حين يغيب المعنى عن الفن

02:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
علاء الدين محمود

«الجمود والتراجع»، هو عنوان عريض يصلح لعرض يتناول مسيرة المسرح العربي، فعلى الرغم من البدايات الكبيرة والتي ارتبطت بالمحاولات نحو تأسيس مسرح في كثير من العواصم العربية خلال وبعد حقبة الاستعمار، وعودة أجيال من المستنيرين والمثقفين العرب من الغرب، فإن فعل التطوير هذا قد أصيب بالتكلس والجمود، وتوقف عند محطة البدايات تلك، وربما هذا قد أثار، وما زال يثير الكثير من الأسئلة التي تحاول أن تقيم حال «أبو الفنون»، في العالم العربي.

فهل يعود الإشكال بصورة أساسية إلى قلة الدعم الشعبي والرسمي، أم الإمكانيات التكنولوجية، أم هل يظل الغائب الأساسي في هذه العملية هو الفكر الواعي الذي يستطيع أن ينتج مسرحاً حقيقياً؟ و إلى أي مدى تجاوز المسرح العربي نقطة نقل الفكرة من منبتها الغربي، لإنجاز شروط وأفكار عربية متعلقة بهذا الفن العظيم؟

إن نقطة البدايات لا تزال هي المحطة التي لم يتجاوزها قطار المسرح العربي، فقد ظل أسيراً لعدة جهود تجريبية حتى يومنا هذا و لم يصل بعد إلى مستوى المسرح في الغرب؛ حيث إنه لم يمر بذات «المغامرات»، التي أسست لفرجة راسخة هناك؛ ونقصد بذلك خوض التجارب المستمرة وعدم التوقف عندها؛ بل تجاوزها، عبر أساليب جديدة ومختلفة وخلاقة في التفكير، فلقد ظل المسرح في الغرب مواكباً للتطور في الحياة على مستوى المجتمع والسياسة والمعارف والفكر والثقافة نفسها، فالمسرح حالة إبداعية لا تعرف الثبات، وكانت لكل مرحلة في تاريخ الغرب، مدارس فكرية مسرحية تعبر عنها وتحيط بتداعياتها عبر مخاض طويل لم يقتصر على المسرح وحسب، فتيارات مثل الواقعية والرومانسية والعبث، لم تكن من فراغ؛ بل نتجت عن أزمات ومشاكل المجتمع الغربي، وكذلك جمهور الخشبة تشكل في الغرب من خلال الرؤى الفكرية والفلسفية التي أسست للفرجة، صحيح أن للمسرح الغربي إشكالاته وأسئلته، لكنها ظلت تحل عبر تزويده بالأفكار التي تنشد تطوره وتنقذه من الجمود.

المسرح العربي لم يعرف ذلك التمرحل الذي تحدثنا عنه، ولم يمر بمنعطفات واختبارات وتحديات كبيرة تؤثر في مسيرته، وكذلك فشل في خلق «جمهور» خاص به، و ظل المشاهد العربي نفسه أسيراً لتجارب الاسكتشات الدرامية والكوميدية التي كانت تمارس في المقاهي والحدائق والمناسبات الدينية والوطنية العامة، وانتقل ذلك الجمهور بتلك الخلفية إلى قاعات المسرح ليمارس ذات الأفعال من تصفيق وهتاف وتصفير، والطامة الكبرى أن المسرحيين قد تفاعلوا واستجابوا مع ذلك الوعي الزائف حول الفرجة؛ بل وصاروا ينتجون أعمالاً تضع في اعتبارها الضحك، فافتقدت العروض العربية في مجملها للرسالة والمعنى المعبر؛ بل كانت مزيجاً غريباً من الصخب الصوتي والحركي؛ بل، أبعد من ذلك، نجد أن المسرحيات المقتبسة من أعمال روائية عربية، تفتقد تماماً للمعالجة والمعايشة المسرحية، فهي عبارة عن أفلام أو رؤية درامية مشوشة؛ حيث لم تخضع لمنطق المسرح، أو المسرحة، فالحقيقة أنه لم يتم تأسيس مسرح جاد وحقيقي، والواقع أن الناس في كل مكان يرتفعون إلى مستوى الأفكار التي تطرح، حتى في العالم العربي، لكن المسرحيين العرب لم يبذلوا جهوداً على مستوى الوعي والتثقيف في هذا الجانب المهم والخطر، و لم يحاولوا أن يتخلصوا من الفكرة التي ارتبطت عند المتلقي العربي والمتمثلة في أن كل عرض جماهيري مباشر هو مصمم للتسلية وتزجية الوقت، يخلو من المضامين والأهداف.

بالتالي، فإن الأزمة الحقيقية التي تجابه الفعل والصناعة والمسرحية في عالمنا العربي، ليست المال، ولا الإمكانيات ولا التكنولوجيا؛ بل هي أزمة فكر خلاق مبدع؛ حيث يسود نوع من الكسل الذهني وعجز حقيقي عن الالتقاط والابتكار، وغيرها من العمليات التي ترسخ «أبو الفنون»، حتى لا يبدو غريباً على الجسد العربي.

إن التحرر من تقليد المسرح الغربي مطلوب، لأنه نشأ في ظروف مجتمعية خاصة ومختلفة، وذلك من أجل خلق هوية مسرحية عربية، فشروط العالمية تتحقق عبر توفر الخصوصية، وكذلك الخروج من لحظة التجريب الأولى في بداية القرن العشرين، والتي لا نزال نعيش عليها من دون أن نصل إلى نتيجة فعلية تعلن عن مولد حقيقي لمسرح عربي، يتفاعل مع الحياة، وينتج الأفكار، والواقع أن تاريخ المسرح العربي يحفل بأجيال من الرواد الذين بذلوا بالفعل جهوداً كبيرة، لكن صناعة المسرح تظل عملية يجب أن يتفاعل معها الجميع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"