عادي
أول من تنبأ بوجود علاقة بين الضوء والظواهر الكهرومغناطيسية

مايكل فاراداي دشن عهداً جديداً في الحث الكهرومغناطيسي

03:13 صباحا
قراءة 7 دقائق
إعداد: عثمان حسن

مايكل فاراداي... أبرز علماء القرن التاسع عشر، مخترع المحرك الكهربائي.. أول من دمج بين الكهرباء والمغناطيسية، فأسهم في فهم «الكهرومغناطيسية».. عالم كيميائي وفيزيائي.. له قانون شهير في الفيزياء اسمه «قانون فاراداي».. صاحب أول موتور كهربائي عرفته البشرية.. وأول من قال بأن «الضوء عبارة عن موجة كهرومغناطيسية»... اكتشف عدداً من المركبات العضوية الجديدة من بينها البنزين، وأول من استطاع أن يسيل غازاً، وأكثر من ذلك، فقد عرف عنه تواضعه الجم، وكان رجل أخلاق من طراز فريد.
ولد مايكل فاراداي في 22 سبتمبر 1791، نيووينجتون، ساري، إنجلترا وتوفي في 25 أغسطس 1867، في هامبتون كورت، ساري.. بدأ حياته المهنية في الكيمياء، ووضع دليلاً في هذا العلم، أما مساهمته الرئيسية، فكانت في مجال الكهرباء والمغناطيسية، كونه يعتبر أول من أنتج تياراً كهربائياً من مجال مغناطيسي، وأول من اخترع محركاً كهربائياً ودينمو، وأظهر العلاقة ما بين الكهرباء والخواص الفيزيائية للكيمياء، واكتشف تأثير المغناطيسية على الضوء، كما اكتشف ما أطلق عليه «ضعف الثنائية المغناطيسية» والسلوك الغريب لبعض المواد في المجالات المغناطيسية القوية.
هو ابن رجل كان يمتهن الحدادة فقير الحال، قدم من شمال إنجلترا بحثاً عن العمل، في العام الذي ولد فيه مايكل، أما والدته، فامرأة ريفية، تتمتع بقدر كبير من الهدوء والحكمة، دعمت ابنها ووقفت إلى جانبه في الظروف الصعبة التي عاشتها العائلة، والتي بالكاد كانت تستطيع الحصول على ما يكفي من الطعام، بسبب مرض والده وضعف همته في العمل.
استذكر فاراداي فيما بعد أنه حصل على رغيف خبز واحد، وتوجب عليه أن يكفيه مدة أسبوع كامل، النزعة الإيمانية عند العائلة، وفرت أجواء روحية لفاراداي طوال حياته، وهو الذي أثر فيه كثيراً فصار يتأمل الطبيعة ويحاول تفسير سلوكها.

التعليم

تلقى فاراداي، أساسيات التعليم المتوفرة في زمنه، كالقراءة والكتابة في مدرسة محلية، وفي سن مبكرة عمل مساعداً في مشغل لتجليد الكتب، وفي سن ال 14 انتهز فرصة تدريبه في المشغل في قراءة عدد كبير من الكتب، فتن في صغره بمقاله عن الكهرباء في الطبعة الثالثة من الموسوعة البريطانية بشكل خاص، وقام باستخدام مواد أولية من الخشب والزجاج، فصنع مولداً كهربائياً بدائياً، وأجرى تجارب كثيرة في الكيمياء الكهربائية.
جاءت فرصته الكبرى، حين عرض عليه حضور محاضرات الكيمياء عند السير همفري ديفي في المعهد الملكي في لندن. وحين بلغ العشرين من عمره استطاع حضور سلسلة من المحاضرات لهمفري ديفي، وقد قدم وثيقة من 300 صفحة إلى ديفي يعرض من خلالها ملاحظاته حول المحاضرات، أعجب ديفي به ووظفه كمساعد له، ومن ثم ركز عمله على الكيمياء وقام بعمل دراسة خاصة للكلور والكلوريد الجديد من الكربون، وأصبح لاحقاً مساعد مختبر في معمله، والذي اعتبر في حينه أعظم اكتشاف لديفي.
وفي هذه الفترة تعرف إلى الكثير من الخواص الكيميائية للعناصر، وأتيحت له فرصة كبيرة لممارسة التحاليل الكيميائية والتقنيات المختبرية إلى حد إتقانها.
أدت سمعته في الكيمياء إلى استدعائه كشاهد خبير في المحاكمات القانونية، في عام 1820 أنتج أول مركبات من الكربون والكلور، عن طريق استبدال الكلور بالهيدروجين في غاز (الإيثيلين)، وهي من التفاعلات التي تحدت النظرية السائدة للتركيب الكيميائي لجون جاكوب بيرزيليوس.
في عام 1825، عزل البنزين ووصفه، كما أجرى تحقيقات في سبائك الصلب، مما ساعد على وضع أسس علم المعادن، بينما أنهى مهمة من الجمعية الملكية في لندن لتحسين جودة الزجاج البصري للتلسكوبات، في عام 1821، تزوج من سارة برنارد، واستقر بشكل دائم في المعهد الملكي، وبدأ سلسلة من الأبحاث حول الكهرباء والمغناطيسية التي أحدثت ثورة في الفيزياء، وفي ربيع عام 1831.
في عام 1832، أثبت أن جميع الأجهزة الكهربائية لها نفس الخصائص والآثار، وقام باكتشافات مذهلة، ونظرية جديدة في الكيمياء الكهربائية، والحث الكهربائي.
وفي خريف عام 1831، اكتشف القانون الذي يحدد إنتاج التيارات الكهربائية بواسطة مغناطيسات، وابتكر أول دينامو، وهو الذي أدى لاحقاً إلى المحركات الكهربائية.
بحلول عام 1839 كان فاراداي، قادراً على تقديم نظرية جديدة وعامة للنظام الكهربائي.
كان فاراداي، يؤمن بما أسماه وحدة قوى الطبيعة، استأنف نشاطه العلمي في عام 1845، حول الكهرباء والمغناطيسية، كما أصبح محاضراً في هذا التخصص في المعهد الملكي بلندن في 23 يناير 1846.
بحلول عام 1850، طور رؤية جذرية لمفهوم الفضاء والقوة، لم يكن الفضاء بالنسبة إليه «لا شيء»، ومجرد موقع للأجسام والقوى، لكنه كان وسيلة قادرة على دعم تدفقات القوى الكهربائية والمغناطيسية؛ حيث لم تكن الطاقة الكونية متمركزة في الجسيمات التي نشأت منها هذه القوى، بل كانت موجودة في الفضاء المحيط بها، هكذا ولدت نظرية المجال، كما اعترف جيمس ماكسويل فيما بعد بأن الأفكار الأساسية لنظريته الرياضية في الحقول الكهربائية والمغناطيسية جاءت من فاراداي.
غرق فاراداي في الشيخوخة، كافأته الملكة فيكتوريا، بسبب إخلاصه للعلم، بمنحه منزلاً في هامبتون كورت، وعرضت عليه لقب فارس، قبل فاراداي المنزل، ورفض لقب الفارس؛ ومع كبره عانى من النسيان وعدم القدرة على الكتابة كما ضعف بصره وتوفي في 1867 عن 75 عاماً.

تواضع العالم

بالرغم من ضآلة ما توفر له من تعليم مدرسي رسمي، إلا أن محاضراته كانت مملوءة بالأشخاص المهمين، الذين جلسوا أثناء شرحه للمفاهيم المعقدة، ومن بينهم الملكة فيكتوريا.
إلى جانب إنجازاته العلمية الكبيرة وإسهاماته المتنوعة، كان مايكل فاراداي رجلاً متواضعاً، ومتديناً.
كانت لديه ميزات يتقاسمها العديد من العلماء: فضول لا يشبع، ومثابرة للوصول إلى نهاية الأشياء، وروح لا تقبل الجدل وترفض الاستسلام.
لم تكن بداياته مبهرة، أخرجته والدته من المدرسة، كما سخر منه المعلم بفظاعة، بسبب تلعثمه، وعدم قدرته على نطق الحروف، وكانت هذه واحدة من التحديات التي قهرها في ما بعد، فهو لم يستسلم، نظر إلى العالم من حواليه.. اعتبره مدرسته الكبرى، واستمر في طرح الأسئلة، وقدم الإجابات والحلول في كتاب أسماه الدليل، استنبط معارفه من الكتب التي توفرت لديه، حضر في شبابه العديد من المحاضرات في المعهد الملكي، وكان يدون الملاحظات بدقة، شكل عمله إلى جانب همفري نقطة انطلاق لمسيرة علمية زاخرة في حياة هذا الرجل النابغة.
رفض أن يشترك في صنع أسلحة كيميائية لصالح إنجلترا لأسباب أخلاقية.. كما دفعه حرمانه وهو طفل إلى ضرورة تعليم الفقراء، وفتح أبواب المعهد الملكي أمام العامة بالمجان، وقد نشر مقالات عدة يشرح فيها وجهة نظره لإصلاح النظام التعليمي، وبذلك وضع نفسه في مصاف أوائل ناشري العلوم للعامة في تاريخ العلم الحديث.

أينشتاين وفاراداي

ذكره ألبرت أينشتاين، في خطاب له عن الحرية الفكرية بعد فراره من ألمانيا النازية في 3 أكتوبر 1933 بقوله «لولا هذه الحرية، لما كان هناك شكسبير، ولا غوته، ولا نيوتن، ولا فاراداي ولا باستور، ولا ليستر».
وقد قيل إن الخبرة التي اكتسبها أينشتاين، إنما جاءت من «ماكسويل» و«فاراداي»، وهي التي منحته وظيفته الأولى، في مكتب البراءات السويسري، بعد أشهر من البحث عن عمل.

في الكتب

«قوى الطبيعة المختلفة وعلاقاتها مع بعضها البعض».. من يجيء أولاً: المادة أو القوة؟ إذا فكرنا في هذا السؤل، فسنجد أننا غير قادرين على تصور المادة دون استخدام القوة، أو القوة دون المادة، عندما خلق الله العناصر التي تتكون منها الأرض، خلق بعض القوى العجيبة، والتي تم إطلاقها، وأصبح واضحاً أنه عندما تعمل المادة، فإن كل القوى، مع العديد من الاختلافات، تشترك في الكثير، وإذا تم إطلاقها، فسوف تسعى على الفور إلى تحرير رفاقها. وبالتالي، فإن الحرارة ستمكننا من إقصاء الضوء والكهرباء والمغناطيسية والعمل الكيميائي؛ العمل الكيميائي سوف يخفف الضوء والكهرباء والحرارة.
وبهذه الطريقة نجد أن جميع القوى في الطبيعة تميل إلى تشكيل أنظمة تعتمد على بعضها البعض؛ وبما أن حركة النجم تؤثر في الآخر، فإن القوة الناتجة تحرر القوى التي كانت ساكنة أصلاً.
نقول السكون، إن الكلمة لا معنى لها تقريباً في الكون. أين نجد السكون؟ في البحر؛ حيث توجد الحيوانات، الخضار، والمعادن، في حالة حرب مع الأرض؛ حيث الهواء يفسح المجال لهذا النزاع. إن الكرة الأرضية، التي تشهد تغيراً دائماً في نظامها، هي ككتلة تعمل مع الكواكب الأخرى في نظامنا وتتصرف بناء على هذا السياق، والنظام نفسه يغير مكانه في الفضاء، تحت تأثير قوة معروفة بزغت من مركز غير معروف.

مذكرات فاراداي

هذا هو المجلد الخامس من أصل سبعة مجلدات من «الملاحظات التجريبية» التي أعدها مايكل فاراداي خلال السنوات 1820-1862، ورثه المعهد الملكي لبريطانيا العظمى والمعروف اليوم باسم «مذكرات فاراداي»، أعيد نشرها الآن لأول مرة منذ طباعتها الأصلية في عام 1936 بترتيب خاص مع المعهد الملكي، تتضمن المخطوطة الكاملة للطبعة الأولى التي حرّرها توماس مارتن مع الفهرس والصور والآلاف من الرسوم التوضيحية التي قام بها فاراداي.
«التجارب الكهربائية».. جاء في الكتاب «كان مايكل فاراداي، أعظم فيزيائي في القرن التاسع عشر، وهو رائد التجارب في مجال الكهرباء والمغناطيسية، اشتهر باكتشافه لمبدأ الحث الكهرومغناطيسي وقوانين التحليل الكهربائي».
في الأبحاث التجريبية في الكهرباء، التي نُشرت لأول مرة في ثلاثة مجلدات بين عامي 1839 و1855، يناقش فاراداي الاستفسارات التي أدت إلى تطويره للدينامو الأول (مقدمة الديناموات والمولدات الحديثة)، وكيفية تشكيله لأسس نظرية الحقل الكلاسيكي. يحتوي الكتاب على تلميحات مقتضبة في علوم الرياضيات، ويربط تطور تجاربه في لغة مباشرة واضحة، مستخدماً ما هو متاح من الأدوات البدائية في زمنه، يشرح فاراداي كيف توصل إلى استنتاجاته العميقة ببساطة مذهلة.

فاراداي.. تحفيز الكهرباء

في سيرة ذاتية مكتوبة بأناقة، يكتب هيرشفيلد، الحائز جائزة مؤسسة تمبلتون عن مقال كتبه عن فاراداي: حقق فاراداي اكتشافات مهمة في كل مجال قام بتطبيقه. لقد حقق أول اختراق عندما اكتشف أنه يمكن أن يحفز تياراً كهربائياً عن طريق تحريك المغناطيس داخل ملف من الأسلاك. هذا أدى إلى تطوير الدينامو ومن ثم المحرك الكهربائي الذي نشاهده اليوم، افترض فاراداي أن الكهرومغناطيسية، تصل الفضاء عبر خطوط التدفق. في الكتاب سرد ممتع عن حياة العالم الشاب، الذي عبر عن أفكاره بلغة بسيطة وواضحة، تاركاً مهمة المعادلات الرياضية المعقدة لجيمس ماكسويل، «ماكسويل» الذي كان أينشتاين يعلق صورته على جدار مكتبه، إلى جوار صور مايكل فاراداي ونيوتن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"