آلام الرقبة.. العادات السيئة سبب مباشر

03:27 صباحا
قراءة 9 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
تُعد الرقبة أكثر أجزاء العمود الفقري حركة، فهي تتكون من سبع فقرات عظمية، وتحمل حوالي 15% من وزن الجسم، ولكنها تحظى بأقل حماية من بقية أجزاء العمود الفقري، لأنها ليست محمية كالفقرات الصدرية المثبتة بالضلوع، ولهذا فهي أكثر تعرضاً للألم والإصابة، ولأن الرقبة دائماً في حركة مستمرة، فيمكن أن يتسبب ذلك في بعض الإصابات لفقرات العنق، ما ينتج عنها آلام شديدة أو متوسطة تؤثر على أعمالنا اليومية، ولذلك يتحدث خبراء الطب في هذا التحقيق، عن أسباب الإصابة وطرق العلاج الصحية للتخلص من آلام الرقبة.
يقول الدكتور عادل جبريل، مختص أمراض الروماتيزم والمفاصل، إن الرقبة تتكون من فقرات تربط بين مؤخرة الجمجمة وأعلى الجذع، وتعمل الفقرات العنقية والعظام والأربطة والعضلات على تدعيم وتحريك الرأس، وبالتالي تؤثر في إصابة، التهاب، أو جرح هذه المنطقة على الرقبة والأعضاء المتصلة بها، ويعد إجهاد العضلات بسبب العادات السيئة اليومية مثل الإفراط في تركيز الضغط على الرقبة أثناء العمل على الأجهزة مثل الكمبيوتر، الهاتف، استخدام آلة الخياطة ومشاهدة التلفاز لفترات طويلة، النوم على وسائد غير مريحة وغير صحية، من أهم الأسباب الرئيسية لآلام الرقبة.
ويستكمل: يؤدي التهاب مفاصل الرقبة إلى الشعور بألم شديد وصعوبة الحركة، ومن الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى التهابات العنق، التقدم بالعمر والإصابة بالروماتيزم وديسك الرقبة أو الانزلاق الغضروفي، وعلى الرغم من أن الرقبة خالية من وجود الغضاريف، ولكنها تحتوي على وسائد تتكون من ألياف، وتوجد مادة جيلاتينية بين كل وسادة وأخرى، وعند إصابة هذه الوسائد تضغط على الأعضاء وتسبب ألماً وخداراً في البدن، ومن الأسباب أيضاً الكدمات والرضوض نتيجة حوادث السقوط أو الاصطدام بأجسام أخرى، بالإضافة إلى الإجهاد العصبي والشعور بالتوتر والانفعالات العصبية.
علامات آلام الرقبة
ويشير د.جبريل إلى أن الغالبية العظمى من المرضى الذين يعانون من آلام الرقبة الحميدة الناتجة من الإجهاد المزمن، وتتلخص أعراض إصابتهم في:
ــ آلام في أسفل الرأس، من الناحية الخلفية، تمتد للرقبة وإلى أعلى الكتفين، وتزداد مع الإجهاد، وبذل المجهود والجلوس لفترات طويلة، وتقل في فترات الإجازات والعطلات الأسبوعية، وربما يصاحبها نوع من أنواع الصداع، يستهدف المنطقة الخلفية من الرأس، كما تزداد حدة الآلام مع التعرض لضغوط نفسية أو جسدية، أو مع تقلبات المناخ، مثل دخول فصل الشتاء.
ــ أما بالنسبة للذين يعانون من ضيق في القناة الشوكية، وضغط على النخاع الشوكي، أو المصابين بانزلاق غضروفي في الفقرات العنقية، فإن الآلام تتركز في منطقة الرقبة ثم تمتد إلى إحدى الذراعين، أو كلتيهما حسب الأعصاب التي تتعرض للضغط، وهذه الآلام تكون مبرحة، يصاحبها خدران وتنميل في الأصابع، وتشابه سيخاً من النار في يد المريض وذراعه، وربما تمنعه من القيام بأبسط الأعمال اليومية، وفي بعض الحالات المتقدمة يكون هناك ضعف في العضلات، وتأثر في وظيفة الساقين أيضاً،
ــ بالنسبة للمرضى، الذين تكون آلامهم ناتجة عن التهابات جرثومية أو عن أورام، فهم يعانون حتى في أوقات الراحة، الليل، أثناء النوم، وحتى مع انعدام الحركة في العنق، وهي خاصية تستدعي الاهتمام والتدقيق من قبل الطبيب، فعندما يشتكي المريض من ألم، شعور بالرجفة، ارتفاع في درجة الحرارة للجسم ككل، فقدان للشهية، نقص في الوزن، ويكون مستلقياً ومسترخياً على الفراش، فيجب الانتباه بشكل خاص لهذه الأعراض حيث إنها مؤشرات على خطورة الوضع.
الفحص بداية التشخيص
ويفيد د. جبريل أن تشخيص آلام الرقبة يبدأ عادة بالفحص السريري، ليبين وجود تمدد في حركة الفقرات العنقية، أو شد وتقلص في العضلات المحيطة بالرقبة والكتفين، أو يظهر نواقص عصبية في اليدين أو القدمين مثل تغير المنعكسات العصبية أو فقدان الإحساس في بعض الأصابع، ثم يأتي دور الأشعة السينية، لتحدد هل يوجد شد في عضلات العنق، أو وجود خشونة في الرقبة، أما الطريقة الفضلى والأحدث لتشخيص مشاكل الفقرات العنقية، فهي أشعة الرنين المغناطيسي (MRI) التي تبين بدقة ووضوح وجود أي تغيرات رثوية، انزلاقات غضروفية، أو آثار لالتهابات أو أورام في الفقرات العنقية، كما يمكن أن يلجأ الطبيب إلى طلب بعض الفحوص المخبرية كتحاليل الدم وغير ذلك.
نصائح وقائية
ويوصي د. جبريل ببعض النصائح التي تساعد في تجنب التعرض لمشكلات الفقرات العنقية والآلام المبرحة والوقاية، ومنها:
ــ تجنب الاستمرار في وضع الجلوس لفترات طويلة، وخاصة الجلوس في وضع تثبيت الرقبة في اتجاه واحد، مثل القراءة أو الكتابة أو مشاهدة التلفزيون.
ــ حافظ على وضع رأسك مستقيماً أثناء الجلوس، وتكون المنضدة التي تعمل عليها قريبة منك، وطولها مناسب، بحيث تمنع انحناء رقبتك، كما يمكن وضع قاعدة خشبية مائلة صغيرة على المكتب لتساعد على القراءة أوالكتابة، دون انحناء الرقبة بحيث يكون ما تكتبه أو تقرؤه في مستوى النظر.
ــ الوضع الأمثل للعمل على الكمبيوتر يكون بوضع الشاشة بحيث يكون مركزها في مستوى أنف الشخص الجالس أمامها، وتوضع لوحة المفاتيح (الكيبورد) بحيث تكون الأكتاف في وضع معتدل وغير مرفوعتين لأعلى، ويكون الكوع مثنيا بدرجة 90 (أي قائماً)، ويكون المعصم مسترخياً في وضع 30 درجة.
ــ الوضع الطبيعي للرأس هو أن يكون على استقامة واحدة مع العمود الفقري بمعنى أنه عند النظر للشخص من الجانب تكون الأذن على خط واحد مع الكتف، فكلما زاد تحرك الرقبة إلى الأمام من هذا الوضع زادت الضغوط على فقرات وعضلات الرقبة، فكل حركة للرأس للأمام بمقدار (2.5 سم) معناها زيادة الضغوط على فقرات الرقبة السفلى بمقدار وزن الرأس وهكذا، لذا يجب المحافظة على الرأس في وضع مستقيم دائماً.
ــ تجنب تعريض الرقبة لتيارات الهواء، وحاول تجنب التغيرات المفاجئة للجو كالانتقال من جو ساخن إلى التكييف البارد.
ــ يمكن استخدام وسادة تحت الذراعين بحيث يستند الذراعان عليها من الإبطين إلى الكوعين أثناء القراءة لضمان وضع الكتاب في مستوى النظر بدون انحناء الرقبة ولتقليل التحميل الزائد على فقرات وأنسجة الرقبة وعلى الأكتاف، حيث ستحمل الوسادة عنك وزن الذراعين والكتاب، ويمكن استخدام هذه الطريقة أثناء عمل التريكو أو الحياكة.
ــ تجنب القراءة أو مشاهدة التلفاز وأنت مستلقٍ على السرير، حيث تكون رقبتك في أغلب الأوضاع في وضع سيئ، مع الاحتفاظ برأسك ورقبتك في وضع مستقيم أثناء النوم بحيث لا تكون الوسائد عالية، أو منخفضة سواء كان ذلك وأنت نائم على جانبك أو على ظهرك.
ــ على مريض آلام الرقبة أن يتفادى حمل الأشياء الثقيلة أو دفع أو جذب الأشياء بقوة، وخاصة الثقيلة، وتجنب الأوضاع التي يضطر فيها إلى رفع رأسه لأعلى لفترة طويلة مثل أعمال دهان السقف أو التأمل في السماء.
ــ تجنب استخدام النظارات ثنائية البؤرة (أي نظر وقراءة معاً) للقراءة من على شاشة الكمبيوتر.
ــ يجب تجنب وضعي (الانحناء والرجوع بالرأس للخلف) قدر الإمكان لتجنب الضغوط، ومن ثم الألم وتقلص العضلات.
داء الفقار الرقبي
وعن اهتراء الفقرات الرقبية، يوضح الدكتور عمرو حسين اليماني، مختص طب وجراحة العظام، أن داء وتنكُّس الفقار الرقبي، ويُعرف بأنة المصطلحُ الطبيُّ لآلام الرقبة المصاحبة للتقدُّم في السن، وما تتركها من آثار على العظام والأنسجة، يتجلى هذا المرض بمجموعة من التغيرات التنكسية في أقراص ومفاصل الفقرات الرقبية، ومن الممكن ظهوره بعد سن الـ 30 عاماً، وتتمثل هذه التغيرات في بروز القرص التنكسي ونشوء نابتات عظمية، إلى جانب تضيق مخارج الأعصاب وإصابة في الغضروف المفصلي للفقرات، ومن المحتمل أن تؤدي هذه التغيرات إلى تضييق القناة النخاعية وضغط على العمود الفقري أو الجذور.
أسباب وتشخيص داء الفقار الرقبي
ويفيد د. اليماني بأنه مع التقدُّم في السنّ، تظهر آثار شيخوخة المفاصل والأنسجة المُكوّنة للعمود الفقري حيث يمكن أن يحدث جفاف أو انكماش في الأقراص الغضروفية في العمود الفقري أو تيبّس في أربطة المفاصل، تحدث عملية «تآكل وترميم» في جميع مفاصل الجسم وبشكل مستمر في محاولة للتكيّف مع الضغوط والقوى المطبَّقة عليها أثناء النشاطات اليومية الاعتيادية، وعند اختلال التوازن بين عمليتي التآكل والترميم، يُصاب الشخصُ بتنكُّس الفقار الرقبي، ويبدأ لديه الشعور بالألم والتيبّس في الرقبة، ويتم تشخيص هذا المرض بواسطة التصوير بالأشعة السينية ( X - ray) أو التصوير المقطعي المحسوب، للفقرات الرقبية أو عبر التصوير بالرنين المغناطيسي.
طرق غير جراحية
ويشير د. اليماني إلى أن هناك بعض الحالات المصابة بداء الفقار الرقبي، تتم معالجتها بواسطة أدوية مضادة للالتهاب ومسكنة للألم أو العلاج الفيزيائي/ الطبيعي، أو العلاجات البديلة، وهناك بعض الحالات التي تحتاج إلى عملية جراحية لاستئصال القرص البارز وتحرير مخرج العصب وتثبيت الفقرات المتضررة، ويمكن تخفيفُ أعراض التنكُّس أو داء الفقار الرقبي في معظم الحالات باتباع خطَّة علاجية تتضمن تناول مضادَّات الالتهاب غير الستيروئيدية منها: إيبوبروفين إلى جانب ممارسة الرياضة مثل السباحة والمشي، ولا بد من اتباع تعليمات الرعاية الشخصية مثل دعم الرقبة أثناء النوم باستخدام وسادة متينة أو غير طرية (قاسية نسبياً).
التدخل الجراحي
ويذكر د. اليماني، أن عدداً قليلاً من الحالات يتطلَّب إجراءَ جراحةٍ لإزالةِ أو إصلاح الجزء المتضرِّر من العمود الفقري الرقبي، وسجلت معظم حالات تنكُّس الفقار الرقبي نتائج جيدة عموماً، وتستجيب معظمُ الحالات للعلاج بعدَ مرور بضعة أسابيع إلا أنه من الشائع أن تعود الأعراض للظهور مرة أخرى بعد فترة، ومن المحتمل أن تتدهور الإصابةُ في 10% من الحالات، فيُعاني المريض من آلامٍ رقبيَّة طويلة الأجل (مزمنة) أو تُسبِّب تيبُّساً وألماً في الرقبة، كما يجب الإشارة إلى أن عدم علاج اهتراء الفقرات الرقبية، يؤدي إلى إصابة المريض بآلام شديدة في الرقبة مع تيبس وتصلب في العضلات، وربما تزداد الأعراض سوءاً مع استمرار العمل لفترة طويلة في وضع الجلوس أو الوقوف، ويلاحظ المريض وجود صوت احتكاك أو فرقعة مع حركة الرقبة، كما يصاب بالدوار أو الصداع وينتشر ألم العنق إلى الكتف، الذراع، الساعد، مؤخرة الرأس، أعلى الظهر، أو بين لوحي الكتف، ومع استمرار الضغط على جذور الأعصاب بالفقرات العنقية، ويحتمل أن يشعر المريض بالتنميل أو الألم أو الضعف في عضلات الذراعين واليدين والأصابع.
التهاب الفقرات
ويشير الدكتور تينكو جوز، مختص جراحة الأعصاب، إلى أن مرض التهاب الفقرات المفصلي العنقي، هو ضعف وضمور في فقرات وغضاريف العنق، الأمر الذي يؤدي إلى فتق أو انزلاق الغضروف، فمع التقدّم في السن تتقهقر الفقرات والغضاريف النخاعية في الرقبة وتتعرّض للجفاف والتقلّص، ما يفضي إلى مرض الفصال العظمي، والذي يدعى أيضاً بالتهاب الفقرات المفصلي العنقي، وفي هذه الحالة يؤدي ضمور الفقرات إلى تشققات فيها، وبالتالي يتسبب في انتفاخ في الغضاريف على مستويين، ويشكّل ضغطاً على النخاع الشوكي والمسارات العصبية، وعندها يغدو التدخل الجراحي خياراً لا بد منه.
التهاب عديم الأعراض
ويوضح د.جوز أن الفترة العمرية بين 30 إلى 50 سنة، تعدّ هي الأكثر عرضة للإصابة بانزلاق الغضاريف، ويتصف مرض التهاب الفقرات المفصلي العنقي بكونه عديم الأعراض الظاهرة، غير أن آلام الرقبة وتصلّب العنق يعتبران علامة هامّة تدل على الإصابة به، وربما يؤدي في الحالات الشديدة إلى خدر وتنميل في الذراعين، لذا ينصح الأطباء بإجراء معاينة فورية عند الشعور بأعراض كهذه، مع العلم بأن التأخر عن علاج المرض في الوقت المناسب، يؤدي إلى أضرار دائمة تؤثر سلباً على مختلف نواحي الحياة للمصاب.
العلاج بالطريقة الحديثة
ويؤكد د. جوز على أن عملية جراحة الغضروف الاصطناعي البديل، أصبحت الحل الأمثل، لعلاج التهاب الفقرات المفصلي العنقي، بدلاً من العمليات التقليدية التي تقوم على جراحة استئصال ولحام فقرات الرقبة العليا والتي تنطوي على إزالة الغضاريف المتضررة بالكامل، إذ تسمح هذه الجراحة الحديثة، بتحريك الرقبة بشكل كامل بعد التماثل للشفاء، فضلاً عن كونها لا تحتاج لأي تطعيم عظمي ولا تتسبب بأي ضرر للفقرات الطبيعية، ولا تتطلب ارتداء دعامة للرقبة لفترة طويلة بعد العملية، بالإضافة إلى الحد من احتمال الإصابة بمرض تآكل الغضاريف، والأهم أن فترة النقاهة قصيرة للغاية، لدرجة أن المريض يتمكّن من المشي بعد ساعات قليلة من خضوعه للعمل الجراحي، ولكن لا بد من الإشارة إلى ضرورة التحديد السليم لحالة المريض بعد خضوعه للمعاينة الدقيقة وذلك من أجل الكشف عن وجود أي أمراض أخرى محتملة، وهو أمر لا بد منه لتحقيق نتيجة جديدة.

التمارين الرياضية

في حال وجود آلام في الرقبة، يجب تجنّب الأنشطة الرياضية التي تحتاج لجهد كبير، مع ضرورة ممارسة التمارين الرياضية الخاصة بتقوية عضلات الرقبة، كما يراعى تناول الأدوية حسب تعليمات الطبيب المعالج، وأخذ قسط من الراحة كل فترة، تجنباً لبقاء الرقبة في وضعية واحدة لمدة طويلة، مع وضع حزام الأمان عند قيادة السيارة؛ لحماية الرقبة من إصابات حوادث السير، والحفاظ على الجسم في وضع مستقيم، والحرص على مزاولة التمارين الرياضية التي يحددها اختصاصيو العلاج الطبيعي فقط، حتى لا تحدث أي مضاعفات غير محسوبة، وفي حال الشعور بآلام حادة ينبغي استخدام الكمادات الباردة، أما الكمادات الدافئة فهي تلائم حالات الألم المزمن مع الحرص على عدم ملامسة الكمادات للجلد بشكل مباشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"