عادي
البعض يراها إبداء رأي.. والآخر يجد فيها ضرراً وإساءة

السب والقذف الإلكتروني.. عقوبات جنائية وخراب بيوت

04:24 صباحا
قراءة 9 دقائق
تحقيق: إيهاب عطا

جرائم السب والقذف عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الشغل الشاغل لكثير من الناس، فهي وإن كان البعض يراها إبداء رأي، خاصة في حال التعليق على منشور معين، قد يراها الطرف الآخر ضرراً وإساءة وقذفاً أو حتى تنمراً، وهو ما فتح الباب للحديث عن جرائم السب والقذف الإلكتروني وشدة وقعها وأثرها البالغ مادياً ومعنوياً على المتهمين فيها، خاصة أن سرعة انتشارها كبيرة جداً، وقد يراها الجميع ممن يخصهم الأمر وممن لا يخصهم، ويرى فيها البعض خراب بيوت، على الرغم من أن بعضها تعد جرائم بسيطة لا تستحق، وهو ما جعل بعض القانونيين يطالبون بتخفيف الغرامة، ويطرحون اقتراحات قانونية للتوعية ضد الوقوع في هذا النوع من الجرائم.
في البداية أوضحت الدكتورة حوراء موسى، المحامية الحاصلة على الدكتوراه في الجرائم الإلكترونية، أن بعض عبارات القذف والسب واضحة وصريحة ومباشرة، حينها لا يصعب على المتلقي تصنيفها باعتبارها سباً أو قذفاً، في حين أن هناك عبارات أخرى قد يستغرب الكثير اعتبارها سباً أو قذفاً أي جريمة يعاقب عليها المشرع، ومن هذا المنطلق لا بد من توضيح مفهوم كل من القذف والسب، فعلى الرغم من أن القذف والسب كل منهما جريمة مستقلة بذاتها، إلا أنهما تشتركان في وحدة الحق المعتدى عليه، وهو الشرف والاعتبار، وما يميز القذف عن السب هو أن القذف يتطلب إسناد واقعة معينة من شأنها أن تجعل المجني عليه محلاً للعقاب أو الازدراء، بينما السب يكون بأي تعبير من شأنه الحط والإساءة لاعتبار أو كرامة أو شرف المجني عليه، أو إلصاق عيب يجعله محلاً للازدراء أو العقاب.
وأضافت أن المشرع قد شدد عقوبة القذف والسب المرتكبة عبر شبكة الإنترنت لأسباب وغايات، فمن الأسباب ما تمتاز به شبكة الإنترنت من خصائص كالعالمية وسرعة الانتشار وصعوبة التحكم في المحتوى بعد نشره في الكثير من الأحيان، وهو الأمر الذي يفاقم حجم الضرر مقارنة بذات الجريمة لو وقعت في نطاق محدود كأن ترتكب وجهاً لوجه في الواقع المادي، أو عبر رسالة نصية مرسلة للهاتف المتحرك، الأمر الذي جعل المشرع يشدد عقوبة تلك الجريمة المرتكبة عبر شبكة الإنترنت لتتناسب وحجم الأثر الإجرامي لها.
ويرى البعض أن عقوبة القذف والسب المرتكبة عبر شبكة الإنترنت ضخمة، حيث نص المشرع على أنه يعاقب مرتكبها بالحبس أو الغرامة، حيث يكون الحد الأدنى للغرامة فيها 250 ألف درهم، بينما حدها الأقصى هو 500 ألف درهم، إلا أنه في الواقع هناك الكثير من الأحكام التي قلت في العقوبة عن هذا المقدار استعمالاً للظروف المخففة للعقاب التي يخضع تطبيقها لسلطة قاضي الموضوع.


تصفية الحسابات

البعض استغل تلك الوسائل لتصفية الحسابات أو الانتقام، مستغلين بذلك بعض المسائل القانونية، فعلى سبيل المثال عند حدوث نزاع بين الأشقاء أو الأقارب أو الأصدقاء والذين في لحظة غضب أو حتى مزاح قد يستخدم بعضهم ألفاظاً بطبيعتها القانونية تشكل جريمة سب أو قذف، فيتم استغلال الموقف للانتقام أو تصفية الحسابات، ومثال على ذلك كلمة كاذب، حيث إنه لو كان هناك حوار عبر وسيلة التواصل «واتساب» بين أصدقاء وتخللها قيام أحدهم بتوجيه كلمة أنت كاذب، أو أنت نصبت عليّ في كذا وكذا، حينها يستغل الآخر تلك الواقعة للإبلاغ على الآخر إما للانتقام أو تصفية حسابات، أو للضغط على الآخر في سبيل الحصول على منفعة ما، أو السكوت عن أمر ما، وهذا الأمر يجب أن يكون محل اعتبار عند الجهات المختصة، بحيث يتم النظر في المحادثات ككل وليست مجزأة، فبعض الألفاظ قد تصف حالاً وواقعاً، ولم تكتب أو تطلق بقصد السب والقذف.


تخفيف العقوبة


وفي ذات السياق، طالب محمد السويدي المحامي بتعديل العقوبة وتخفيفها، لتصبح مناسبة لمرتب المتهم، والذي قد لا يتجاوز بضعة آلاف من الدراهم، مستنكراً الاستسهال في الإبلاغ عن هذا النوع من الجرائم، والتي تكون في أحيان كثيرة مبالغاً فيها، وقد شجع على ذلك الغرامة التي يتم الحكم بها في كثير من القضايا، والتي تتراوح بين 250 ألف درهم و500 ألف درهم، وهو ما يعطي فرصة لإغراء البعض على الإبلاغ وابتزاز آخرين على جرائم بسيطة، أو لنقل ألفاظ تحتمل التأويل، إضافة إلى عدم انتشارها على مدى واسع، وأحياناً تقترن تلك الغرامة بعقوبة الحبس، وهو ما يجعل العقوبة حبساً وخراب بيوت، لأنها بعيدة عن الواقع ولا تراعي دخل المتهم ومرتبه وظروفه والتزاماته.
وبيّن أن رسائل تطبيق واتساب غير واسعة الانتشار، مثل موقع فيسبوك أو تويتر، ومن ثم فالأخذ بها لإثبات الجريمة يجب أن يتم بشكل دقيق، ويؤخذ في الاعتبار مسألة الانتشار من الوارد أن يكون السب بين صديقين، لكن المجني عليه استفز المتهم أولاً، ودفعه للتلفظ بتلك الألفاظ، والتي قد لا يقصدها بقدر ما تكون رد فعل للاستفزاز.


جريمة مستمرة


ومن جانبها، قالت زينب الحمادي المدير العام لجمعية الإمارات للمحامين والقانونيين، فرع أبوظبي: إن قانون العقوبات الإماراتي يعاقب على جريمة القذف والسب العادي أو العلني، بعقوبات مخففة، فأما عقوبة السب، فهي الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تتجاوز ١٠ آلاف درهم لمن رمى غيره بإحدى طرق العلانية بما يخدش شرفه أو اعتباره دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة، وتصل العقوبة في جريمة القذف إلى الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تتجاوز ٢٠ ألف درهم لمن أسند إلى غيره بإحدى طرق العلانية واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب أو للازدراء. وبينت أنه لما كان القذف والسب العلني ينتهي في مكان وزمان معينين، فإن القذف والسب الإلكتروني ينتقل ويتداول ويصل إلى ملايين البشر، وأصبحت مستمرة، ولا يمكن إيقافها وتشكل خطراً على المجتمع وانهيار القيم والأخلاق، كما أن بعض الأفراد من أصحاب الحسابات على وسائل التواصل الحديثة يتعمد استفزاز الغير ودفع المتابعين غير القادرين على ضبط النفس نحو السب والشتم بعد إثارة مواضيع تمس المجتمع أو الدين أو غيرها على حسابه الخاص، ليقوم الشخص بالقذف والسب، ليقوم بعدها بتقديم بلاغات ضد الشخص والمطالبة بتعويض مادي كبير مقابل التنازل عن القضية، حيث إن بعض المتهمين في هذه القضايا دفعوا مبالغ مالية كبيرة مقابل تنازل صاحب الحساب الذي استخدم هذه الوسيلة للإثراء بلا سبب.


استخدام سلبي


وأضاف علي مصبح، المحامي، أنه لا شك أن التطور الإلكتروني لا يخلو من المستخدمين السلبيين، ومثال على ذلك مواقع التواصل الإلكتروني وبرامجه المتنوعة، وظهرت التشريعات التي تنظم القواعد والنصوص والقوانين والعقوبات، ومن أهمها جريمة القذف والسب التي أوضحها المشرع طبقاً لنص المادة (20) من قانون جرائم تقنية المعلومات بالحبس والغرامة المغلظة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ولكن من أكثر المواد المستخدمة في التجريم هو نص المادة المذكور، لكون جريمة السب أو القذف من أكثر المواد التي يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالمقارنة بقانون العقوبات الاتحادي، والتي نصت المادة (374) بشأنها: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تتجاوز خمسة آلاف درهم إذا وقع القذف أو السب بطريقة الهاتف أو في مواجهة المجني عليه، وبحضور غيره، وتكون العقوبة الغرامة التي لا تتجاوز الخمسة آلاف درهم إذا وقع القذف أو السب في مواجهة المجني عليه في غير حضور أحد، أو في رسالة بعث بها إليه بأي وسيلة كانت»، والملاحظ أن هناك فرقاً كبيراً في تجريم العقوبة بين قانون جرائم تقنية المعلومات وقانون العقوبات، وحسن فعل المشرع في هذا التشديد للجرائم الإلكترونية، لأن الجاني حين يقوم بارتكاب الجريمة عبر التواصل الاجتماعي، فهو يقصد من ذلك التشهير، وفضح المجني عليه من دون المبالاة بأي اعتبار أو احترام للغير، وكذلك بقصد إساءة سمعة المجني عليه فضلاً عن سهولة ارتكاب جريمة السب عبر التواصل الاجتماعي بضغطة زر، فضلاً عن كثرة عدد المشاهدين لهذه الجريمة، لذلك قام المشرع بالتشديد على العقوبات بالغرامة التي لا تقل عن 250 ألفاً، مقارنةً بالغرامة التي لا تتجاوز الخمسة آلاف درهم في قانون العقوبات، ولا يأخذ الدافع أو الباعث في جريمة السب الإلكتروني حجة في الدفاع، فلا يتصور أن يرى شخص ما عبر مواقع التواصل يقوم بفعل أو قول مستفز للمجتمع، فيرد الآخرون عليه بالسب والقذف، ولا تجوز معالجة الجريمة لفعل إجرامي بآخر، بل يجب اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الشخص المرتكب لهذا الفعل الإجرامي الذي استفز الناس أو المجتمع.


النميمة الإلكترونية


ويسأل الكثير عن طرق إثبات جريمة السب عن طريق جرائم تقنية نظم المعلومات، فعند فتح شكوى ضد أي شخص يتم فحص الرسائل أو الهاتف عن طريق إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي تقوم بدورها بفحص البرامج والجهاز، وتتوصل من خلاله للفاعل المرتكب للجريمة، وربما يلجأ بعض الأشخاص إلى سب أشخاص آخرين في محادثة خاصة بينهم «الغيبة والنميمة الإلكترونية»، ويجوز الإبلاغ عن هذه الجريمة عن طريق الشرطة، وإثباتها بكافة طرق الإثبات، سواء عن طريق تصوير الشاشة بعد التأكد من عدم تزويرها، أو التلاعب فيها، أو عن طريق شهادة الشهود، وللمحكمة دائماً السلطة التقديرية في الأخذ بالدليل من عدمه وعن مدى قناعتها في الجريمة أو براءتها منه.


مظلة حماية


وأشار الدكتور محمد بن حماد، المحامي، إلى أنه بات من الملاحظ في العصر الحديث أن تُستحدث أشكال جديدة من الأفعال أو التصرفات المنبوذة تبعاً للتطور التكنولوجي والرقمي، وهو ما تكتسب معه تلك الأفعال وصف الجرائم، بعد تجريمها بالمرسوم بقانون رقم 5 لسنة 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، مثل جرائم السب الإلكتروني، وهو ما دفع المشرع للتدخل بغاية فرض مظلة الحماية في ظل توسع وانتشار تكنولوجي كثيف، وكان لزاماً له فرض ما يلزم لتحقيق الردع من خلال تغليظ العقوبات الخاصة بجرائم الإساءة لسمعة وحياة الأفراد، وذلك في حالة ارتكاب الجريمة بواسطة إحدى الوسائل التكنولوجية أو وسائل التواصل الاجتماعي، وحاصر المشرع ذلك النوع من الجرائم من خلال توصيفها وعزلها عن بعضها البعض، ففرق بين الإساءة والتشهير وبين السب، وبين الابتزاز والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، إذ جعل المشرع الحد الأدنى للغرامة مئتين وخمسين ألف درهم، فضلاً عن السلطة الجوازية للمحكمة في تقرير أمر الحبس، فضلاً عن تدبير الإبعاد بالنسبة للأجنبي المدان، وهو ما يتجلى معه تغليظ المشرع للعقوبة ومضاعفتها، إن كانت الجريمة من خلال أي وسيلة إلكترونية، وذلك للحد من خطورة استعمال تكنولوجيا المعلومات وإساءة استعمالها.


جدال ونقاش


وكشف بن حماد أنه كانت وما زالت تلك العقوبات المغلظة محل جدل ونقاش بين الفقهاء القانونيين، وظلت غلظة العقوبات المشار إليها محل جدل ونقاش، ولا سيما أنه في بعض الأحيان يتضح تعرض المتهم للاستفزاز من خلال المجني عليه، فيصبح المتهم فريسة لذلك الاستفزاز، وإن كان على حق، وفي أحيان أخرى لا يتناسب حجم العقوبة مع حجم الفعل الصادر من المتهم، أو تكون العبارات الصادرة من المتهم محل إبهام أو غموض هل هي مما يأخذ وصف السب أم لا، وغير ذلك من الحالات التي جعلت من بعض المتهمين ضحايا نتيجة لما بدر منهم من نقاش قد يتطور إلى تطاول بحكم متانة علاقة أو صداقة سنوات عديدة، فيقوم من وُجهت إليه تلك العبارات باستغلالها دون أمانة، وإن كان يعلم أنها في سياق المزاح أو روح الدعابة.


عقوبة جنائية


وقال عبد العزيز الزعابي، المحامي: إن السب في اللغة هو الشتم، وفي القانون هو كل إلصاق لعيب أو تعبير يحط من قدر الشخص نفسه أو يخدش شخصه، أما القذف، فهو إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية، أو يوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه، ويفرق المشرّع بين السب العلني العادي المعروف، وبين السب الذي يكون علنياً عن طريق وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر أو فيسبوك أو سناب شات أو يوتيوب أو غيرها.
وبالنسبة للسب العلني العادي، فإن العقوبة يحكمها قانون العقوبات الاتحادي الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 1987 م وفقاً لآخر التعديلات بالقانون رقم 34 لسنة 2005 م، وبالقانون رقم 52 لسنة 2006، وبالمرسوم بقانون رقم 7 لسنة 2016، وبالمرسوم بقانون اتحادي رقم 24 لسنة 2018، فقد جرى النص العقابي فيها طبقاً للمادة 373 بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز 10000 درهم، وتصل العقوبة إلى الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تجاوز عشرين ألف درهم في الحالتين، أو إحدى هاتين العقوبتين إذا وقع السب في حق موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية الوظيفة أو الخدمة العامة.


بدائل قانونية


شدد الدكتور محمد بن حماد، المحامي، على ضرورة إيجاد بدائل بشأن جرائم السب الإلكتروني، فعلى سبيل المثال ضرورة استحداث نص في قانون الجرائم المعلوماتية يقضي بتشكيل لجنة لدى النيابة العامة يكون دورها بحث ملابسات وظروف كافة الشكاوى المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، لتنتهي بنتيجة وفق رؤيتها بتطبيق مواد الاتهام في أمر الإحالة وفقاً لقانون الجرائم المعلوماتية من عدمه، أو ينطبق عليها ما ينطبق على جرائم السب المباشر، كما يمكن أن تكون العقوبات المشددة واجبة التطبيق في حالة العود، وبحسب توفر سوابق لدى المتهم.


الهدف من التشديد


عقوبة السب عن طريق إحدى وسائل التواصل الاجتماعي الحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تتجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، بالتالي نجد المشرع الإماراتي شدد العقوبة في حال كان السب عن طريق وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا راجع إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي متاحة للجميع، والنشر فيها يصل إلى قطاع عريض من المستخدمين، ويمكن تشويه سمعة أي شخص بيسر وسهولة عن طريق سبه أو ازدرائه عن طريق إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فكان تشديد العقوبة من قبل المشرع كفيلاً بالتقليل أو الحد من انتشار السب عن طريق تلك الوسائل الإلكترونية، وهو ما يدعونا إلى التوعية بعدم الانخراط في أي أحاديث مستفزة قد تدفعك للسب، فكن هادئاً وعلى حذر كي لا تقع في الفخ في حال استفزازك من أي شخص.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"