كروية الأرض في القرآن الكريم

سبحانك
03:09 صباحا
قراءة 5 دقائق
أ.د. حميد مجول النعيمي

بربط اتجاه حركة الأرض بما يخيل للإنسان أنه حركة السماء نذهب إلى آية رئيسة أخرى في مضمونها الفيزيائي والفلكي، ولكن مع الأرض هذه المرة إذ يقول سبحانه وتعالى في سورة الغاشية الآيات (17-20) (1): «أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ ‏رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» ونتمعن في جملة (كيف سطحت) المرتبطة بالأرض ونحاول تدارك موضع التسطيح والتسطح في الأرض مقابل كرويتها ما دام بعض المفسرين أخذ على علماء الهيئة (خطأ) كروية الأرض إذ قالوا «وإلى الأرض كيف سطحت» أي بسطت فيستدلون بها على قدرة الله تعالى ووحدانيته، وصدرت بالإبل لأنهم أشد ملامسة لها من غيرها، وقوله: (سُطحت) ظاهر في أن الأرض سطح وعليه علماء الشرع لا كرةٌ كما قال أهل الهيئة.

يكاد المرء، في هذا العصر وفي بدايات القرن الواحد والعشرين، يستغرب هذه المفارقة الواقعة بين (اللغة) و(الفلك)! فلقد أصبحت كروية الأرض (بدهية) ليس بها حاجة إلى برهان تجريبي (مختبر) لأنها (مصورة) من الفضاء بمائها ويابسها، بغاباتها ومدنها على شكل (كرة) يراها المشاهد في كل يوم من على الشاشة الصغيرة تقريباً! إلا أن التقيد بمضمون الفعل المبنى للمجهول، وفاعله الله سبحانه، (سطحت)، مجرداً من قوله «ينظرون إلى» الوارد في أول الآية يبعد المفسرين عن التفقه بالكلمة واستخلاص مدلولها الصحيح تماماً، لأن اللغة الفصحى تقول في معجم العين للخليل الفراهيدي: نظر إليه ينظر نظراً ويجوز التخفيف في المصدر تحمله على لفظ العامة في المصادر، وتقول نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب. وقوله تعالى: (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) أي لا يرحمهم. وقد تقول العرب نظرت لك أي عطفت عليك بما عندي وقال الله عز وجل: «لا ينظر إليهم» ولم يقل لا ينظر لهم فيكون بمعنى التعطف. ورجل نظور، لا يغفلُ عن النظر إلى ما أهمه، ثم (نظره ونظر إليه: أبصره وتأمله بعينه) و(نظر في الأمر «تدبر وفكر فيه ويقدره ويقيسه) في المنجد، و(النظر والنظَرَانُ بفتحتين تأمل الشيء بالعين. وقد (نظر) إلى الشيء. في المختار، ثم كل المعجمات الأحادية تذهب كذلك. وإن (نظر في) تفسيراً ل (نظر إلى) مسألة ممكنة في (خلق الإبل) و(رفع السماء) و(نصب الجبال)، أي أن استنادنا إلى هذه (النظرة) في تفسير رؤية الأرض بالمسطحة لهو صحيح تماماً، لأن مدى رؤية العين محدود جداً، مقارنة بسعة سطح الأرض، أي أن تقوس الأرض لا يظهر للرائي على الإطلاق بالعين المجردة وفي هذه حكمة لله سبحانه بإخفاء (كروية الأرض) لتعذر إدراكها بالعين، وذكر التسطيح لسهولة تمييزه بها، حتى استطاع الإنسان التحليق عالياً في الفضاء ورأى بأم عينه كروية الأرض، بل إن الأرض ليست كاملة التكور، إذ تمتاز ببعض التفلطح (انبعاجها عند القطبين وتفلطحها عند الاستواء) وهذا التفلطح ناتج من دوران الأرض حول محورها، إضافة إلى تأثير الجاذبية المتفاوتة الناتجة من الشمس والقمر وبعض الكواكب السيارة الأخرى على الأرض، وليست رؤية كروية الأرض ممكنة فحسب، بل يمكن تصويرها والبحث في مكنوناتها بتقنيات الاستشعار عن بعد والأقمار الصناعية ودراسة جغرافيتها واقتصادياتها ومواردها الطبيعية والتجسس على حركة الإنسان.....إلخ من بعد، بل من مسافات شاهقة. من هنا فإن الإصرار على (تسطيح الأرض) المطلق، أي المنظور بالعين المجردة بغير المقدر من مسافات بعيدة في الجو، مع التقدير الفيزيائي المثبت، يعني التمسك بظاهر اللغة أو بنيتها، أما التركيب العميق لها فهو الأهم الذي يحول (النظر إلى ) من العين المجردة إلى وسيلة أخرى تمكن الإنسان من تقدير شكل الأرض بوضوح ودقة تصل إلى الأمتار أو أقل ! والشيء نفسه يقال عن ذبذبات السمع، فما لا يستطيع الإنسان سماعه لا يعني أنه غير موجود، بل موجود ولكن على صورة غير صحيحة طبقاً لواقعه! ومن البديهي أن (رأي) الجلالين لا يمثل (آراء كل أهل اللغة والتفسير والفكر)، من مثل الإمام الغزالي الذي صرح بكروية الأرض، بل كان يرى أن إنكار هذه الكروية لا معنى له في الواقع، ومن البديهي أيضاً أن (رأي) الجلالين لا يمثل (كل أراء أهل اللغة والتفسير) إزاء قوله تعالى: «وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ » سواء من المحدثين والمعاصرين أو المتوسطين، فمن المحدثين والمعاصرين سيد قطب (في ظلال القرآن) ومحمد متولي الشعراوي (في معجزة القرآن) الذي نقتبس منه موقفه من قوله تعالى: (والأرضَ مددناها) في سورة (ق) الآية 7 مما له علاقة بما نريد فيقول: ومعنى المد.. البسط.. أي بسطناها.. ونحن نرى الأرض مبسوطة أمامنا فلا تناقض بين القرآن الكريم وبين الظاهر الموجود... ولكن عندما اكتشفت كروية الأرض.. ثار علماء الدين واتهموا كل من يقول إن الأرض كروية بالكفر.. لأنه يخالف في رأيهم القرآن الكريم.. نقول لهم قد أسأتم تفسير حقيقة قرآنية. الله سبحانه وتعالى قد أعطانا الدليل على أن الأرض كروية، بل أعطانا أكثر من دليل على ذلك في القرآن، بل إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه خلق الأرض على هيئة كرة، إذ قال سبحانه وتعالى: «والأرضَ مددناها» أي بسطناها.

صحيح أن مدى رؤية العين محدود جداً، مقارنة بسعة الأرض، أي إن تقوس الأرض لا يظهر للرائي على الإطلاق بالعين، وذكر التسطح لسهولة تمييزه، حتى استطاع الإنسان التحليق إلى الفضاء عالياً ورأى بأم عينه كروية الأرض( بل إن الأرض ليست كاملة التكور، إذ تمتاز ببعض التفلطح، انبعاجها عند القطبين وتفلطحها عند الاستواء) وهذا التفلطح ناتج من دوران الأرض حول محورها إضافة إلى تأثير الجاذبية المتفاوتة الناتجة من الشمس و القمر وبعض الكواكب السيارة الأخرى على الأرض. وفي سورة الحجر 19 «وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ»، مددناها بمعنى بسطناها، ونحن نرى الأرض مبسوطة أمامنا فلا تناقض بين القرآن الكريم وبين الظاهر الموجود، ولكن عندما اكتشفت كروية الأرض، ثار علماء الدين واتهموا كل من يقول إن الأرض كروية بالكفر، لأنه يخالف -في رأيهم- القرآن الكريم، نقول لهم قد جانبتم تفسير حقيقة قرآنية، الله سبحانه قد أعطانا الدليل على كروية الأرض، فقد قال: «والأرض مددناها» أي بسطها، ومعنى ذلك أنك أينما تنظر إلى الأرض تراها مبسوطة.. إذا كنت على خط الاستواء.. فالأرض أمامك مبسوطة.. فإذا انتقلت إلى أي من القطبين الشمالي أو الجنوبي فالأرض أمامك مبسوطة...وإذا كنت في أي دولة في العالم أو في أي قارة من قارات الأرض.. فالأرض أمامك مبسوطة... فهي مبسوطة أمام البشر جميعاً في كل موقع يوجدون فيه... وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت الأرض كروية، فلو كانت الأرض مسطحة أو مربعة أو مثلثة..في أي شكل من الأشكال لوصلنا فيها إلى حافة، وحيث إنه لا يمكن أن تصل فيه إلى حافة فالشكل الوحيد الذي تراه مبسوطاً أمامك، ولا يمكن أن تصل فيه إلى حافة هو أن تكون الأرض كروية.

*مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"