درس ألبير كامو

02:50 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

تعد رواية الطاعون للكاتب الفرنسي ألبير كامو، الصادرة سنة 1947، من أهم الروايات العالمية، وقد تسببت في فوز صاحبها بجائزة نوبل للأدب، وهي من الأعمال الأدبية الرفيعة التي تحدثت عن وباء الطاعون، وكيف يعيش الإنسان حياته في ظل الأوبئة، فهي تسرد حكاية تآزر العاملين في المجال الطبي في عملهم زمن الطاعون بمدينة وهران الجزائرية، وبطل الرواية هو طبيب ظل يقوم بعمله الاعتيادي في مجابهة وحش الطاعون، فكانت تمر عليه عشرات الحالات التي يعمل على علاجها حتى لحظة الموت أو ربما النجاة، وقد كان يمارس ذلك العمل دون أن يثير المرض المعدي في نفسه سؤال الموت والحياة، إلى أن رمى القدر في طريقه طفلاً مصاباً بالوباء، فكان تعلقه بهذا الكائن الوديع بمثابة منعطف في حياته العملية والإنسانية.

وأهمية الرواية تنبع من تلك الأسئلة الحارقة حول الإنسان والقدر ومصير البشر، كما أن الحكمة الكبيرة التي تستخلص من الرواية أن المرض والموت لا يفرقان بين طبقة اجتماعية وأخرى، فتلك هي اللحظة الوحيدة التي يتجمع فيها البشر في وحدة ضد عدو حقيقي بغض النظر عن أوضاعهم الاجتماعية ووظائفهم وأعمارهم، لكن رغم ذلك فإن العمل يتعمق في تناول وقع الوباء على الطبقات الشعبية والمقهورة، والمعروف أن الرواية قد حققت مبيعات كبيرة ولا تزال تلقى رواجاً حتى الآن.

واليوم، وفي ظل جائحة كورونا التي تهدد العالم، تعود تلك الرواية العظيمة إلى الواجهة، فيقبل عليها القراء والنقاد معاً، يستخلصون تلك العبر الكبيرة فيها، خاصة أن الرواية قد كتبت بعمق فلسفي، فألبير كامو لم يكن مجرد روائي، فهو كذلك فيلسوف له تأملاته في الحياة والوجود، ولقد انعكست كل رؤاه الفكرية في الرواية خاصة تلك الأسئلة العميقة المتعلقة بالبشر ومصائرهم تحت ظل الوباء، فهم يخرجون أفضل ما لديهم من روح تعاضد وتعاون، وفي ذات الوقت يظهرون أسوأ المشاعر وهي الخوف والهلع، ويصبحون جميعاً تحت رحمة شيء واحد هو الانتظار.

لقد أفلحت الرواية في تصوير الحياة اليومية وحالة الرعب والترقب، فقد كان الحجر المنزلي يمثل طوق النجاة الوحيد. أغلق الناس منازلهم عليهم وصاروا لا يستقبلون الضيوف حتى من الأقارب، ولم تخل الرواية من قيمة الأمل في مواجهة الموت، فقد راهنت على قدرة البشر عبر تلاحمهم على هزيمة الوباء، ولعل ما جعل هذا العمل الإبداعي العظيم يكتسب أهمية وقيمة تلك العبر والمعاني الإنسانية الكامنة فيه.

ولعل البشرية اليوم في أمس الحاجة لاستلهام الدروس العظيمة التي قدمتها الرواية في مواجهة جائحة كورونا، فما يلفت النظر بشدة إلى «الطاعون»، كونها راهنية في كل تفاصيلها، وكأنها تتحدث عن ما يجري في العالم اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"