"الندبة" فن أصيل يغري باكتشاف أسراره

12:45 مساء
قراءة 3 دقائق

تسجل المهرجانات التراثية والأعراس الشعبية عودة لافتة إلى أحد أشهر الفنون التراثية الفريدة من نوعها في الدولة، والمرتبطة بالقبائل الجبلية، إنه فن الندبة، الذي يستقطب أعداداً كبيرة من الأجيال الجديدة، التي تحرص على إتقانه والمشاركة في أدائه، حفاظاً على تراث الآباء.

الندبة، فن تراثي (صوتي) متوارث، تشتهر به قبائل الشحوح والحبوس والظهوريين وبني شميلي، ويعتمد على قدرات صوتية خاصة لدى المؤدي الرئيسي له، فيما يتحلق حوله عدد من رجال القبيلة، على شكل حلقة شبه دائرية، مرددين أصواتا محددة غامضة، على نسق معين متعارف عليه، ويشهد الصوت صعوداً تدريجياً وهبوطاً موازياً في نبرته، ويردد الرجال وراءه بأصوات مماثلة، وإن كانت أقل ارتفاعا، دون أن تصاحب تلك الأصوات كلمات أو تعابير لغوية تذكر، إذ يكاد يعتمد على الصوت ودلالاته، باستثناء كلمتين فقط، يرددهما ثلاث مرات تشيران إلى اسم القبيلة واعتزازها بنفسها.

ويشترط وفقاً لأصول هذا الفن التراثي الإماراتي الخالص مشاركة عدد لا يقل عن ثلاثة رجال في أدائه، ولا يزيد على عشرة، وفي حال ازدياد العدد عن ذلك يتحولون إلى تشكيل حلقة ثانية وثالثة وهكذا، وتسمى كل مجموعة بالكبكوب. ويلجأ قائد الندبة المعروف شعبياً باسم النديب إلى رفع ذراعه اليمنى، ملوحاً بها بصورة متكررة وهي مثنية، وقريبة من الجانب الأيمن من رأسه على مقربة من أذنه، في حين يغلق بكفه اليسرى أذنه الأخرى.

الأصوات المجردة في فن الندبة تثير التساؤلات عن دلالاتها، ما يتطلب دراسة معمقة لأصول هذا الفن الشعبي وتطوره، لاسيما أن كثيرين من هواته والمحافظين عليه، خاصة الشباب، لا يملكون تفسيراً واضحاً لمعانيه.

وتختلف وجهات نظر أصحاب هذا الفن في تفسير معاني ودلالات الأصوات المجردة في الندبة، في حين تلتف حول بعض التفسيرات الأرجح كفة. ويرى محمد الحبسي، (34 عاما)، أن فن الندبة كان في السابق مستخدماً خلال الأعراس تحديداً، ويلجأ إليه الضيوف القادمون من مناطق مختلفة، للفت نظر أصحاب العرس إلى قدومهم، لاستقبالهم وتأدية واجب الضيافة والترحيب بهم. ويعتقد أن تلك الوظيفة الاجتماعية الخالصة تطورت مع تحولات العصر إلى مجرد تراث يتداوله الشواب ويتناقله شباب القبائل.

ويلفت عبد الله الحبسي، (17 عاما)، إلى أن الندبة تتطلب من المؤدي الرئيسي أن تكون له مقدرة صوتية وموهبة من نوع خاص، مؤكدا أن أعداداً كبيرة من الشباب من أبناء القبائل في المناطق الجبلية تقبل على ممارسة الندبة، التي توارثناها عن آبائنا. لكنه يعتبر أن هذا الفن يعكس شكلاً من البهجة بالأعراس، يتم التعبير عنها بالصوت المجرد، عوضا عن الكلام والتعابير اللغوية، وتتم ممارسته بعد تناول طعام العشاء أو الغداء بصورة جماعية. وتضفي الندبة جوا خاصا من البهجة والأصالة على المناسبات الشعبية والتراثية والأعراس والولائم، ويحافظ عليها أبناء القبائل جيلاً بعد جيل.

ولدى خليفة محمد ما يضيفه في كشف أسرار فن الندبة، فهو فن يمنح إحساساً خاصاً من عبق الماضي. وفي تفسير مختلف يشير إلى أن هذا الفن كان وسيلة يلجأ إليها الخصوم خلال الحرب في الماضي، الغاية منه إرهاب الخصوم بأصوات حادة، أو بمثابة إعلان الانتصار والزهو به، قبل أن يصبح اليوم تراثاً شعبياً.

ويقول سعيد علوان، (49 عاما): إن هذا الفن يمارس، وفقا لتقاليده الأصيلة، عند كسر رأس الذبيحة خلال الوليمة، ويعبر عن تكريم أهل المناسبة لضيوفهم. ومهما تباينت التفسيرات، يمارس رجال القبيلة هذا الفن المتوارث باعتزاز كبير، لأنه، كما يقولون، جزء من هويتهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"