التوحد يدخل عصر الحلول العلمية

01:43 صباحا
قراءة 6 دقائق
إعداد: خنساء الزبير

يعتبر مرض التوحد مجموعة من الاضطرابات النمائية التي تظهر منذ فترة الـ3 أعوام الأولى من عمر الطفل، وقد أصبح في تزايد خلال السنوات الماضية، ما جعل العلماء يحثون الخطى للوصول إلى المزيد من المعلومات للكشف عن أسبابها، وسبل العلاج الممكنة والطرق العلمية التي تعين الوالدين في التعامل مع الطفل من تلك الفئة.
يتسم الطفل الذي يعاني التوحد ببعض الصفات والسلوكيات منها ما يعيقه اجتماعياً كصعوبة التواصل البصري والالتفات إلى مصدر الصوت، ما يشكل له صعوبة بالتواصل مع الآخرين، وفي التعبير عما يشعر به، ما يجعل البعض يعتقد أن المشاعر العاطفية لديه متعطلة، وهو مفهوم خاطئ لدى كثير من الناس لأن الطفل من تلك الفئة يفرح.. يحزن.. يغضب، كأي شخص آخر، والأكثر من ذلك فقد وجد أن هنالك مجموعة ليست بالقليلة من الأشخاص الذين يعانون التوحد لديهم مواهب كموهبة التعامل مع الحاسوب، ما جعل إحدى شركات البرمجة الألمانية تعلن عام 2013 عن نيتها في توظيف المئات من تلك الفئة في ذلك المجال كمختبرين لبرامج الحاسوب، ومبرمجين، ومتخصصين في ضمان جودة البيانات، ومن السمات الأخرى نوبات الغضب التي تجتاحه ليعبر عن عدم رضاه عن شيء ما، وكذلك نفوره من الأضواء والأصوات، كما أن الطفل الذي يعاني التوحد يكون شخصاً نمطياً لا يحب التغيير فالتغيير يشعره بالتوتر والقلق، ويلحظ عليه كذلك بعض السلوكيات التكرارية كترديد كلمات معينة أو سلوك معين، وتكون حالة التوحد أحياناً مصحوبة بحالات مرضية أخرى كنوبات الصرع، والتي أكثر ما تكون لدى الطفل الذي يعاني حالة التوحد المصحوبة بالإعاقات الذهنية، وتعتبر مشكلة النوم المتقطع أو غير العميق من المشاكل التي تصاحب تلك الحالة، ويحتاج الطفل من تلك الفئة إلى المراقبة ليس فقط لاحتمالية محاولته إيذاء نفسه، وإنما كذلك لأن الطفل من تلك الفئة يميل إلى تناول الأشياء غير القابلة للأكل، وهي الحالة التي تعرف بـ«بيكا».
خرجت دراسات مختلفة بأسباب مختلفة للتوحد، والذي كان وإلى وقت قريب عالم مجهول يصعب سبر أغواره، وفي التالي بعض الأسباب التي توصل إليها العلماء:
العامل الجيني: وجدت دراسة من معهد سكريبس للأبحاث أن طفرة جينية بالجين «SynGAP1» تتسبب في اضطراب قوي في التنظيم الذاتي للدوائر داخل الدماغ خلال الأعوام الأولى من عمر الطفل، ويعقب ذلك الاضطراب مشاكل سلوكية وإدراكية، وهي التي تتسم بها حالات التوحد، ووجد أن تلك الطفرة الجينية تقف وراء مليون حالة إعاقة ذهنية حول العالم.
الحمى والإنفلونزا لفترة طويلة أثناء الحمل: وجدت دراسة من إحدى الجامعات بالدنمارك، أن ارتفاع درجة الحرارة لدى المرأة الحامل وإصابتها بالإنفلونزا لفترة طويلة يزيد من فرصة إصابة الجنين بالتوحد، وتبين ذلك من خلال متابعة بيانات 96,736 طفلاً بين عامي 1997 و2003.
توتر الأم أثناء فترة الحمل: ارتبط التوتر بحالات مرضية عديدة وفي مرحلة الحمل تتجاوز آثاره الأم إلى الجنين لذلك تنصح المرأة الحامل باجتنابه، أما فيما يتعلق بارتباطه بالتوحد، فقد وجدت دراسة من جامعة ميسوري في كولومبيا ونشرت نتائجها بمجلة «أبحاث التوحد»، أن هنالك مجموعة من الجينات التي تستجيب لحالة التوتر قد رصدت لدى مجموعات من الأمهات ممن لديهن أطفال مصابون بالتوحد، ويقول أحد الباحثين إن التوحد بالرغم من أنه اضطراب جيني إلّا أن هذه الدراسة قد بينت العامل البيئي كالتوتر في الإصابة به، ويضيف قائلاً: «صحيح أن ليس كل الأمهات اللاتي تمر بهن فترات من التوتر خلال فترة الحمل، لا ينجبن أطفالاً مصابين بالتوحد، إلّا أن الأمر يختلف مع الأخريات».
تقدم عمر الأب: تقول دراسة نشرت نتائجها بمجلة «الطبيعة» أن تقدم عمر الأب عند حدوث الحمل يزيد من فرصة توريثه للجنين طفرات جينية أكثر من الأم المتقدمة في العمر، ويؤدي ذلك إلى زيادة احتمالية إصابة الطفل بالتوحد.
تعرض الحامل لتلوث الهواء: يقول الباحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا ومستشفى الأطفال في لوس أنجلوس، إن تعرض المرأة الحامل للتلوث الهوائي الناتج عن ازدحام السيارات يزيد من خطر إصابة الجنين بالتوحد بسبب تلوث الهواء بالجسيمات وغاز ثاني أكسيد النيتروجين.
لا يختلف اثنان على أن إصابة أحد أطفال العائلة بالتوحد يثير القلق والتوتر لدى الأم ولكن يبقى الأمل دائماً حافزاً لها لتقوم بدورها تجاه ذلك الطفل، وفي التالي بعض الاستراتيجيات التي تعينها على ذلك:
وضع الخطة العلاجية المناسبة بالاشتراك مع المختصين: يجب وضع خطة علاجية مناسبة من قبل متخصصين بناءً على حالة الطفل ومقدراته والتي تظهر من خلال تقييمها بواسطة المختصين أيضاً، وذلك لضبط سلوك الطفل ونوبات الغضب التي تعتريه من خلال الثواب والعقاب على حسب ما يقوم به الطفل، ويفيد تقييم الطفل في معرفة ما يثيره كالأضواء والأصوات وغيرها، وتشتمل الخطة العلاجية على برامج لتعليمه مهارات جديدة تعينه على الاستقلالية ولو جزئياً.
متابعة كل ما يتعلق بحالة التوحد: تتغير بعض السلوكيات والأعراض على مر الوقت، لذلك يحتاج الطفل إلى تطوير الخطة العلاجية الموضوعة له حتى تواكب ذلك التغيير، وذلك جنباً إلى جنب مع المتابعة الطبية المستمرة، كما يجب الاهتمام بالجانب الدوائي والتغذية لمعرفة ما يفيد الطفل وما لا يصلح له.
العلاقات الاجتماعية مع عائلات أطفال من الفئة نفسها: عندما ترتبط العائلة التي لديها طفل يعاني التوحد بعلاقات اجتماعية مع عائلات أخرى لديها أطفال من الفئة نفسها فإن ذلك يعتبر تبادلاً للخبرات والمعلومات لمتابعة كل ما هو جديد، كما أنه يعين الوالدين نفسياً على تحمل الصعاب التي تواجههم. تثقيف جميع أفراد عائلة الطفل: يقع على عاتق الأم مهمة تثقيف أبنائها الآخرين حتى يكون تعاملهم مع شقيقهم أو شقيقتهم المصاب بالتوحد تعامل علمي حتى تكتمل المنظومة المساهمة في تطبيق الخطة العلاجية الموضوعة للطفل، كما أن الوالدين أنفسهم بحاجة دائمة إلى جلسات الإرشاد من قبل متخصصين ليتم تطبيق الخطة العلاجية بالشكل الصحيح.
تهيئة المنزل: يحاول بعض الأطفال من فئة التوحد بإيذاء ذاتهم كجرح أنفسهم أو نحو ذلك، لذا يجب على الأم تهيئة مكان مخصص لهم يجدون فيه الراحة وحرية الحركة ولكنه خال من المواد أو الآلات التي قد يستخدمونها في إيذاء الذات.

دراسة حديثة

وجد علماء من جامعة كوينزلاند بأستراليا، أن الحيوانات الأليفة بإمكانها أن تجعل من طفل التوحد شخصاً اجتماعياً مع زملائه، وتغير من صفة اللااجتماعية التي يتسم بها طفل التوحد، وهي إحدى المشاكل التي يعانيها الأطفال من تلك الفئة، والتي تعوقهم عن الانخراط في الألعاب والأنشطة التي يقوم بها زملاؤهم، ما يجعلهم في عزلة اجتماعية.
قام الباحثون بمتابعة أطفال من فئة التوحد تتراوح أعمارهم بين 5 و13 عاماً، من ناحية تعاملهم مع البالغين ومع زملائهم أثناء وقت الفراغ، وأعطيت مجموعة منهم ألعاب ليلعبوا بها، فيما وضعت المجموعة الأخرى داخل غرفة بها 2 من حيوانات الهمستر (أحد أنواع القوارض)، ولاحظ الباحثون أن الأطفال الذين كانوا يلعبون مع تلك الحيوانات بدوا اجتماعيين بدرجة أكبر حيث أصبحوا يتحدثون ويضحكون ولديهم تواصل جسدي وتواصل بصري مع الآخرين حيث أصبح الواحد منهم ينظر إلى الشخص الآخر في وجهه، كما تراجعت لديهم التعابير السلبية فكانوا أقل عبوساً وتجهماً وبكاء وذلك مقارنة بمجموعة الأطفال الذين لعبوا بالألعاب.
أكثر ما يشغل بال الآباء هو مستقبل طفلهم الذي يعاني التوحد عندما يصيروا هم في سن متقدمة ولا يستطيعون الاهتمام به، لذلك ندرج هنا بعض النصائح التي يجب التركيز عليها لمساعدتهم على أن يعيشوا المستقبل بشكل أفضل:
- إحاطة الطفل بشخص أو اثنين- غير الوالدين والإخوة- ممن يحبونه ويقدمون له الرعاية من دون انتظار للمقابل.
- المهارات الاجتماعية: وهي تدريب الطفل على المهارات الاجتماعية التي تعينه على التواصل مع الآخرين، وهنالك نظرية تقول إن الشخص المصاب بالتوحد عندما يصل سن النضج يجد الكثيرون الرغبة في الانضمام إليه وصداقته، حتى وإن كان هو لا يرغب في ذلك، لذلك يجب تسليحه بالمهارات الاجتماعية اللازمة حتى يتمكن من التواصل معهم.
- إدراك الأشياء التي يحبها الطفل المصاب بالتوحد والعمل على تطويرها، فعسى أن تصبح مهنة مستقبلية له، فالطفل من تلك الفئة كأي شخص آخر يتقن ما يحبه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"