انطلاق محمد علي: عالم الأطفال حدّه الخيال

حاصدة للجوائز وأرشيفها يحوي الكثير
00:24 صباحا
قراءة 6 دقائق
مسقط «الخليج»:

حاصدة للجوائز، وأرشيفها يحوي الكثير والكثير، فالعقود الثلاثة الماضية قضتها «انطلاق» وهي ترسم للأطفال والكبار من دون توقف، حتى جمعت في رصيدها ما يزيد عن 45 كتاباً للأطفال، و37 كتاباً للكبار، و12 مجلة عربية للأطفال، و32 فيلماً للرسوم المتحركة، مشاركاتها الدولية تجاوزت الخمسين، وعادت منها بالعديد من الجوائز الإقليمية والدولية.. الفنانة العراقية انطلاق محمد علي، في حوار خاص مع «الخليج» من مسقط:

لا تؤمن بالحدود، فهي قادرة على تجاوزها بكل بساطة، ريشتها تخترق الثقافات لتخاطب الروح الإنسانية بلغة الألوان العابرة للأبجديات، موهبة متدفقة
وخيال خصب وإصرار لا يعرف المستحيل، هذه هي أسلحة انطلاق التي مكنتها من الوصول إلى الأطفال لتأخذهم في رحلة شائقة إلى عالم افتراضي يعيشونه في مخيلاتهم، ويرونه واقعاً أمامهم من خلال رسوم انطلاق.
سؤال كان لا بد منه للرسامة انطلاق، عن الظروف التي قادتها للتخصص في عالم الرسم للأطفال، وتجيب: «هي الصدفة التي قادتني إلى هذا العالم الرائع، ولطالما تمنيت دخول كلية الفنون الجميلة، وعملت لسنوات عديدة على محاولة تحقيق هذا الحلم، إلا أنه كان غالباً ما يصطدم بعقبة، كوني غير منتسبة لحزب البعث في ذلك الوقت، حيث كان الانتساب أحد شروط القبول، هنا كان الخيار البديل هو الالتحاق بدار ثقافة الطفل للتدرب على الرسم، كانت تلك نصيحة تلقيتها من صديقة عزيزة، تفيد بأنه يمكنني بعد سنة من التدريب الالتحاق بالكلية، إلا أنني تفاجأت بعد سنة من التدريب أن الدار لا تملك الصلاحيات اللازمة لنقلي لكلية الفنون الجميلة، فتابعت مشواري في الدار، وثابرت وتعلمت الكثير، هذه الفترة شكلت النواة الأولى لمستقبلي، وجدت أن عالم الرسم للأطفال مختلف كلياً عما كنت أرسمه، وكان لا بد أن أبدأ من الصفر، وأن أتعلم كيف أقرأ المادة، وكيف أفهمها، وكيف أتخيل رسمها المناسب، وبدأت أتقدم في العمل، ووجدت نفسي بالصدفة متعمقة في عالم الصغار ولا أستطيع مغادرته.
وفي عام 1998، أتيحت الفرصة لانطلاق للدراسة في كلية الفنون الجميلة، وتحقيق حلمها المؤجل، إلا أنها وبعد أشهر فقط من الدراسة الأكاديمية في مجال التصميم الطباعي، اكتشفت أن هذا لم يعد حلمها، وأن شغفها الحقيقي لايزال قابعاً ينتظرها في دار ثقافة الطفل.
تقول: «بعد أقل من نصف سنة فقط على مقاعد الكلية، وجدت أن الفارق كان كبيراً بين ما أنجزته في مجال عملي في دار ثقافة الأطفال، وبين الدراسة الأكاديمية العامة، حيث كانت الدار تضم مكتبة ضخمة عملاقة، ولديها اشتراك في مجلات من مختلف دول العالم، تصلها أسبوعياً وأرشيفاً ضخماً، وكنت في عالم من الثقافة لا يوصف، وعندما بدأت الدراسة في الكلية رأيت أن الدراسة الأكاديمية مختلفة عما أريده تماماً، وكنت قد تقدمت وحققت نجاحات على مستوى العالم بحمد الله، فقررت ترك الكلية والاستمرار في مشواري، ووقتها أيضا تركت العمل مع الكبار، وتخصصت فقط في مجال الأطفال واليافعين.
رصيدها في عالم كتب الكبار وصل إلى 27 كتاباً، آخرها كان ديوان الشاعرة العراقية ريم قيس كبة في العام 1996، بعدها توقف انطلاقها في التعامل مع الكبار، وتفرغت للأطفال على عكس النصائح الكثيرة التي تلقتها من أصدقائها، الذين وجدوا في رسم كتب الكبار، مجالاً أوسع للشهرة، عن تلك المرحلة تقول انطلاق محمد علي: بدأت في العام 1986 الرسم في مجلات وجرائد وكتب للكبار، وكان دخولي منذ البداية قويا، وشد انتباه الكثيرين، وأهمهم الفنان العملاق ناظم رمزي، رحمه الله، الذي عندما شاهد لوحاتي في مجلة «أسفار» العدد الأول، أثارت اهتمامه، وطلب مقابلتي، حيث كان هو المسؤول عنها فنياً وطباعة، وتعتبر أهم مجلة تعنى بأدب وثقافة الشباب في الدول العربية في وقتها، واستمر العد تصاعدياً في كل ما أرسم وأقدم للكبار، فكان الجميع يشجعني وينصحني بترك مجال الأطفال، والتركيز على الكبار، لما لهذا المجال من اهتمام إعلامي كبير، فأكون مشهورة، وتسلّط علي الأضواء بقوة، بالإضافة للمردود المعنوي والمادي، وبذلك تكون فرصتي أكبر بكثير مما لو بقيت في مجال الأطفال مجرد رسامة، ولكنني وبحكم كوني منجذبة للمجالين معا، فقد أبقيت عليهما جنباً إلى جنب، حتى العام 1996، حيث لم أتمكن بعدها من الاستمرار في عالم الكبار، فعندما أرسم للكبار أشعر أنه عالم متعب جداً عالم معقد وضيق وقلق، والحرية فيه وهمية، والحزن مخيف لا ينتهي، مثل الخلية التي تنقسم في الثانية عشرات المرات، وكل جزء منها ينقسم هو الآخر إلى أجزاء، ولكنها بذات الوقت تتقلص مثل عضلة الساق وتتصلب، أما مع الأطفال، فالعالم مختلف تماماً، ممكن أن تحلّق بدون جناح، وتصعد بمشاعرك وأحاسيسك إلى أماكن لا يصلها إلا الأطفال، تلعبين مع القمر وتنامين على الدفتر على الخط قرب الإمضاء وتلتحفين الورقة، عوالم جميلة تبقين فيها على تماس مع الطفولة والفطرة الجميلة والنقاء، وكل يوم أتعلم منهم أشياء كثيرة جميلة، فهم متجددون، هذا وأكثر ما أبقاني في هذا المجال.
تتذكر انطلاق كيف كانت النهضة الثقافية عامرة في بداية السبعينات والثمانينات في العراق، تقول: «في ذلك الوقت كان لا يوجد بيت في العراق لا يملك مكتبة، كان الناس يقرؤون بغزارة، ومن لا يقرؤون يتناقلون الحكايات، في بيتنا كانت توجد مكتبة كبيرة، وكان والدي يدفعنا نحو القراءة والمتابعة والاهتمام بالفنون، وأعتقد أن تلك الفترة هي ما أثر في تكويني الشخصي وحفر حب الاطلاع وحب القراءة والتعبير في نفسي».

تسترسل:»تعودت القراءة مبكرة، وعندما التحقت بدار ثقافة الطفل أقضي ساعات في مكتبة الدار، وبعد انتهاء الدوام الرسمي، كنت أذهب إلى المكتبات وأبقى فيها لساعات، ولا أعتقد أنه توجد مكتبة في بغداد أو مركز ثقافي في أي سفارة، ولم أقلب كتبها الفنية، وكتب الأطفال فيها كتاباً كتاباً ومجلة مجلة، كما عملت لي صندوق بريد واشتراك خاص باسمي بالعديد من المجلات العالمية الفنية والثقافية، في مجال الأطفال والكبار، حتى أصبح عندي مكتبة أكبر من مكتبة أبي بكثير، وضاق بها المكان، وكنت ولاأزال شغوفة جداً، وأبحث عن كل جديد، وتراكمت خبرات ومعلومات على مدى 33 عاماً، لكن المؤسف أننا في بلداننا لا نملك ثقافة تبادل المعلومات، وهذا يضيع كثيراً من الوقت والجهد في مسيرة الزحف، بحثاً عن الطريق، والمؤلم جداً هو اكتشاف المكتشف، لأننا لم نكن نعرف ولا نعلم، ولو أن أهل الخبرة تبادلوا خبرتهم فيما بينهم، ومع الجيل الذي يأتي بعدهم، كما يفعل العالم من حولنا، وهو بهذه الطريقة تقدم، لاختصروا من مسيرتي 20 سنة أو أكثر، لذلك دائما كنت ولا زلت لليوم أجتهد أن أبادل الآخرين أي معلومة أو أي شيء تعلمته، ووجدت أن الفرصة أكبر على الفيسبوك، حيث أستطيع من خلاله أن أتبادلها مع الكثيرين، ومن كل الدول، فأصبح اجتهادي يومياً منذ أكثر من أربع سنوات، وأنشأت أكثر من صفحة متخصصة بمجال ثقافة الأطفال واليافعين.

حصلت انطلاق خلال مسيرتها الطويلة على العديد من الجوائز المحلية والإقليمية والعالمية، أهمها الجائزة التقديرية «نوما» من اليابان لأربع مرات خلال الأعوام 1994 و 1996و 1998وعام 2000. وهي جائزة عريقة تأسست عام 1987 وهي مخصصة لرسامي الأطفال في العالم الثالث، يقدمها المركز الآسيوي للثقافة في طوكيو، وهو مركز يتعاون مع منظمة اليونيسكو في ميدان ثقافة قارة آسيا ودول الباسفيك، وامتد نشاطه إلى إفريقيا وأمريكا الجنوبية. وتأتي أهمية فوزها رغم أنها جوائز تشجيعية إلا أنها جاءت في زمن كان فيه العراق محاصراً .

خلاصة التجربة

عن زيارتها للسلطنة ومشاركتها في المعرض الدولي لمستلزمات الطفل والكتاب تقول انطلاق محمد علي: «شاركت في المعرض بورشتين للرسم، واحدة مخصصة للأطفال، وأخرى موجهة للكبار المتخصصين بالرسم للأطفال، الأولى لأربعة أيام، والثانية ليوم واحد، قدمت لهم خلاصة تجربتي وذكرتهم بأهمية أن يستحضروا الطفل الكامن فيهم، ليبدعوا بشكل روحي وعميق، وركزت على أهمية أن يكون رسام الأطفال واعياً ومثقفاً في مجال تخصصه وأن يكون متابعاً دؤوباً لأعمال رسامي الأطفال في العالم، ويناقشها مع أقرانه، ويبحث في أسباب تميزها وفوزها بالجوائز العالمية، وهذا ما سيغني ذاكرته البصرية ويزيد في حصيلته الثقافية والمعرفية، وسينعكس إيجابا على رسوماته».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"