الجزائر.. الأزمة المعقدة

02:55 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد عز العرب *

استقال رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان) معاذ بوشارب، في 2 يوليو/تموز الجاري، وتم تكليف عبد الرزاق تربش؛ لتسيير إدارة البرلمان لمدة 15 يوماً، إلى حين انتخاب رئيس جديد للبرلمان؛ وذلك قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، وسيرفع تقرير بشغور المنصب خلال جلسة موسعة؛ للمصادقة عليه.
أقر مكتب البرلمان بالإجماع حالة شغور منصب رئيس المجلس؛ بسبب الاستقالة، والتي جاءت بعد قيام سبعة رؤساء مجموعات برلمانية، وخمسة نواب لرئيس المجلس، وستة من رؤساء اللجان الدائمة بالمجلس بالتوقيع على بيان طالبوا فيه «بو شارب» بتقديم استقالته؛ تجنباً لإثارة أزمة داخل البرلمان في ظل تعطل عمل المجلس منذ 27 يونيو/حزيران الماضي.
وقال الموقعون على البيان «نظراً للتطورات الحاصلة في المجلس الشعبي، والتي أدت إلى الانسداد التام والتعطيل النهائي لعمل المجلس وجميع هياكله وأمام المطالب الشعبية في تحقيق الانتقال الديمقراطي وما يحتاج إليه من روزنامة قوانين تخدم مصلحة الشعب والوطن وتعجيل إنهاء الأزمة السياسية التي تعرفها البلاد وتلبية لمطالب الحراك الشعبي ومطالب هيئة الرؤساء وخدمة لهذه المؤسسة النبيلة وحتى لا يبقى المجلس رهينة أزمة مختلقة؛ لهذه الأسباب مجتمعة فإننا ندعو السيد بوشارب إلى التعقل، وتقديم استقالته الفورية من رئاسة المجلس قبل اختتام الدورة البرلمانية».
وأثار هذا القرار ارتياحاً في أوساط قوى الحراك الشعبي، لا سيما أن إزاحة بوشارب كان أحد المطالب الرئيسية لهم فيما يُعرف بخروج «الباءات الأربعة» من الحكم؛ بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهم إلى جانب بوشارب، بلعيز الطيب رئيس المجلس الدستوري (استقال بالفعل)، وبدوي نور الدين رئيس الوزراء(استقال)، وصالح عبد القادر الرئيس المؤقت للدولة. فقد ترأس بوشارب «جبهة التحرير الوطنية» في أكتوبر/تشرين الأول 2018 خلفاً للرئيس السابق للحزب «السعيد بوحجة». كما وجهت إليه بعض الأحزاب السياسية المعارضة الاتهامات بتوليه هذا المنصب بطريقة غير قانونية في إشارة إلى تزوير نتائج الانتخابات خلال عهد «بوتفليقة»، وكذلك طريقة توليه رئاسة المجلس الشعبي؛ عقب الانقلاب على رئيسه السابق «بوحجة».
وتجدر الإشارة إلى أن بوشارب كان يعد أحد الشخصيات المحورية في النظام التي أثارت تصريحاتهم غضباً واسعاً لدى قوى الحراك في الجزائر، لاسيما عندما صرّح في تجمع بغرب البلاد بأن «المطالبين بالتغيير (تنحي بوتفليقة) نقول لهم، أفيقوا من نومكم»، وهو ما يفسر مطلب الحراك بضرورة عزله في كل تظاهرات الجمعة «العشرين» منذ اندلاعها في 22 فبراير/شباط الماضي.
وتكشف استقالة بوشارب في الجزائر عدداً من الدلالات الرئيسية فيما يخص مسار الأزمة السياسية، على النحو التالي:
* الدلالة الأولى، نجاح قوى الحراك الشعبي في استراتيجية «مواصلة الضغط الأقصى»؛ لتحقيق بقية المطالب المرفوعة، وتنحية بقية رموز النظام البوتفليقي الواحد تلو الآخر؛ بل ومحاكمة بعضهم بتهم تتعلق بالفساد المالي، على نحو ما جرى مع مستشار الرئيس السعيد بوتفليقة، ورئيسي الوزراء أحمد أويحيي وعبد الملك السلال، إضافة إلى مديري الاستخبارات سابقاً الفريق محمد مدين (الجنرال توفيق) واللواء بشير طرطاق، ومحمد لوكال، محافظ البنك المركزي السابق، ووزير المالية في حكومة نور الدين بدوي، واللواء عبد الغني هامل، القائد السابق للحرس الجمهوري، والمدير السابق للشرطة، ومدير الأمن الوطني السابق، ووزير النفط الأسبق شكيب خليل ورجال الأعمال على حداد، وأسعد ربراب، وغيرهم. بعبارة أخرى، تمثل استقالة بوشارب نجاحاً لقوى الحراك الشعبي التي نجحت سياستها في التصعيد ضد أحد رموز نظام بوتفليقة، الأمر الذي يمنح قوى الحراك الشعبي حافزاً معنوياً أكبر على مواصلة الاحتجاجات والتظاهرات إلى حين استقالة باقي وجوه النظام القديم.
* الدلالة الثانية، استمرار خلافات الأجنحة داخل النخبة الجزائرية الحاكمة؛ إذ جاءت تلك الاستقالة بعد عدة ضغوط تعرض لها بوشارب، من نواب في جبهة التحرير وبعض أركان النخبة الحاكمة، بقيادة الأمين العام للحزب «محمد جميعي»، لاسيما بعد حادثة اقتحام مكتب بوشارب من طرف عدد من النواب؛ لمطالبته بالتنحي ومعارضة بقائه في المنصب، في حين كان يؤيد بوشارب عدد من النواب بالبرلمان الجزائري.
* الدلالة الثالثة، استمرار الصراع على رئاسة المجلس الشعبي الوطني، فهناك اتجاه سائد يرى أن استقالة «بوشارب» من رئاسة المجلس الشعبي ومن رئاسة حزب جبهة التحرير الوطنية، سوف تتيح المجال أمام «محمد جميعي» الأمين العام الحالي للحزب بتولي رئاسة الحزب وضمان بقاء حزبه في المشهد السياسي خلال الفترة القادمة اعتماداً على نجاح خطته في إقالة «بوشارب» تنفيذاً لمطالب الحراك الشعبي من جهة، وقوة علاقته بالمؤسسة العسكرية التي تدير شؤون البلاد حالياً من جهة أخرى.
غير أن هناك اتجاهاً آخر يرى أن هذه الاستقالة قد تفتح الباب أمام صراع على رئاسة المجلس الشعبي، خاصة من قبل الرئيس السابق له «سعيد بوحجة» الذي يرى في نفسه الرئيس الفعلي للمجلس؛ بعد أن تمت إقالته من منصبه بطريقة غير قانونية أو غير دستورية؛ حيث قام برفع دعوى قضائية لمجلس الدولة؛ لإثبات حقه في البقاء في هذا المنصب، الأمر الذي يرجح أن يشهد حزب جبهة التحرير الوطني صراعاً جديداً بين مؤيدي «بوحجة» ومؤيدي «جميعي» بشأن منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني خلال الفترة القادمة
* الدلالة الرابعة، غياب أي مؤشرات لحلحلة الأزمة أو حتى قريبة من الحل على الرغم من مرور ما يزيد على ثلاثة أشهر ونصف الشهر على استقالة الرئيس بوتفليقة، الأمر الذي يعكس أن الانتقال إلى «الجمهورية الثانية» لا يزال بعيداً بما تنطوي عليه من تعثر تدشين مؤسسات على أسس جديدة؛ بل قد يتم الوصول في مرحلة ما إلى فراغ مؤسساتي في حال رحيل «بقية الباءات» التي يتمسك بها رئيس أركان الجيش قايد صالح. وبناء عليه، ستبقى الأزمة الجزائرية من دون حل؛ نتيجة الصراع بين المسارين الدستوري المؤيد من الجيش، والسياسي المدعوم من قوى الحراك الشعبي.
* الدلالة الخامسة، أن المدخل السياسي وليس الدستوري هو الخيار الأرجح لحل الأزمة الجزائرية؛ إذ إن نجاح قوى الحراك الشعبي في إسقاط ليس شخص الرئيس بوتفليقة؛ بل رموز حكمه على مدى عقدين من الزمن في إصرار قوى الحراك على حل الأزمة سياسياً وتغيير النظام القائم جذرياً دون التوصل لحلول وسط تفاوضية. ومن ثم، قد يضطر الجيش في لحظة ما إلى القبول بالحل السياسي- وليس الدستوري- الداعي إلى تشكيل مجلس رئاسي يشارك فيه ممثلون عن قوى الحراك الشعبي؛ لإدارة البلاد لفترة انتقالية يتم خلالها الاتفاق على شكل النظام السياسي الجديد والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تشارك فيها القوى السياسية في البلاد كافة، مع استمرار دور الجيش خلال المرحلة الانتقالية؛ للمحافظة على مصالحه المختلفة.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية.

مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"