة هدفي خلال وجودي في المدرسة إنما الهدف هو أن أكون مع المجموعة، وفي عام 1979 بعد أن انهيت دراستي الثانوية سافرت إلى الولايات المتحدة الامريكية لإكمال دراستي .

كيف جاءتك هذه الفكرة؟

كان مثلي الأعلى في الحياة أختي سمية التي تكبرني، فهي تلك المرأة التي اعتبرها مجاهدة وكان نصيبها من الحياة قاسياً، فتزوجت زواجاً مبكراً ولم تستطع حينها أن تكمل دراستها، فأكملت دراستها بالانتساب الموجه وتعمل حالياً ومنذ 27 سنة معلمة، وحينما أنهيت الثانوية كنت أنظر إليها وأقول في نفسي إن أختي برغم كل ما عانته في حياتها استطاعت أن تحصل على تأهيل تربوي فلِمَ لا أكون كذلك، فأنا لست متزوجة ولا لدي من الأطفال والمسؤوليات ما يعيقني، فأخذتها مثلاً لي، وطبعاً كان التخبط يرافقني إلى أن وصلت إلى تخصصي الحالي .

ماذا درست في الولايات المتحدة الأمريكية؟

لم يكن لدي هدف واضح ومحدد إنما الرغبة في استكشاف كل شيء، فدرست أولاً الإعلام والإخراج التلفزيوني وعملت عدداً من الأفلام الوثائقية والكارتونية وغيرها، ومن ثم تحولت إلى دراسة برمجة كمبيوتر التي كانت تعد شيئاً حديثاً، وخلال دراستي كنت أتذكر كلمات معلمتي لي وقمت بعدها بدراسة الرياضيات لأنني كنت واثقة بأن أسس الحياة كلها تقوم على الحسابات، فإذا ضبط الإنسان حساباته فإنه سيوازن حياته، وحصلت على دبلوم في الهندسة الإلكترونية وبدأت أدرِّس الرياضيات لأبناء العوائل المفككة في أمريكا .

إذاً ما الذي أتى بك إلى التخصص التاريخي؟

حينما درست تخصصات عدة لاحظت وخلال زياراتي المتكررة إلى دولتي أن هناك شيئاً لا أزال أود أن أعرفه، وهذا الأمر عززه لدي زياراتي والتغيير الذي أشهده في كل مرة أزور الدولة، فالشكل الثقافي والعمراني واللهجة والناس كل شيء يتغير، فبدأت أفكر في دراسة التركيبة السكانية والأعراق، ما الذي يجمعها معاً وما الذي تختلف فيه؟ فقمت بدراسة الماجستير في الدراسات العرقية التي تختص بالأعراق الأربعة في أمريكا، العنصر الإفريقي واللاتيني والآسيوي والسكان الأصليين (الهنود الحمر) وما يجمعهم في أمريكا وما العناصر المتشابهة والتعايش السلمي بينهم، وكان ذلك في جامعة سان فرانسيسكو ستيت، وكان جزء من الدراسة عن النساء في الإمارات، وبحكم أنه ليس لدينا عنصرية وجدت أن أدرس المؤثرات والتحديات التي تحيط بالمرأة الإماراتية آنذاك .

كيف تناولت المرأة الإماراتية في دراستك؟

سردت فيها سيرة حياة نساء إماراتيات، على أساس مقابلات شخصية قمت بها معهن، وتكلمت معهن عن وضعهن الذي كان بحاجة إلى تمكين ليكن عضوات فاعلات في المجتمع، حيث المرأة الإماراتية منذ وجودها في هذا المكان هي عنصر فاعل ومؤازر للرجل، إلا أنني وددت أن تكون عنصراً ذا مكانة مجتمعية فاعلة .

وماذا عن دراستك الدكتوراه؟

حينما رصدت حياة المرأة الإماراتية واستطاعت المرأة أن تحقق وجودها في المجتمع وأتاحت القيادة الحكيمة للمرأة تمكينها، شهدت هذا التطور وتطورت معه دراستي وأفكاري، فقررت دراسة شيء أركز فيه على التعايش والتلاحم وكيفية جعل الآخر نداً وليس ضداً، وهذا كان الهدف من الدكتوراه التي حصلت عليها، وكانت بعنوان التاريخ الاجتماعي والثقافي لإمارة دبي من 1820-2004 والتي قمت فيها برصد الحركة الثقافية في دبي، والممارسات الاجتماعية والمعتقدات الشعبية وعادات الافراح والاتراح ودراسة السكان الأصليين وكيف تم تفاعلهم مع الجاليات الوافدة، وكيف تمت عملية التبادل الثقافي بينهم وهكذا .

لم يكن لديك هدف واضح في بداية دراستك، فكيف حددت ميولك الدراسي؟

حينما سافرت كان هدفي الاستكشاف، لأنني لم أعرف حينها ماذا أريد، وحينما عانت والدتي المرض وكنت أزورها باستمرار، شعرت بأن هناك كنوزاً في بيوتنا نفقدها ولا نشعر بأهمية وجودها، ووجدت أنه يجب أن نحيي تلك الكنوز وأن نأخذ من ذاكرتها ما يستحق أن يبقى في ذاكرتنا والحفاظ عليها، تلك الكنوز متمثلة في كبار السن الذين يحملون تاريخنا في ذاكرتهم، فالموروث الثقافي نفتقده بزوال هؤلاء، فقررت في فترة مرض الوالدة ان ابقى إلى جانبها، وحصلت على عمل هو الأول لي في الدولة، وهو منسقة شؤون التدريب في كلية دبي للطالبات، وتمت ترقيتي بعدها مشرفة على المركز المهني في الكلية، وأدركت حينها أن الله تعالى قد وضعني في مكان أشعرني بأنني بدأت في العمل في الدولة من حيثما انتهيت .

كيف شعرت بهذا العمل وما الذي اكتسبته منه؟

حينما انهيت دراستي الثانوية وسافرت إلى أمريكا كنت لا أعرف ماذا أريد وما هو هدفي، بينما عدت إلى الدولة بعمل يوجب عليّ أن أوجه الطالبات وأحفزهن إلى اكتشاف أهدافهن الدراسية ومن ثم المهنية، حيث كان من واجب المركز المهني أن يرشد الطالبات إلى أهدافهن العلمية وميولهن، ولذلك وجدت انني قادرة على العطاء في هذا المكان بالذات، وعملت 10 سنوات في هذه المهنة، وكنت مستمتعة جداً بهذا العمل لأنني استشعرت أنه منحني الفرصة لرد الجميل لبلدي وأبناء بلدي، فلم أبخل بأي مساعدة على أي أحد وأعطيت العمل حقه بجدارة .

وعلى ماذا تعملين اليوم في المركز الوطني للوثائق والبحوث؟

عملت أولاً مديرة تحرير مجلة ليوا وهي مجلة شهرية تصدر عن المركز، وبعدها عملت في مجال مشروع جمع التاريخ الشفهي، وأصبح له أرشيف خاص، وفي هذا المشروع نتحدث إلى كبار السن ونجمع كل المعلومات التي تخص الماضي بأبعاده الاجتماعية والثقافية، ونكون أرشيفاً صوتياً ومرئياً وسلسلة تحتوي على قصص الشخصيات التي نتحدث معها،، ونقوم حالياً بأرشفة التاريخ، الذي سيكون في متناول الباحثين داخل الدولة وخارجها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"