الضغوط النفسية عند الأطفال.. معاناة مبكرة

03:05 صباحا
قراءة 8 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
تختلف الاضطرابات النفسية ومصدرها بحسب الحالة العمرية لدى الطفل، إلا أن المعاناة من الضغوطات وحالات التوتر والاكتئاب في سن مبكرة، بدون أي تدخل من الأهل أو الأخصائيين النفسيين، تزيد من فرصة إصابة الطفل ببعض تلك المشاكل النفسية على المدى الطويل، خاصة إن لم تتم مرحلة التثقيف بالطريقة والوقت الكافي. ومن أهم الضغوط النفسية التي يتعرض لها الأطفال وخاصة في المدرسة هي التنمّر، وهو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء البدني والنفسي. وفي التحقيق التالي نتعرف إلى هذه المشكلات وكيفية مساعدة أبنائنا في التخلص منها، دون أن تترك آثاراً سلبية على حياتهم في المستقبل.
يبين الدكتور محمد طاهر، المختص في الطب النفسي، أن «راحة الجسد من راحة البال»، مقولة لم تعبر فقط عن عمر معين، بل تضمنت كل شخص يتعرض لأي ضغوط نفسية تؤثر على أفكاره وتصرفاته، فالطفل كالإنسان الراشد يتعرض لضغوطات نفسية نتيجة عوامل خارجية ربما تغير من توجه تفكيره، وتؤثر على تصرفاته على المدى البعيد، ونذكر منها تلك العوارض الطبيعية التي تحدث للطفل بسبب عمره أو بسبب العوامل البيولوجية التي يمر بها، وهنا يجب على الوالدين الاهتمام الأكبر بالطفل ومحاولة توعيته من خلال إرشاده لمختلف الأنشطة والفعاليات التي من خلالها يسلّط معظم طاقته ويبتعد عن التفكير في الأمور الثانوية، إلا أن بعضاً من هذه الضغوطات النفسية تساهم في بناء شخصية الطفل، وتشجعه على مواجهة مصاعب الحياة مهما كان حجمها.
مؤثرات نفسية

ويذكر د. طاهر أن هناك بعض الأسباب الشائعة للضغوطات النفسية في مرحلة الطفولة ومنها:
• أبسط الأمور التي تزعج الأطفال في السن المبكرة، تتشكل في الشعور بعدم الأمان يتخللها الابتعاد عن الآباء والأمهات، والحاجة إلى الاحتياجات الأساسية للحياة مثل الغذاء والماء، إضافة إلى النظافة الشخصية وأهمية التواجد بالقرب من أحد. وعندما يكبر الأطفال يصبحون أكثر عرضة للتأثر بالضغوط النفسية الناتجة عن المذاكرة والدراسة، والالتزام بالواجبات المنزلية، إضافة إلى التوتر والاكتئاب الذي ينتج عن محاولة الطفل للتأقلم مع زملائه في المدرسة، وأن يكون على مستوى متساو مع غيره من ذات الفئة العمرية.
• من ناحية أخرى يتأثر الأطفال عند عدم الشعور باهتمام الأم والأب معاً، وذلك بسبب تخلخل مشاعر الحبّ والانتماء، وخاصة في المرحلة المبكرة، وغالباً ما يتدخل الأطفال بشكل غير مباشر في جميع الظروف التي تمر بها العائلة، من الناحية المالية أو الاجتماعية، والتي تؤثر على نفسية الطفل، ويشعر ببعض الضغوط النفسية والشعور بالنقص والمسؤولية، وإن عانى الآباء مرضاً معيّناً، أو مشكلة اجتماعية مثل الطلاق والانفصال، يشعر الطفل بنوع من الوحدة والخوف من الفقدان.
• مع تقدم العمر لدى الأطفال ونضج الحالة العقلية، يصبح الطفل أكثر استجابة حتى للأخبار المحلية والعالمية حوله، وجميع ما تنقله وسائل الإعلام التقليدية والحديثة من صور، ورسومات حزينة، ومروعة، تشعره ببعض المسؤولية وتُملي عليه نوعاً من العبء الذي يترجم إلى بعض التصرفات كالبكاء أو حتى مزاولة الوحدة، والابتعاد عن الآخرين لبعض الوقت، كما أن الأطفال في سنّ معينة يكون لهم حس الفضول الكبير لمعرفة الأشياء والعالم المجهول، إلا أن بعض تلك المواضيع تكون معقدة قليلاً على الطفل، وتمنعه من السؤال بطريقة مختصرة وبسيطة، فيشعر بالتالي بالخجل من طرحها والتحدث عنها ما يسبب نوعاً من الارتباك والإرهاق.
أعراض الضغط النفسي

ويفيد د. طاهر أن أعراض الإصابة بالضغوط النفسية عند الأطفال متشابهة إلى حد مّا، حتى ولو اختلفت المصادر المسببة لذلك، ولابدّ أن يلاحظ الآباء أو المقربون، الفرق بين أنشطة الطفل اليومية، ففي معظم الحالات يمكن ترجمة الأعراض الشائعة من الناحية النفسية في الشعور بالإحباط، وعدم التسامح والحزن المستمر، والشعور بالنقص والخجل من اكتشاف المزيد. أما من الناحية الجسدية فيفقد الطفل الاهتمام بأداء الأنشطة اليومية والروتينية، ويتعرض للبدء في التبول اللاإرادي خلال النوم، واضطرابات الكلام، والتأخر في النطق، حيث إن بعض تلك العوامل تنعكس على الأعصاب مباشرة، فلا يستطيع الطفل التحكم بها من ناحية متكاملة.
ويستكمل: «إن كان الطفل في المدرسة يبدو واضحاً تشتت انتباهه بشكل مستمر، وصعوبة تركيزه أثناء الدراسة، وصعوبة البقاء في مكان واحد، وهذا ما يؤثر بالتأكيد على الأداء الدراسي للطفل بشكل مباشر، ويبتعد الطفل أيضاً عن الطعام، وتقلّ شهيته، ما يؤثر على نقص وزنه بشكل متزايد. أما الأطفال الأصغر عمراً فيظهرون بعض السلوكيّات مثل مصّ الإبهام والتحدث بطريقة متلعثمة، والمرور ببعض الكوابيس خلال النوم، وضعف التركيز بشكل عام».
أنواع ووقاية

ويشير د. طاهر إلى أن الضغوطات النفسية تنقسم إلى أنواع عادية أو إيجابية، وهي تلك التي يتعرض لها الطفل في حياته وتؤدي إلى بناء شخصيته بالطريقة التي تشجعه على تحمل مختلف مصاعب الحياة، ومنها:
• الضغوطات المحتملة، التي تستمر لفترة قصيرة إلا أنها تؤثر في الطفل كثيراً مثل وفاة أحد المقربين، أو حدوث مشاكل اجتماعية معقدة، وإن لم يستجب بطريقة تفاعلية لهذه المشكلة ربما تؤثر عليه سلباً.
• الضغط السلبي أو السمّي، ويستمر تأثيره لفترات طويلة ولا يمكن للطفل أن يدير هذه المشكلة بنفسه، مثل المعاملة السيئة وغيرها، وهنا يكون التأثير صحياً وجسدياً على الطفل، وتستمر مع تقدم العمر، ويحتاج بعدها إلى استشارة مختصة واهتمام أكبر.
• تعد الرعاية الصحية والاهتمام المستمر من العائلة أحد أهم العوامل التي تقي الأطفال الإصابة بضغوطات نفسية تؤثر على حياتهم الطبيعية، ويجب على الأطفال أن ينالوا كمية كافية من الغذاء والراحة، إضافة إلى الشعور بالعناية من قبل الأهل، من خلال الاستماع لكلامهم والإجابة عن كلّ استفساراتهم.
• التعرض للإجهاد بشكل معتدل يعدّ أمراً طبيعياً ومن أساسيات الحياة، ولكن إن زاد مستوى التوتر لفترة طويلة، فيجب تقديم المساعدة في أسرع وقت ممكن، لتجنّب الوصول إلى نتائج أكثر خطراً.
التنمّر (البلطجة في المدارس)

وعن مشكلة التنمّر التي يتعرض لها الأطفال، توضح الدكتورة حنان حسين، استشارية الطب النفسي، أن هذه المشكلة أصبحت مؤرقة للآباء والمدرسة على حد سواء، وأدرك الجميع أن نتائجها وخيمة، ولا تقتصر على إصابات جسدية مؤقتة ولكن تمتد لتؤثر سلباً على بناء الشخصية والصحة النفسية للأبناء، ولذا يجب أن يتشارك الجميع لمواجهة تلك المشكلة والقضاء عليها، من أجل بيئة مدرسية آمنة. ويعرّف التنمّر بأنه شكل من أشكال الإساءة أو الإيذاء، ويتميز بكونه متعمداً أو متكرراً على مدار الوقت، من قبل شخص أو مجموعة ضد الآخر الأضعف، ويكون على أكثر من شكل:
• التنمّر اللفظي مثل إطلاق ألقاب مهينة أو السخرية أو التهديد بالأذى.
• التنمّر البدني بالضرب والركل وإتلاف الممتلكات.
• التنمّر الاجتماعي وفيه يقوم المتنمر (المعتدي) بتخريب علاقات الطفل المعتدى عليه (الضحية) الاجتماعية، أو تشويه سمعته أو حتى استبعاده، أو أقصائه من المشاركات عمداً.
• التنمّر عبر الشبكة العنكبوتية، وهو نوع مستحدث من التنمر نتيجة إتاحة الإنترنت للأطفال والمراهقين، وفيه يعاني الضحية التجريح والإهانة عبر الرسائل النصية والبريد الإلكتروني، أو في مواقع التواصل الاجتماعي.
ضحايا التنمّر

وتذكر د. حنان، أن للتنمّر نتائج سلبية كبيرة على الضحية سواء على المدى القريب أو البعيد، مثل:
• التغيّب عن المدرسة بسبب الشعور بعدم الأمان وضعف التحصيل الدراسي بسبب القلق والخوف.
• احتمال الإصابة ببعض الأعراض المرضية المجهولة الأسباب، كالصداع المتكرر، والآم المعدة، وضعف التقدير الذاتي، وصولاً إلى ارتفاع نسب تعرضهم لاضطرابات الاكتئاب، والقلق واضطرابات نفسية أخرى، تنتهي باللجوء إلى سلوك تدمير الذات، ووصولاً إلى الانتحار، أو محاولة حمل أسلحة إلى المدرسة، بهدف الدفاع عن النفس، وما قد ينتج عنه من حوادث العنف المدرسي.
• لا تقتصر نتائج التنمّر وتأثيراته السلبية على الضحية؛ بل تمتد لتؤثر على المتنمّر نفسه الذي ينشأ معتاداً على الاعتداء على الآخرين بدون رادع أو ضمير.
وتضيف: «ضحايا التنمّر عادة هم الأطفال الذين يفتقرون إلى القدرات بشكل عام، المنعزلون اجتماعياً والخجولون من أصحاب البنية الجسمية الضعيفة، الذين لا يمارسون الرياضة، أو من يسهل استفزازهم ويبكون بسهولة، أو لا يشعرون بالطمأنينة ويتعلقون بالكبار، ولكنهم أحياناً يكونون أطفالاً لديهم مشاكل في التركيز في المدرس، أو يعانون فرط نشاط الحركة، أو سريعو الاستثارة، ويحاولون الرد على الإهانة، أو من لديهم عادات مزعجة تجعلهم غير محبوبين من الأطفال الآخرين أو البالغين».

مواجهة التنمّر

وتؤكد د. حنان على ضرورة مواجهة التنمّر في المدارس، «ولا نتوقع أن يعالج الطفل التنمّر بنفسه. فالتدخل المبكر لحل المشكلة يمنع المشاكل الدائمة، مثل الاكتئاب، والقلق، وانخفاض تقدير الطفل لذاته، واعلم أن لكمة على العين، أو أنفاً نازفاً يشفى بسرعة، ولكن الجروح النفسية والعاطفية الناتجة عن التنمّر ستستمر مدى الحياة، فهي مسؤولية تقع على الأسرة والمدرسة والطالب المدرسي ومسؤولي الصحة النفسية المتخصصين»، وتتمثل في:
1- دور الأسرة: (راقب/استعلم/ادعم).
• اسأل طفلك سؤالاً مباشراً حول تعرضه للتنمّر.
• تحدث مع أبنك عن أصحابه، ومرافقية في الملعب وحافلة المدرسة.
• علّم طفلك الثقة بالنفس، والمرونة، وكيف يطور مهاراته الاجتماعية ليقلل من كونه هدفاً سهلاً للمتنمرين.
• ساعده على الاشتراك بنشاطات المدرسة لمساعدته على زيادة تقديره لذاته مثل: الرياضة أو الموسيقى.
• أدعم طفلك بالمشاعر، وبدلاً من إهمال قلقه، أو إخباره بأن الأمور ستحل في النهاية، عبر له عن تفهمك واهتمامك بقولك: أتفهم أنك تمر بأوقات صعبة، ولكن دعنا نحاول معالجة الأمر معاً.
• علمه ألاَّ يتقبل الأمر ويستسلم، ولكن اللجوء للعنف سيزيد الأمور تعقيداً. يمكنه أن يطلب من المتنمّر أن يتوقف بلهجة آمرة وحاسمة.
• انصح الطفل بألاَّ يبقى وحيداً.
• علم الطفل أن التبليغ عن التعرض للتنمّر فعل آمن وليس ضعف شخصية.
• درب الطفل على السيناريو المتوقع عند مواجهة الطفل المتنمّر وعند التبليغ.
2- دور المسؤول بالمدرسة (إرساء القواعد/التوجيه والتوعية/التيقظ وسرعة التدخل)
• وضع استراتيجية واضحة ومكتوبة للخطوات المتبعة في مواجهة التنمّر داخل المدرسة، وإطلاع التلاميذ وأولياء أمورهم عليها سنوياً.
• استغلال حصص التوجيه والحياة المدرسية لإرساء قواعد التآخي والتراحم ونبذ العنف، والتأكيد على عدم التهاون من قبل المدرسة في مثل هذه الحالات.
• توضيح أساليب التنمّر المختلفة وخلق شعور بالمسؤولية لدى الطلاب للحفاظ على بيئة مدرسية آمنة.
• التيقظ الدائم والتحفز لاكتشاف حالات التنمّر في بدايتها ومعالجتها.
• أخذ شكاوى الطلاب على محمل الجد، وعدم التراخي أو التغاضي عنها.
• اجمع أكبر قدر من المعلومات الممكنة، واطلب من الطفل وصف كيفية وأين يتم التنمّر، ومن تورّط فيه واسأل الطفل إن كان الأطفال الآخرين أو البالغين قد شهدوا الحوادث.
• تقديم الدعم للطفل المتعرض للتنمّر والطفل المتنمّر على حد السواء، فكلاهما في الأغلب يعاني مصاعب نفسية.
3- دور الطالب المدرسي: (رفض الوضع/التنبيه/إطلاع المسؤول/التعاون الإيجابي)
• لا تبادر بالشجار والقتال.
• تدرّب على ما ستقوله للمتنمّر مثل: أريدك أن توقف هذا العمل فوراً.
• أظهر الثقة بالنفس، وتكلم ورأسك مرفوع للأعلى.
• اختر صديقاً قوياً ومحترماً، في حافلة المدرسة، والكافتيريا، بين الحصص، وفي الطريق من وإلى المدرسة.
• تحدث إلى البالغين: كالوالدين، والمعلمين، والمدير، والمرشدين التربويين، للمساعدة على التخلّص من التنمّر.
• احرص على التواصل مع الزملاء الودودين والداعمين لك، والذين سيشملونك بنشاطاتهم.
• لا تقف متفرجاً في حال شهدت حوادث التنمّر ضد الغير، عليك فوراّ إبلاغ المسؤولين بالمدرسة.
4- دور فريق الصحة النفسية: (التشخيص/العلاج/تنمية المهارات ودعم الثقة بالنفس)

• تعديل المفاهيم، ونوضح للطفل ضحية التنمر الآتي:
- أنت لست مسؤولاً والمشكلة ليست فيك، بل لدى المتنمّر وهو يختار ضحاياه عشوائياً
- أنت لا تستحق ذلك ولم تخطئ في شيء ولن تتعرض للوم أو التوبيخ، بل أنك تستحق الدعم والمساندة.
- أنت لست وحدك فجميعاً ضد التنمّر وهي معركتنا المشتركة، وهدفنا أن نعيش في بيئة آمنة.
• دعم الثقة بالنفس وتقدير الذات.
• علاج ما ينتج من ظواهر الاكتئاب أو القلق من خلال جلسات العلاج السلوكي المعرفي.
• تنمية المهارات الاجتماعية (كيفية تكوين صداقات جيدة، واختيار الرفاق، والتصدي للأذى، ومهارات التجاهل، واستعمال المزاح والأساليب الدبلوماسية الأخرى).
• تشير الأرقام إلى تعرض نصف الأطفال في مرحلة مّا من حياتهم المدرسية للتنمّر، وغالباً ما يُخفي الأطفال عن الأهل معاناتهم بسبب إحساسهم بالخجل، فهم لا يريدون أن يظهروا أمامهم ضعفاء، ويشعرون أن المسؤولية واللوم سيقع عليهم، أو أنهم يستحقون تلك المعاملة من الآخرين، نتيجة لخلل لديهم. وتشير الدراسات والإحصائيات إلى أن أسوء مراحل التعرض للتنمّر تكون في مرحلة المراهقة، بنسبة 44% بين طلاب المدارس الإعدادية، مقابل 20% للمدارس الثانوية، و20% للمدارس الابتدائية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"