عادي

«مرتفعات ويذرنج» رواية وحيدة تخلد اسم إميلي برونتي

04:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

«شارلوت وآن وإميلي برونتي» ثلاث فتيات كانت الكتابة هي المتنفس الوحيد لهن، كن يمتلكن حساسية مرهفة في عزلة مضنية يعشن فيها، وكانت «إميلي» أكثرهن شموخاً واعتداداً بشخصيتها، حتى إنها كانت بمشيتها، واستقلالها رأيها أشبه بالرجال، كما أنها كانت تهمل ثيابها، وتكثر من التجوال وحدها بين الأحراش، بخطى واسعة وهي تصفر لكلبها، كما يفعل الغلمان.
كانت إميلي حاسمة في كلامها، لا تعرف التسامح مع نفسها، ومع الناس، تمضي الأيام من دون أن تكلم أحداً، ولا تحب أحاديث المجاملات في المناسبات الاجتماعية، فهي تجمع في خصالها بين الترفع والخجل، وكانت متشددة في أداء واجباتها بكبرياء، وترفض الاستسلام للمرض، أو أن تذهب إلى الطبيب، ولذا ظلت تكتب وتعمل في البيت إلى أن صرعها المرض وماتت، وكانت «شارلوت أسبق الفتيات الثلاث إلى الشهرة بروايتها «جين إير»، فلما نشرت «إميلي» روايتها «مرتفعات ويذرنج» اعتبرها النقاد عملاً هابطاً، ورجحوا أنها من تأليف شقيقتها «شارلوت» وأنها عمل ينقصه النضوج في الفهم والأسلوب.
لم تحب «إميلي» حياة التدريس ولا تربية الأطفال، وكانت أختاها قد اتخذتا هذين العملين مهنة لهما، بسبب بخل الأب، ذلك الأب الذي كان يحس في أعماقه بأنه الرجل الحقيقي في ذلك البيت، وهو ما يمكن أن نلمسه في طريقة تصويرها لشخصية البطل في روايتها «مرتفعات ويذرنج»، فالبطل فيها خشن الطباع، محتدم العواطف، كأنه بخشونته غير المألوفة هو الصورة الداخلية لإميلي برونتي، كما كانت تتمنى لنفسها أن تكون.
ولأنها كانت تعبر من خلال جو القصة الموحش المضطرم بالعواطف، عن عالمها النفسي المكبوح، جاءت القصة لا تشبه القوالب القصصية المعهودة، لأنها لم تتخذ نموذجاً أدبياً في المقام الأول، بل هي قبل كل شيء كما تقول صوفي عبد الله مولود حملت به إميلي برونتي نتيجة لقاح فذ بين واقع تكوينها النفسي وواقع الظروف التي حالت بينها وبين أن تعيش حياتها التي تمليها عليها حقيقتها الباطنة، فأجواء الرواية هي العالم التعويضي الذي عاشت فيه إميلي متقمصة شخصية البطل، وهو ما لم تستطع تحقيقه في بيت أبيها.
وعلى هذا فإن «مرتفعات ويذرنج» من أبرز القصص العالمية، لا لأنها من أجمل القصص فحسب، بل لأنها نمط وحدها، ليس لها شبيه، فالصدق الفني والنفسي الذي أخرج هذه القصة من قلب كاتبتها هو الذي يميزها عن جميع تلك الأعمال التي اكتملت، رغم أن حياة إميلي برونتي لم تتسع لكتابة قصة سواها، فقد فارقت الحياة وهي في سن الثلاثين، فقد ماتت سنة 1848 وكانت قد نشرت «مرتفعات ويذرنج» عام 1847.
ولدت إميلي سنة 1818 لأب غريب الأطوار كان يعمل قسيساً في مكان منعزل بين الأحراش في ريف إنجلترا، وهو ابن لفلاح إيرلندي شبه معدم، لا يعرف كيف يكتب اسمه، وكان الابن منذ الصغر يؤدي خدمات صغيرة للجيران نظير الطعام أو المال، ولما كبر التحق بمصنع للنسيج، وكان يتلقى في المساء دروساً مجانية على يد القسيس بتلك القرية، حتى وصل إلى مرتبة أهلته لأن يكون معلماً في مدرسة الكنيسة.
ظل الأب طوال ثماني سنوات يتقرب إلى أعيان البلدة إلى أن اكتتبوا فيما بينهم لجمع نفقات دراسته في جامعة كمبردج العريقة، فدخلها في سن الخامسة والعشرين وكان أكبر الطلاب سنا، وبعد تخرجه عمل كقس، وكان في التاسعة والعشرين من عمره، وظل يراوده حلم الزواج من امرأة ثرية، إلى أن استسلم تماما لموت زوجته في سنة 1821 بعد 9 سنوات من الزواج، واعتزل الناس مع أطفاله الستة في مكان مقبض للنفس، كان البيت فوق ربوة، وأمامه ومن خلفه حديقة الكنيسة وعلى جانبيه مقابر الموتى.
تأثر الأطفال بغرابة أطوار الأب، الذي كان شحيحا، يخاف الحريق، وقد دفعه ذلك إلى تحريم استخدام الأبسطة والستائر والأخشاب، فكان الأطفال يرتجفون من البرد معظم السنة، وكانت مناظر الأحراش المتجهمة والمقابر لا تغيب عن أعين الصغار، فلا شيء يوحي بالأمل، وكان ذلك الأب يتجنب الاختلاط بالفلاحين إلا لضرورة تلزمه بها وظيفته الدينية، أما بناته فلم يسمح لهن بمخالطة أسر أهل القرية الفقراء.
لم يكن ذلك الأب يحب لبناته أن يستمتعن بما أبته عليه الأيام في طفولته، وكتب لثلاث من بناته أن يكن أشهر ثلاث شقيقات عرفهن التاريخ، وأن تموت ثلاثتهن بالسل بعد أن كتبن أسماءهن في سجل الأدب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"