محمد عبده صالح عبقري "القانون"

ظهر مع عبدالوهاب و"كوكب الشرق"
05:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

في مثل هذه الأيام عام ،1970 رحل عن دنيانا عبقري آلة القانون، محمد عبده صالح، وذلك قبل ثلاث سنوات من توقف سيدة الغناء العربي أم كلثوم عن حفلاتها الشهرية . وشغر بذلك المقعد الذي كان يحتله وسط فرقتها الموسيقية، قائدا لهذه الفرقة المميزة، بعد أن شغر قبل ذلك بسنوات أربع مقعد عبقري العود، الموسيقار محمد القصبجي . وملأت أم كلثوم بعد ذلك المقعدين بعازفين متميزين على آلتي العود أولاً ثم القانون، لكن أحداً منهما لم يستطع تعويض غياب القصبجي، أو صالح .

كانت آلة القانون منذ نهضة القرن التاسع عشر الغنائية، تحتل مركز الصدارة في التخت العربي، إلى جانب آلات العود والكمان والناي والرق . وكان أشهر عازفي القانون في ذلك الزمن، إلى درجة العبقرية، العقاد الكبير، الذي ظل بتخته الشهير، يرافق كبار مطربي مطلع القرن العشرين، مثل المنيلاوي والصفتي وعبدالحي حلمي، بل إنه أدرك أيام الشيخ أبو العلا محمد حتى ظهور أم كلثوم، في سنواتها الأولى .

يمكن اعتبار العقاد الكبير، الأب الروحي لمحمد عبده صالح، خاصة أن تطورات تقنية دخلت على آلة القانون في تلك المراحل أدت إلى اختلاف حساسية هذه الآلة العظيمة بين عصر وآخر . كانت آلة القانون في عصر العقاد الكبير، وأوائل أيام محمد عبده صالح، لا تحمل العرب المعدنية التي يتنقل العازف من خلال تحريكها صعوداً وهبوطاً بين حساسيات الدرجات الموسيقية التي تميز حساسية هذا المقام الموسيقي أو ذاك، وكان عازفو العصر السابق (كالعقاد الكبير)،يتولون عزف التحولات المقامية الدقيقة بأصابعهم مباشرة . ومع أن آلة القانون التي عزف عليها محمد عبده صالح، بعد ذلك وحتى نهاية حياته، كانت العرب الحديدية دخلتها للتعبير عن الانتقالات في الدرجات الموسيقية، فإن أثمن ما كان ورثه محمد عبده صالح عن العقاد الكبير هو الحساسيات الأصلية للمقامات العربية مثل البياتي والهزام والحجاز والصبا، كما كانت في عصر الانتقال في الدرجات بالأصابع، وليس بالعرب المعدنية .

بدأ محمد عبده صالح حياته الفنية، مع ظهور كل من محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، ويبدو أنه ظل فترة غير قصيرة يتنقل بين الاثنين في فرقتيهما، حتى وقّعت أم كلثوم في ،1937 عقد حفلاتها الحية مع الإذاعة المصرية، في الخميس الأول من كل شهر، فتحول محمد عبده صالح، منذ ذلك الزمن المبكر، وحتى يوم وفاته، إلى عضو ثابت في فرقة أم كلثوم الموسيقية . وانتقل محمد عبدالوهاب إلى التعاون مع عبقري آخر من عباقرة العزف على آلة القانون، هو الفنان كامل إبراهيم، ثم انتقل بعد رحيل هذا الأخير إلى التعاون مع عازف القانون المبدع عبدالفتاح منسي، شقيق عبقري الكمان أنور منسي .

في بداية تعاونه مع أم كلثوم، كان محمد عبده صالح يحتل الموقع الثاني في فرقتها الموسيقية، إذ كان الموقع الأول، موقع قيادة الفرقة الموسيقية، معقود اللواء لعبقري آلة العود الموسيقار محمد القصبجي . ومع تقدم القصبجي في السن، وتراجع ذاكرته الموسيقية، بسبب ذلك، إضافة إلى الأزمة الكبرى التي نشبت بينه وبين أم كلثوم، على إثر الفشل الجماهيري لفيلم عايدة، انتقل موقع قيادة الفرقة الموسيقية لأم كلثوم من القصبجي إلى محمد عبده صالح، في أواخر الأربعينات أو أوائل الخمسينات .

من يتذكر حفلات أم كلثوم العظيمة في ذلك العصر الذهبي، يتذكر أن سيدة الغناء العربي، لم تكن تسمح بالتقاسيم المنفردة، وسط أغنياتها، إلا لثلاثة عازفين: محمد القصبجي على العود، ومحمد عبده صالح على القانون، وأحمد الحفناوي على الكمان . أما عازف الناي في الفرقة سيد سالم، فكان ضعيفاً إلى درجة يعجب فيها المرء من سبب احتفاظ أم كلثوم به حتى آخر أيامه، ولا يجد تفسيراً فنياً لذلك، سوى عامل الوفاء في التعامل الإنساني .

إلى جانب التقاسيم الرائعة التي كان محمد عبده صالح يؤديها وسط أغنيات أم كلثوم، كان كبار الملحنين، خاصة رياض السنباطي أولاً، ثم محمد عبدالوهاب وبليغ حمدي بعد ذلك، يخصصون لآلة القانون مقاطع عزف منفرد وسط اللحن، لأنهم كانوا يقدرون عبقرية العازف الذي سيؤدي هذا العزف المنفرد، وهو محمد عبده صالح، الذي نشاهده حتى اليوم، في تسجيلات بعض حفلات أم كلثوم الحية، بعد انتهائه من العزف المنفرد، وسماعه التصفيق الحار للجمهور، يقف في نصف انحناءة لرد تحية الجمهور .

رحم الله عبقري آلة القانون محمد عبده صالح، فقد كان حتى في عصر آلات القانون المزودة بالعرب المعدنية، يؤدي الحساسيات الأصلية للمقامات العربية، كما كانت أيام الاعتماد على الأصابع وحدها، من دون العرب المعدنية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"