حالات مرضية أسبابها نفسية

01:38 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق: لبنى بولحبال

هناك الكثير ممن يعانون أمراضاً عضوية متعددة، تسوء حالتهم فيها وتزداد دون العلم بالأسباب المؤدية لذلك، ما يؤثر في حالتهم النفسية والتي بدورها تؤثر تأثيراً مباشراً في المرض الذي يعانونه، فتسوء أعراضها بسوء الحالة النفسية التي يعانونها وتتحسن بتحسنها، حيث تعد الحالة النفسية من المؤثرات المباشرة للحالة العضوية، وقد تكون خطيرة، وتزيد نسبة حدوثها في المرضى النفسيين على غيرهم .

التجسيم

يصف الدكتور رعد الخياط أخصائي طب نفسي علاقة العامل النفسي بالحالة المرضية، أو العلاقة بين الناحية النفسية والجسمية كما يسميها، بأنها وثيقة ومتبادلة، "فالعاملان النفسي والجسمي عند الإنسان لا ينفصلان أو يتجزءان، وما يصيب أحدهما يؤثر في الآخر سلباً وإيجاباً، وقد أثبتت ذلك الدراسات والأبحاث بالإضافة إلى الخبرة السريرية والعملية في التعامل مع الحالات المرضية المختلفة" .
وأضاف: "أصبح من المتعارف عليه في الممارسة الطبية أن يكون العامل النفسي من العوامل الأساسية التي تدخل في الحسبان عند التشخيص والعلاج، بل وفي كثير من الأمراض قد تكون الأعراض الجسمية أهم ما يعانيه المريض النفسي، والتي تثبت الفحوص والتحاليل المختبرية عدم وجود أية أسباب عضوية من الممكن أن تفسر ذلك وهو ما يسمى بالمصطلح النفسي بالتجسيم somatization، وهو تحول الضغوط والأزمات النفسية إذا لم تجد لها متنفساً أو تفريغاً إلى علامات ومظاهر مرضية قد تشمل أجهزة الجسم المختلفة كالجهاز التنفسي والدوران والهضمي والعصبي والبولي التناسلي" .

أعراض منتشرة

وأشار الدكتور رعد إلى أن لكل جهاز أعراضه الخاصة به في الجسم، كضيق التنفس والاختناق في الجهاز التنفسي، وتسارع ضربات القلب وآلام الصدر في جهاز الدوران، وآلام المعدة وعسر الهضم والتقيؤ والإسهال في الجهاز الهضمي، والصداع والارتعاش وخدر الأطراف والتنمل في الجهاز العصبي، وألم التبول أو كثرته ومشاكل المثانة أو اضطراب العملية الجنسية في الجهاز البولي التناسلي، فعند القلق مثلاً تكثر حالات الصداع التوتري المتكرر والأرق والشعور بالتعب وآلام المفاصل والعضلات المصاحبة للعصبية والتوتر وكثرة التفكير .
وأوضح أنه عند الخوف كما في حالات الرهاب المرضي phobias والهلع panic attacks يصاب الشخص بالدوار والغثيان والرعشة والاختناق، ويشعر كأنه سيسقط مغشياً عليه أو يفقد وعيه، ما يؤدي إلى تفاقم أعراض الخوف ويدخل في حلقة مفرغة تقوده إلى الهروب والابتعاد عن المواقف والحالات التي تصاحب الخوف والهلع، أما في حالات الاكتئاب فتتميز بهبوط الطاقة والحيوية والشعور بالإعياء والإرهاق وضعف التركيز والذاكرة واضطراب النوم والأكل .

خطأ التشخيص

وقال: "بناء على ما تقدم فإن الكثير من الحالات المرضية بالمواصفات التي ذكرناها تجعل أصحابها يلجأون إلى الأطباء ذوي الاختصاصات الباطنية بمختلف فروعها، لأنهم يعتقدون أن حالاتهم جسمية وليست نفسية، ما يؤخر تشخيصها وبالتالي علاجها بالصورة الصحيحة، وقد يستغرق وقتاً طويلاً تجرى لهم فيه الفحوص والتحاليل للتأكد من عدم وجود أية خلل وتنتهي بطمأنتهم إذا كانت طبيعية وخالية من أية علامات مرضية، ولكن دون الدخول في تفاصيل وضعهم النفسي والبحث في الأسباب والخلفيات النفسية لأن ذلك ليس من اختصاصهم" .
وأضاف: "تبقى الأمور معلقة لحين تناولها من قبل أصحاب الاختصاص في الأمراض النفسية وإقناع المريض بأن حالته نفسية وليست جسمية وهي خطوة في غاية الأهمية لكي يساهم هو نفسه في التعاون والتجاوب مع المعالج بغية الوصول إلى فهم طبيعتها والبحث في أسبابها وبالتالي للتمكن من علاجها بالطرق الدوائية والنفسية المتاحة وبصورة مهنية وتحقيق أفضل النتائج في ذلك" .

العلاقة النفسية الهضمية

وحول ارتباط الجهاز الهضمي بالعوامل النفسية وتأثيرها فيه، قال الدكتور محمد عزام قياسة أخصائي الكبد والجهاز الهضمي والتنظير التشخيصي والعلاجي: "تجعل حالة التوتر الشديد Stress ، عدداً كبيراً من الناس يعانون مشكلات صحية هضمية خاصة، وتحصل هذه الحالة نتيجة للإرتباط الوثيق بين الجهاز العصبي المركزي وتأثيره في الأعصاب الحسية والحركية للجهاز الهضمي (الجهاز العصبي الحشوي)، ما يؤدي إلى الإصابة بالآلام حادة في البطن، والشعور بالثقل في البطن، والغثيان والتقيؤ أحياناً، التخمة الغذائية، نوبات الإسهال وغيرها من الأعراض الهضمية الوظيفية" .
وأضاف، يرتبط المحور العصبي الدماغي (الدماغ الكبير) مع المحور العصبي للجهاز الهضمي (الدماغ الصغير) بعلاقة تفاعلية ومستمرة، فمثلاً رؤية الطعام أو حاسة الشم والافكار والعواطف (الحاجات البيولوجية والمتصلة بالدماغ) تؤثر على الاحساسات في الجهاز العصبي والافرازات الهرمونية الهضمية وحركية أجزاء الجهاز الهضمي، فأي ألم أو اضطراب في حركية الجهاز الهضمي يؤدي إلى إثارة الجهاز العصبي المركزي، وكذلك القلق والتوتر واضطراب المزاج ينبه المنطقة الدماغية المسؤولة عن التوتر والانفعال التي بدورها تعزز إفراز هرمون الأدرينالين وبالتالي زيادة في حركة واضطراب وظائف الجهاز الهضمي بواسطة إفراز هرمونات عصبية في الجهاز الهضمي .

أسباب الإصابة وأعراضها . . والوقاية

وأوضح أن العوامل النفسية الاجتماعية تلعب دوراً مهماً في ظهور وزيادة هذا الاضطراب، فالضغوط النفسية لدى الأشخاص الأصحاء تؤدي إلى اضطراب هضمي مؤقت، ولكنها تؤدي إلى تفاقم الحالة لدى المصابين بمتلازمة الأمعاء الهيوجة، حيث تشير الأبحاث الكثيرة إلى أن الأسباب الكامنة تعود إلى الضغوط النفسية وسوء العلاقات الاجتماعية وسوء الأحوال الاقتصادية وتدني مستوى الحياة الاجتماعية والعمل المرهق، حيث نجد أن أكثر الأفراد عرضة هم الأشخاص الذين يتصفون بالشعور بالمسؤولية العالية، والحرص الشديد والتفكير الوسواسي بالجسد الاهتمام الفائض بالصحة الجسدية، وحب الظهور أمام الآخرين على أكمل وجه، والشخصية العصابية، والكمالية، والقلقة المتميزة بالحساسية الزائدة والقلق الزائد وسرعة الانفعال، وكذلك الأشخاص الذين يعانون المخاوف المتعددة مثل الخوف الاجتماعي، والرهاب، والفزع، والوسواس القهري، والاكتئاب، والقلق العام (الشعور بالخوف الدائم لأي أمر) .
وقال: "إن الأعراض المترتبة عليها هي عسر الهضم النفسي العصابي (الوظيفي)، متلازمة الأمعاء الهيوجة، الوحام (الإقياء الحملي)، والعديد من الأمراض الهضمية الوظيفية، ومن اجل المحافظة على صحة وسلامة جهازنا الهضمي، ينبغي علينا الحفاظ على نظام غذائي متوازن بشكل عام، وفي فترات التوتر النفسي الشديد على وجه الخصوص، من خلال اتباع الخطوات التالية التي تساعد على هضم الطعام بشكل سليم وتمنح الشعور بالشبع لفترة طويلة من الوقت، كالحرص على تناول خمس وجبات في اليوم، ثلاث وجبات رئيسية ووجبتين خفيفتين من الفواكه بينها، مع الحفاظ على تناول كمية معقولة من الطعام في كل وجبة، الأمر الذي يساهم في تسهيل الهضم وفاعليته" .
وعن وسائل الوقاية شدد الدكتور قياسة على ضرورة الاهتمام بالتركيز في عملية تناول الأكل، الجلوس حول الطاولة، مضغ الطعام ببطء، تجنب تناول الأطعمة المصنعة والأطعمة المقلية والغنية بالتوابل والدهون، لأن هذه تطيل من فترة بقاء الطعام في المعدة وتصعب عمل الجهاز الهضمي .
وقال انه يفضل تناول الأطعمة الغنية بالألياف الغذائية، مثل الحبوب الكاملة، البقوليات، الخضروات الطازجة والمطبوخة التي سوف تساهم في تحسين التغوط ووتيرة إخراج الفضلات من الجسم وبالتالي المحافظة على تنظيف الأمعاء . كما شدد على ضرورة شرب ما يكفي من السوائل الطبيعية، فهي مفيدة وجيدة للجسم وليست المحلاة والمصنعة، وذلك بشرب ما لا يقل عن ثمانية أكواب من الماء يومياً، إذ تؤثر السوائل الطبيعية في عمل وحركية الجهاز الهضمي .

ضغط الدم والعامل النفسي

وحول ضغط الدم ومدى تأثره بالعوامل النفسية المحيطة بالفرد، ورد فعل الجسم على الضغط والتوتر النفسي، قال الدكتور عثمان اللبان استشاري طب الأسرة بمستشفى الزهراء: "يكون رد الجسم لحالات الضغط والتوتر النفسي بإنتاج كمية من الهورمونات لمواجهة حالات الضغط، وترفع هذه الهورمونات ضغط الدم عند الشخص لفترة من الزمن، عن طريق زيادة معدل ضربات القلب، وعن طريق تضييق الأوعية الدموية، يؤثر الضغط النفسي في زيادة في إفراز هرمون الأدرنالين والكورتيزول ونشاط في الجهاز السمبثاوي بحيث يؤدي إلى زيادة في ضربات وانقباض الشرايين والقلب" .
وأضاف: "يكون هذا التأثير بصورة مؤقتة خلال الانفعال والغضب والقلق، ولكن عند استمرار هذه الحالة النفسية لمدة طويلة يصبح تأثير الهرمونات أعظم فيسبب ذلك ارتفاع في ضغط الدم، ويلعب العامل النفسي دوراً مهماً في حدوث ارتفاع ضغط الدم، خاصة إذا كان المريض يعاني حالة نفسية مزمنة ومتكررة سواء كانت هذه الحالة متعلقة بالبيت أو بالعمل" .
وأشار الدكتور عثمان إلى أن تأثير العامل النفسي قد يكون على الدماغ في الزيادة في فرصة الإصابة بالجلطات الدماغية التي قد تكون نتيجة ارتفاع ضغط الدم، ما يسبب في انفجار في الأوعية الشريانية في الدماغ ومن ثم النزف الداخلي وهذا يسبب إعاقة قد تكون دائمة مثل الشلل النصفي أو فقدان البصر والكلام .

الأمراض الأخرى

وعن ماهية الأمراض المرتبطة بالضغط النفسي، قال الدكتور عثمان: "إن الضغط النفسي المفرط أو عدم القدرة على مواجهته قد يؤثر في الصحة، فهو مرتبط بمجموعة من الأمراض، ومن أكثر الأمراض شيوعاً أمراض القلب والشرايين والتي تتمثل في ضغط الدم والذبحة الصدرية الحادة، زيادة إفرازات الغدد، نقص إفراز الغدد، السكري، أمراض الجهاز الهضمي والتي تكون في الإمساك، الإسهال، قرحة الاثنى عشر، النحافة الشديدة، السمنة، قرحة الأمعاء والقولون العصبي، أمراض الجهاز التنفسي وهي ضيق التنفس، حمى القش، الربو، الأمراض الجلدية وهي الأكزيما، حكة، داء الصدفية، وأوجاع الرأس والصداع النصفي، اضطرابات الدورة الشهرية، وآلام أسفل الظهر، التوتر العضلي" .
وأضاف، إن أهم الطرق التي تساعد في تخفيف التوتر والضغوط النفسية هي بتغيير نمط حياتنا اليومية وكيفية التعامل مع الضغوط بالحياة وعدم اخذ الحياة بجدية صارمة، من خلال ممارسة الرياضة، التنفس العميق والهادئ، اخذ قسط من الراحة الكافية، الابتعاد عن الإسراف في شرب المنبهات كالشاي والقهوة، القيام بالرحلات والاستجمام، التواصل الاجتماعي ومصاحبة الأصدقاء والحديث معهم، التجمع مع الأهل ومشاركتهم حياتهم الاجتماعية، ممارسة الهوايات مثل المطالعة، مشاهدة التلفاز والاستماع إلى الموسيقى .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"