«الفصام الطفولي».. اضطراب دماغي حاد

00:21 صباحا
قراءة 7 دقائق

يعد فصام الشخصية الطفولي اضطراباً دماغياً حاداً، وبسببه يفسر الطفل الواقع المحيط به تفسيراً غير طبيعي، ويشتمل هذا المرض على حدوث مشكلات في التفكير والإدراك والسلوك والعواطف، ويطلق عليه فصام الطفل أو الفصام المبكر.
ويعاني المصاب بهذا المرض هلوساتٍ سمعية ومرئية، وأفكاراً أو مشاعر غير طبيعية، وتؤثر هذه الأعراض في الطفل، بحيث لا يستطيع تكوين علاقات شخصية طبيعية، ولا يستطيع المحافظة عليها.
تتشابه أعراض الفصام عند الأطفال مع نظيرتها لدى الكبار باستثناء الأعراض الذهانية كالهلاوس والتوهان، ويعتبر من المهم أن ينتبه الآباء إلى أي سلوكيات غريبة تظهر على أطفالهم، وبخاصة إذا كان هناك تاريخ عائلي في الفصام.
ونتناول في هذا الموضوع الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى الإصابة بهذا المرض، وكذلك الأعراض التي تظهر مع تقديم النصائح وطرق الوقاية الممكنة، وأساليب العلاج التقليدية والحديثة.

بداية مبكرة للغاية

تبدأ الإصابة بمرض فصام الشخصية الطفولي قبل سن 18 عاماً بالنسبة للحالات المبكرة، وقبل 13 بالنسبة للحالات المبكرة للغاية، ويعتمد التشخيص على مراقبة المشرفين لسلوك المريض.
وتعتبر أولى خطوات تشخيص المرض استبعاد اضطرابات النمو الأخرى، حيث ينتشر ظهور بعض الأعراض لدى الأطفال ممن يعانون اضطرابات النمو كاضطراب طيف التوحد.
ويجهل الأطباء السبب الرئيسي وراء الإصابة بهذا لاضطراب، غير أنه يمكن وجود رابط بين التاريخ المرضي في العائلة والإصابة به.
ويحتاج فصام الشخصية الطفولي إلى علاج مدى الحياة، ويساعد تحديد العلاج والبدء فيه على وجه السرعة على تحسين حالة الطفل بصورة كبيرة، وعلى المدى البعيد.

لا تزال مجهولة

يشير الأطباء إلى أن أسباب الإصابة بفصام الشخصية الطفولي لا تزال مجهولة، ويعتقد البعض أن هذا المرض يظهر عند الأطفال بذات الطريقة التي يظهر بها في البالغين، وتلعب العوامل البيئية والوراثة دوراً في الإصابة.
ويمكن أن تسهم مشكلات الناقلات العصبية في الإصابة بهذا الاضطراب؛ وذلك لأن هناك فروقاً ظهرت بدراسة تصوير هيكل الدماغ في المصابين بالفصام، إلا أن معنى هذه التغيرات لا يزال يحتاج إلى بحث.
وأظهرت دراسة تشريحية عصبية على أدمغة أطفال أصحاء وآخرين مرضى أن حجم المادة الرمادية في أدمغة الأطفال المصابين بالفصام يتناقص بسرعة، مقارنة بالأطفال الذين لا يعانون هذا الاضطراب.
ويكون عدد الأنماط المتغايرة الأليلية النادرة في حالة فصام الشخصية الطفولي كبيراً للغاية، وتزداد لديهم نسبة طفرات الحذف أو التكرار الجيني، كما تتوافر لدى البعض طفرة تدعى متلازمة الحذف.
ويزيد خطر الإصابة بفصام الشخصية الطفولي؛ بسبب توافر بعض العوامل في الطفل المصاب، مثل وجود تاريخ عائلي للإصابة بالفصام، أو كبر سن الأب، أو نشاط غير طبيعي للجهاز المناعي.

تتشابه مع البالغين

تشبه أعراض فصام الشخصية الطفولي وأعراض الفصام المبكر عند البالغين، وهناك عدد من الأعراض المبكرة التي ربما تتطور عند الطفل حتي تؤدي إلى الفصام، ومنها التأخر في التطور اللغوي والتطور الحركي، مثل الحبو المتأخر أو غير الطبيعي وكذلك تأخر المشي.
وتظهر حركات غير سوية عند بعض الأطفال، مثل الرفرفة بالذراعين أو الاهتزاز للأمام والخلف، وربما يبدون مشوشين أو قلقين أو مضطربين بصورة مستمرة.
ويعاني الأطفال أعراضاً مثل الهلوسة، إلا أن هناك صعوبة في التفريق بينها وبين لعب الطفل أو مخيلته الطبيعية، ويصعب على الأطفال وصف تلك الهلوسات أو الأوهام التي يعانونها، وهذا يجعل تشخيص المرض مبكراً صعباً للغاية.
ويعاني المرضى قصوراً في قدراتهم الإدراكية؛ حيث إن 20% لديهم إعاقة عقلية جزئية أو كلية.
يصعب تمييز أعراض فصام الشخصية لدى المراهقين، على الرغم من تشابهها مع الأعراض عند البالغين؛ وذلك لأنها تشبه كثيراً أعراض المرحلة التي يمر بها المراهق، مثل أن ينسحب من الأسرة والأصدقاء، ويتراجع أداؤه الدراسي.
ويقل احتمال إصابة المراهق بالأوهام عكس البالغين، وتصيبه هلوسات بصرية أكثر منهم.

غموض شديد

تبدأ أعراض الإصابة بفصام الشخصية الطفولي في مرحلة مبكرة من العمر، ويقصد بها ظهور المرض قبل سن 13 عاماً، وربما تزداد شيئاً فشيئاً، وتتسم الأعراض المبكرة بغموض شديد، حتى أن الآباء يسهمون في تطورها ولا يدركون ما الخطأ.
وتصبح الأعراض بمرور الوقت أكثر وضوحاً وحدة، ومنها الهلوسات التي يمكن أن تنطوي على أي مشاعر، غير أنها في العادة تتضمن مشاهدة أشياء غير موجودة أو سماعها، ويكون لهذه الهلوسات تأثير كبير في الشخص المصاب بفصام الشخصية.
وتعتبر الأوهام العرض الثاني لهذا المرض، وهي معتقدات تفتقر إلى سند من الواقع، ومثال ذلك أن الجسم لا يؤدي وظائفه بصورة جيدة، أو أن الشخص المريض لديه شهرة استثنائية، أو هناك شخص ما يؤذيه أو يضايقه.
ويعد العرض الثالث عدم انتظام التفكير والكلام، والذي يستدل عليه من خلال عدم انتظام الكلام، فيحدث خلل في التواصل الفعال، وتكون الأجوبة غير متعلقة بالأسئلة جزئياً أو كلياً.
ويتضمن العرض الرابع شذوذ السلوك الحركي أو عدم انتظامه، حيث يكون سلوك المريض غير موجه نحو هدف محدد، وهذا يجعل تأدية المهام أمراً صعباً.

مضاعفات خطيرة

يتسبب عدم علاج فصام الشخصية الطفولي في إصابة الطفل بمضاعفات صحية وعاطفية وسلوكية حادة، ويمكن أن تحدث هذه المضاعفات في فترة الطفولة أو بعدها، ومنها ضعف الأداء الدراسي أو عدم القدرة على الانتظام فيه.
وينسحب المصاب عن الأسرة والأصدقاء، وربما أصابه الاكتئاب والقلق والمخاوف المرضية، ويتطور الأمر في بعض الحالات إلى إيذاء النفس، والذي يمكن أن يصل إلى الانتحار.
وتتضمن مضاعفات المرض سوء استخدام الأدوية والعقاقير التي يصفها الطبيب، ومشكلات صحية تتعلق بالأدوية المضادة للذهان، ويفقد المريض القدرة على العيش بشكل مستقل.

استشارة طبية

يصعب على الكثيرين التعرف إلى الطريقة المثلى في التعامل مع التغيرات السلوكية الغامضة التي تنتاب أطفالهم، ويمكن أن ينتابهم الخوف من التسرع في تشخيص أن الطفل يعاني مرضاً عقلياً، غير أن العلاج المبكر مهم، ويحتاج إلى صبر، وربما يساعد معلم الطفل على لفت انتباه الوالدين إلى التغيرات التي تطرأ على سلوك الطفل.
ويجب طلب المساعدة الطبية عندما يعاني الطفل تأخر النمو مقارنة بأشقائه الآخرين، وإذا توقف عن القيام بالأعمال الروتينية اليومية، مثل ارتداء الملابس والاغتسال، وعندما يتراجع أداؤه المدرسي، ولم يعد له رغبة في الاندماج مع الآخرين، أو يعاني الشك الزائد، وإذا ظهرت عليه طقوس غريبة عند تناول الطعام، وعند ظهور نقص العاطفة أو عواطف غير ملائمة للموقف.
وعندما يتسم سلوكه بالهياج أو العنف أو العدوانية، ولا تعني هذه الأعراض العامة بالضرورة إصابة الطفل بفصام الشخصية الطفولي، ولكن ربما تشير إلى مرحلة من المرض أو مرض آخر مثل اضطراب القلق.

4 مراحل

يحتاج فصام الشخصية الطفولي إلى علاج على مدى الحياة، وحتى أثناء اختفاء الأعراض، وفي العادة فإن فريق العلاج يتكون من مختص في طب الأطفال، وطبيب أو عالم نفسي وممرضة نفسية واختصاصي اجتماعي مع أفراد الأسرة.
وتشمل خطة العلاج العقاقير، والعلاج الفردي والأسري، والتدريب على المهارات الاجتماعية والدراسية.
تعتبر الأدوية المضادة للذهان أهم طرق علاج فصام الشخصية الطفولي، وهي نفس الأدوية التي يتناولها البالغون، وفي الأغلب تكون هذه الأدوية فعالة في التعامل مع أعراض مثل الهلاوس والأوهام ونقص العاطفة.
يمكن أن يستغرق المريض فترة بعد بدء تناوله الأدوية حتي يظهر التحسن عليه، وربما حاول طبيب الطفل استعمال أدوية مختلفة أو مركبة أو جرعات مختلفة مع مرور الوقت، كما يفضل تجربة الأدوية الحديثة من الجيل الثاني؛ وذلك لأن الآثار الجانبية لها أقل من مضادات الذهان القديمة.

الفردي والأسري

يعتبر العلاج النفسي بالتخاطب أو الكلام من الخيارات المهمة، ومن أمثلته العلاج الفردي؛ حيث يساعد أحد مقدمي خدمة الصحة العقلية الطفل على تعلم طرق للتوافق مع الضغط النفسي، وتحديات الحياة اليومية بسبب فصام الشخصية، كما يساعد العلاج النفسي على تقليل الأعراض، وعلى تآلف الطفل مع أصدقائه ونجاحه في المدرسة.
ويستفيد الطفل والأسرة من العلاج الأسري، الذي يوفر الدعم والتثقيف للأسر، وتفيد مشاركة أفراد الأسرة المهتمين برعاية الأطفال الذين يعانون هذه الحالة، ويحسن هذا العلاج جانب التواصل وحل المنازعات والتكيف مع الضغط النفسي الذي يرتبط بالحالة المرضية للطفل.
ويساعد التدريب على مهارات الطفل في أداء المهام المناسبة للمرحلة العمرية قدر الإمكان، وذلك لأن الأطفال المصابين بفصام الشخصية يواجهون صعوبة في إنجاز مهامهم اليومية الطبيعية مثل الاستحمام.
يمكن أن يكون دخول الطفل المستشفى في بعض الأحيان أمراً ضرورياً، وذلك خلال اشتداد الأعراض؛ وذلك لضمان سلامته وحصوله على التغذية السليمة والنوم الكافي، وفي الأغلب تستقر الأعراض الحادة داخل المستشفى قبل الانتقال إلى مراحل أخرى من الرعاية.

اضطراب التوحد

تشير دراسة حديثة إلى أن أعراض فصام الشخصية الطفولي تتشابه مع أعراض اضطراب التوحد، وما يميزه هو 3 أعراض مهمة، الأول خلل التفاعل الاجتماعي، حيث يفتقر المصاب إلى استخدام لغة الجسد والتعبيرات غير الكلامية مثل التواصل البصري وتعبيرات الوجه والإشارات، وعدم التعبير عن الانفعالات مثل السرور والحزن بالضحك أو الصراخ.
ويصاب المريض كذلك بخلل في التواصل، فلا يمكنه اكتساب اللغة أو الكلام، أو يتأخر فيه، وفي حالة وجود الكلام واللغة تكون هناك صعوبة في التعبير عن الاحتياجات أو الرغبات بالكلام أو بدونه، مع تكرار الكلمات المنطوقة، وعدم استطاعة بدء حوار أو الاستمرار فيه.
وتنحصر الأنشطة والتصرفات والاهتمامات أو تكون مقيدة، حيث يقاوم التغيير ويصر على الروتين، والتصرف بطريقة جبرية مع تكرار حركات الجسد، كأن يمشي على أصابع قدميه أو يضرب رأسه أو يدور حول نفسه، وينهمك في جزيئات الأشياء ويفتتن بالحركات المتكررة مثل إطفاء النور وإضاءاته.
ويتميز مصاب الفصام عن المصاب التوحد في أنه يعاني الهلاوس والأوهام، حيث توجد بقية الأعراض في المرضين، ويجب أن ينتبه الآباء إلى هذه الفروق جيداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"