«بريكست».. أيام فاصلة

03:24 صباحا
قراءة 5 دقائق

بهاء محمود *

أيام قليلة ويجتمع البرلمان البريطاني لتحديد مصير بريكست، أو على الأقل يعرف الجميع ما ستؤول إليه اجتماعات المجلس الأوروبي، وهل هناك جديد قدّمه بوريس جونسون الغامض، هل هناك بوادر تنبئ عن بريكست منظم؟ أم ضجيج بلا طحن.
في سلسلة المفاجآت والتخبط العام في بريطانيا، كانت المحكمة العليا في البلاد قد ألغت قرار تعليق البرلمان ليستأنف عمله في الأسبوع الأخير من سبتمبر، متوقفاً عند اللحظة الفارقة من إقرار قانون «بن» الذي يجبر جونسون على مسارين؛ الأول الإتيان باتفاق قبل 19 أكتوبر، أو طلب تمديد مهلة بريكست لتتخطى يناير 2020. بالطبع تصريحات جونسون واضحة تماماً في هذا السياق، فالرجل يفضل أن يُلقى به في خندق خير من أن يطلب تمديداً لبريكست، وبالتالي فلا مفر من اتفاق يُرضي الأوروبيين ومن قبلهم مجلس العموم، لاسيما أن المحافظين حزب بلا أغلبية، إذن المعضلة الأولى هنا كيف يجد بوريس جونسون اتفاقاً، ولماذا يوافق عليه البرلمان؟.
جدير بالذكر أن قانون «بن» يحمل في طياته تصويتاً بحجب الثقة على رئيس الوزراء، فربما تستخدم فترة تمديد لإحداث تغيير في الحكومة الحالية، سواء حكومة محافظين، أو عمال، أو كما يطرح البعض حكومة وحدة وطنية تشمل كل الأحزاب، على خلفية رفض كثيرين تولي جيرمي كوربين رئاسة الوزراء بدون انتخابات. من جانبه يستمر جونسون في الغموض والتحايل، فمن ناحية يصر على أن موعد الخروج نهائي ولا تمديد بعده، ومن ناحية أخرى قدمت حكومته لمحكمة إسكتلندية ما يفيد بطلب تأجيل بريكست في حالة لم يكن هناك اتفاق.


مناخ التفاؤل


في الأيام القليلة الماضية تواصل جونسون مع الرئيس الفرنسي ماكرون، والمستشارة الألمانية ميركل، وخلاصة ما نتج عن لقاءاتهم وحديثهم هو أنه لا اتفاق ولا تمديد، وسرعان ما تبدل الحال بعد الإعلان عن زيارة لرئيس وزراء إيرلندا، ليو فاردكار، ناشراً مناخ التفاؤل عقب اللقاء دون تحديد لماهية الاتفاق. المعلن فقط هو خطة جديدة لشبكة الأمان بين الحدود الإيرلندية. عقب لقائه رئيس وزراء إيرلندا، رفض جونسون الإجابة عن مدى إمكانية إيرلندا الشمالية البقاء في المنطقة الجمركية بالاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، قائلاً: «أعتقد أنه سيكون من الخطأ أن أقدم تعليقاً على المفاوضات»، هذه الإجابة لا يفهم منها شيء سوى أن المفاوضات مستمرة والغموض كذلك، مع العلم أن جونسون ملزم قانونياً بإطلاع البرلمان على تفاصيل وثائق المحادثات وعدم سريتها، فربما يبرر غموضه مع الصحافة.
التسريبات تحدثت عن خطة قريبة من خطة ماي، مع تعديلات بسيطة لا يبدو حتى الآن أن الاتحاد الأوروبي يوافق عليها.
مكمن الخطورة في الاتفاق غير المعلن، ظهر في بيان المفوضية الأوروبية الذي قال: «وافق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على تكثيف المناقشات على مدار الأيام المقبلة»، مؤكداً صلابة الموقف القديم قائلاً: «لا يزال موقف الاتحاد الأوروبي هو نفسه: يجب أن يكون هناك حل قانوني في اتفاقية الانسحاب التي تتجنب الحدود الصعبة في جزيرة إيرلندا، وتحمي اقتصاد جميع الجزر واتفاق الجمعة الحزينة (بلفاست) بجميع أبعاده، ويحمي سلامة السوق الموحدة».
من هنا يبدو المأزق كيف تستطيع بريطانيا أو بالأحرى جونسون، إقناع الاتحاد الأوروبي بأن الخطة الجديدة لن تعيق حركة البضائع في إيرلندا، وستحافظ على اتفاقية الجمعة العظيمة، وتحمي السوق الموحدة، وكذا أمور تشكل خطورة على جانبي إيرلندا وعلى كل الدول التي تستفيد من حركة البضائع بين إيرلندا وبريطانيا وبقية الدول الأوروبية.
في سياق آخر لا تبدو تصريحات رئيس وزراء إيرلندا كافية لتوضح موقفه من اقتراحات جونسون، فقط عبر عن رغبته في الوصول إلى اتفاق، ولكن ليس كما تريد إيرلندا، وهو ما قد يعني أن الاتفاق الذي قدم من قبل جونسون مازال بعيداً. داخل البرلمان البريطاني أبدى الحزب الديمقراطي الإيرلندي المرونة، وذلك على لسان زعيمته أرلين فوستر مصرحة «أن حزبها المؤلف من 10 نواب اعترف بالحاجة إلى التحلي بالمرونة والاطلاع على الحلول الخاصة بإيرلندا الشمالية». وكذلك أبدت مجموعة الأبحاث الأوروبية بزعامة جاكوب ريس، نفس المرونة في التعامل مع خطة جونسون، لكن رقمياً ذلك الدعم لا يتخطى 40 عضواً من إجمالي 650 عضواً في مجلس العموم، فلا أحد يعرف موقف بقية حزب المحافظين بعد فقدانهم الأغلبية، بينما يجب أن يأتي الدعم الحقيقي من المعارضة، لاسيما أن مواقف العمال والديمقراطيين الأحرار والقومي الإسكتلندي، حتى الآن، كما هي.


مسارات الحل


من هنا نحن أمام مسارين لا ثالث لهما، وكل منهما له خططه ومساراته الفرعية؛ المسار الأول يبدأ بصيغة يوافق عليها الاتحاد الأوروبي في اجتماعه القادم، تذهب الخطة الجديدة للبرلمان البريطاني يوم 19 أكتوبر للتصويت عليها وفي حالة الموافقة تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد، أما في حالة رفض الخطة فيُلزم جونسون قانونياً بطلب تمديد مهلة بريكست. التسريبات تتحدث هنا أيضاً عن محاولة جونسون التحايل على القانون بتقديم خطابين يناقض كلاهما الآخر، أحدهما يطلب الخروج والثاني يعلن بريكست، وتلك الحيلة لا تبدو عملية؛ لأنها ببساطة تدفع جونسون إلى مخالفة قانون «بن» أو ما يعرف بقانون الانسحاب، كما تجعله عرضة للمساءلة أيضاً أمام المحكمة العليا. المسار الثاني مرتبط بيأس جونسون وتخليه عن الحكم وتقديم استقالته، وذلك المسار لا يبدو متوافقاً مع شخص جونسون المتمسك بكرسي الحكم في بريطانيا حتى النهاية، وهو ما قد يدفع مجلس العموم إلى التخلص منه بسحب الثقة سواء بتولي حكومة تسيير أعمال حتى عقد انتخابات بعد نهاية أكتوبر، أو التوافق على جريمي كوربين.
وفي كل الأحوال شكل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في المجالات الرئيسية سياسياً وأمنياً واقتصادياً في المقام الأول مرهون بنتيجة بريكست، فعلى الجانب الاقتصادي يحدد شكل بريكست وضع بريطانيا في السوق الموحدة والمنطقة الجمركية، وبالتالي الاقتصاد لن يتحدد الآن، لاسيما مع احتمالية وجود فترة انتقالية جديدة. أمنياً بريطانيا رغبت خلال الفترة الماضية في عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول الأوروبية؛ كونها لم تكن تحبذ سابقاً مسألة الجيش الأوروبي الموحد ولا حتى التنسيقات الأمنية والدفاعية خارج الناتو. سياسياً بريطانيا بدت في عهد جونسون أقرب لترامب منها إلى الاتحاد الأوروبي، على عكس تيريزا ماي التي تضامنت مع الاتحاد في موقف الاتفاق النووي وغيره من المواقف التي اختلف الاتحاد مع ترامب فيها، فيما تظل مسألة حقوق المواطنين المقيمين في أوروبا وبريطانيا محل جدل وعدم حسم، على الرغم من مطالبات حكومة جونسون في الفترة الماضية المقيمين في بريطانيا من الأوروبيين بتسوية أوضاعهم أو الرحيل، عملياً الأيام القليلة حاسمة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"