الفلاسفة والزواج

03:42 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

لا تبدو سير الزواج عند الفلاسفة أو قصصهم مع الحب والارتباط مبشرة، لكنها سير لا تخلو من طرف ساخرة، ومفارقات موجعة في بعض الأحيان، ولئن كان كثير من الكتاب ومؤرخي الفلسفة قد فسروا قصة عزوف الفلاسفة عن الزواج بانصرافهم نحو مؤلفاتهم وبحوثهم؛ فإن ذلك الأمر لا يبدو صحيحاً في الغالب، فالواضح من خلال تتبع حكاياتهم أن عدم التوفيق والفشل في التواصل مع النساء، والخوف من الارتباط هو السبب، فقد أحبوا لكن حبهم قوبل بالرفض في كثير من الأحيان، وذلك ما أورث لديهم العناد في عدم التسليم والاعتراف بكونهم قد رفضوا، فراحوا يدبجون مقالات وكتباً هجائية في الزواج، ويصفونه بالمؤسسة الفاشلة.

الشاهد في الأمر أن قضية الحب والزواج ظلت تشغل الكثير من هؤلاء الفلاسفة، لكنهم في الغالب أحجموا عن ذكر علاقاتهم الفاشلة، أو مسألة وقوعهم في الحب، فتلك الكتابات التي تدور حول قصص عشق جمعت أحدهم بفتاة هي من اجتهاد المؤرخين، واللافت في الأمر تلك الحدة في كتابات الفلاسفة عن المرأة، خاصة من مروا بتجربة فاشلة. ومن الذين كتبوا كثيراً عن الزواج والحب نجد نيتشه في مؤلفاته المتفرقة، وشوبنهاور في مؤلفه الشهير «مقال عن النساء»، والعديد من المقالات.

ولنا أن ننظر في تلك المرافعة المريرة التي ألقاها نيتشه لنكتشف أهمية ذلك الأمر ومركزيته عند الفلاسفة، فنيتشه المتعقل يبدو في شأن الحب والزواج شديد التعصب، فهو يقول: «إن الفيلسوف الحقيقي يرفض الزواج ويتهرب منه بكل هلع ورعب، فالزواج يقف في طريقه كعقبة كأداء بل ومهلكة تمنعه من التوصل إلى قمة الفكر والإبداع، فالفيلسوف المتزوج عبارة عن أضحوكة أو مهزلة ليس إلا». ولا شك أن وراء هذا التشدد قصة، فالواقع أن نيتشة كان قد تورط في قصة حب مع فتاة تدعي سالومي، أرسل في طلب زواجها أكثر من مرة، وكان الرفض مصيره في كل المرات، وكذا الحال مع شوبنهاور الذي هجرته حبيبته، فكال الذم لكل نساء الأرض، أما سبينوزا فقد فشل في قصة حب مع فتاة زوجها أهلها برجل آخر، فعاش بقية عمره على ذكراها فقط. ويرى كثيرون أن سبب تأسيس كيركجارد للفلسفة الوجودية هو علاقة حب ملتهبة انتهت بالفشل.

لكن بطبيعة الحال فإن هنالك نماذج جيدة نجحت في الزواج مثل: الرواقي موسونيوس روفوس، وويل ديورانت، الذي كتب قصة الحضارة بالاشتراك مع زوجته، وأيضاً كارل ماركس، بل إن فيلسوفاً مثل برتراند رسل كان قد كتب إيجابياً عن الزواج، وهو يفسر ذلك الإحجام والفشل عند كثير من الفلاسفة بقوله: «الخوف من الحب والارتباط هو خوف من الحياة، وأولئك الذين يخشون الحياة هم بالفعل ميتون».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"