عادي
الجدل بدأ ولن ينتهي بخصوص حكم الفيديو المساعد حول العالم

تقنية «الفار».. هل قتلت متعة كرة القدم أم خلصتها من عيوبها ؟

16:25 مساء
قراءة 7 دقائق

إعداد:ضمياء فالح

في العام المنقضي، شهدت كرة القدم العالمية جدلاً واسعاً بعد اعتماد تطبيق تقنية الاستعانة بحكام الفيديو المشهورة اختصاراً ب«فار» في معظم البطولات الكروية حول العالم، وواصل «حكام الفيديو» إثارة الجدل في العالم خصوصاً بعد انتداب البطولات الأوروبية الكبيرة لها مثل الليجا الإسبانية وال«سيري أي» الإيطالية والبوندسليجا الألمانية ناهيك عن الدوري البرتغالي وكرة القدم الأمريكية التي تتبنى التقنية منذ سنوات طويلة.
واكتسبت التقنية أهمية أكبر بعد قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) استخدام «فار» في أدوار خروج المغلوب ببطولة دوري أبطال أوروبا هذا الموسم والذي يبدأ في فبراير المقبل علاوة على نهائي يوروبا ليج هذا الموسم وفي بطولة أوروبا للشباب دون ال21 ونهائيات دوري الأمم الأوروبية الصيف المقبل، ونحن هنا نسلط الضوء في هذا الملف على إيجابيات وسلبيات «فار» المنطلقة من غرفة السيطرة التي تعرف اختصاراً ب«فار».
أثارت «فار» جدلاً بين مؤيد ومعارض للتقنية بعد استخدامها لأول مرة في إنجلترا بكأس الرابطة بين ليفربول وويست بروميتش، وتشيلسي ونورويتش، وفي أمريكا الجنوبية بنهائي كأس ليبرتادوريس 2017 بين ريفر بليت ولانوس وفي كأس القارات 2017 عندما طرد لاعب بالخطأ في مباراة ألمانيا والكاميرون، وحوادث أخرى في الدوري البرتغالي والأسترالي.
المنتج بحد ذاته أمريكي وكرة القدم الأمريكية تستخدم «فار» منذ سنوات طويلة، لكن المناهضين للتقنية يقولون إن حكام المباريات يمارسون عملهم بدقة أقل لأن لديهم فرصة ثانية لمراجعة قراراتهم وهذا ما حدث في مباريات كرة القدم الأمريكية في السنوات الأخيرة إذ عمد حكم المباراة أكثر من مرة لطلب الاستعانة ب«فار» وهذا ما ينال من مصداقية القرارات.
تخيل أنك تشاهد مباراة تنافسية قوية وبعدما تشاهد نجمك المفضل وهو يركض محتفلاً بهدفه الذي ضمن الانتصار في المباراة وتحتفل مع مدرجات فريقه تأتي صافرة الحكم لتشطب الفرحة، شيئاً فشيئاً يتجنب اللاعبون والمشجعون الاحتفال كثيراً بهدف خوفاً من فكرة الإعادة بالفيديو وهذا يقتل إثارة اللعبة وفرحتها، والأدهى من ذلك تعرض اللاعب لإحباط مضاعف في حال احتفل بشكل صاخب بهدف حاسم إذ يتلقى بطاقة صفراء كما حصل مع فرانشيسكو أتشيربي مدافع لاتسيو أمام أتلانتا في الدوري الإيطالي قبل إلغاء الهدف بواسطة حكم الفيديو.
«فار» حاولت التخفيف من وطأة تدخلها في المباريات وأكدت أنها لا تتدخل إلا في حال وجود «خطأ تحكيمي واضح» يتطلب الإعادة بالفيديو لتصحيحه ودعونا لا ننسى أن السبب الأول لدخول تقنية الفيديو هو النجاة من قرارات الحكم الظالمة وظهر من الإحصائيات أن نسبة الدقة في قرارات الحكام كانت قبل تطبيق فار 93 في المئة لكنها ارتفعت إلى 98.8 في المئة بعد تطبيق التقنية رغم أنها لن تحقق نسبة ال100 في المئة أبداً فالهدف الحقيقي من استخدامها هو تحييد القرارات التي يجمع الجميع على عدم صوابها.
ولعل «فار» أيضاً تنظف اللعبة من المحتالين فهي بالمرصاد لكل ادعاء سقوط أو ما يعرف ب«الغطس» وعلق ألكسندر شيفرين رئيس يويفا على استخدامها، وقال: «مستعدون لتطبيق «فار» بوقت مبكر عما خططنا له في البداية ونحن مقتنعون من جدواها في منافساتنا وستقدم مساعدة قيمة لحكام المباريات وتسمح بتقليل نسبة القرارات الخاطئة». وأكد شيفرين أن «فار» يويفا سيختلف عن «فار» مونديال روسيا، وقال: «ليس مختلفاً عنه بل أكثر وضوحاً، برأيي لم يكن «فار» واضحاً بما يكفي للمشجعين الذين لم يكونوا يعلمون بما يجري واللاعبين أيضاً ونحن كذلك لذا تناقشنا مع الخبراء لتقديم نسخة أفضل».
وأوضح رئيس لجنة الحكام في يويفا روبرتو روزيتي ما ذهب إليه شيفرين، وقال: «فار الأوروبي يتبع نفس البروتوكول المعتمد من «ايفاب» مطلع العام الجاري والقائم على الاستعانة بالتقنية في حالات الخطأ الواضحة والقرارات الجائرة للحكم لكنه سيلتزم باللوائح الموجودة في «دليل داخلي أيضاً» والتي تضع حدوداً لتدخل فار».
بيد أن سوء تطبيق «فار» يخلق مشاكل جديدة أيضاً أبرزها التأثير في انسيابية اللعب، هل هذا صحيح؟ دعونا نراجع الإحصائيات التي جمعها مجلس رابطة الكرة الدولي (ايفاب) في دراسة شملت 972 مباراة في 20 ملعباً مختلف الهوية حول العالم والطريف في الإحصائية أن طلب الاستعانة ب«فار» غطى ثلث هذه المباريات فقط والثلثين الباقيين لم يتدخل فيهما «فار» أصلاً، وطلب الحكام استخدام «فار» بنسبة 57.4 في المئة على الحوادث المتعلقة بقرارات منح ركلة جزاء من عدمها وقرارات تتعلق بصحة الهدف المسجل وبنسبة 42.1 في المئة على حالات الطرد وهامش مئوي بسيط على حالات الاشتباه بهوية اللاعب المرتكب للخطأ.
ويعلم المشجعون بتدخل «فار» عندما يضع يده على سماعة الأذن وفي حال سمح بها يشير بيديه في الهواء على شكل جهاز التلفاز ولا يستغرق التدقيق في الفيديو سوى 20 ثانية و15 ثانية أخرى للتوصل لقرار جماعي وهذا نصف الوقت الذي يستغرقه حكم المباراة في تقييم الحادثة مرة أخرى والذي يصل إلى 68 ثانية عادة.
ووفق الإحصائيات يصل معدل تدخل «فار» في المباراة الواحدة إلى 55 ثانية وهذا وقت بسيط مقارنة مع حوادث المباراة الأخرى مثل الركنية التي تستغرق 3 دقائق و57 ثانية والركلة الحرة التي تستغرق 8 دقائق و51 ثانية وضربة مرمى التي تستغرق 5 دقائق و46 ثانية وتبديل اللاعبين الذي يستغرق دقيقتين و57 ثانية والرمية الجانبية التي تستغرق 7 دقائق وثانيتين، ومثل أي شيء جديد، يبدأ «فار» بتقليل الوقت المستغرق في استخدامه مع مرور الوقت والاعتياد عليه.


عودة اللاعبين المعتزلين
قرر الاتحاد الألماني لكرة القدم إنهاء الجدل حول «فار» إلى الأبد وذلك بوضع خطة سرية يعمل بموجبها اللاعبون الذين اعتزلوا اللعب في غرفة التحكم بتقنية الفيديو لمراقبة الأخطاء التي تحدث في المباراة ورصدها أولاً بأول بحكم أنهم خبراء في تصرفات اللاعبين وألاعيبهم.
وعلق رئيس «فار» في ألمانيا الدكتور دريس: «اقتراح استخدام المحترفين السابقين منطقي جداً لأن لديهم نظرة مختلفة عن أحداث المباراة وهذا يساعدنا كثيراً».
وعلق أحد حكام البوندسليجا الذي فضل إبقاء اسمه مجهولاً: «نرحب بأي حل، الوضع مربك بالنسبة لنا أيضاً». وجاء القرار بعد عدة حوادث في البوندسليجا مثل إلغاء هدف لإينتراخت فرانكفورت في الثواني الأخيرة من مباراة أمام هيرتا برلين لتنتهي المباراة صفر-1 وتجاهل غطس ماتيتا مهاجم ماينز أثناء التحامه مع مدافع هانوفر أوسترزولك ليمنح الحكم ركلة جزاء لماينز وتنتهي المباراة 1-1، وتحجج مركز «فار» الألماني الذي يعمل من قبو في كولون بأنه لم يتدخل لأنه لم يكن هناك خطأ واضح.


زيادة أهداف الوقت الإضافي
مع دخول تقنية الفيديو «فار» إلى المباريات حصل ارتفاع في عدد ركلات الجزاء الممنوحة في كل مباراة وارتفاع في عدد الأهداف أيضاً، لذا على المراهنين تغيير توقعاتهم. وبالعودة لإحصائيات مونديال روسيا ارتفع مستوى الدراما في الثواني الأخيرة إذ لم يسبق في البطولات الخمس السابقة أن سجل أكثر من 10 أهداف بعد الدقيقة 90 لكن في صيف 2018 تم تسجيل 20 هدفاً في الوقت الإضافي وهذا يعود لتمديد الوقت بسبب استقطاعات «فار» في المباراة حتى وصل معدل التمديد إلى 7.16 دقيقة لكل مباراة وفق بحث أجرته الصن البريطانية بينما قبل مونديال 2018 كان أعلى وقت تمديد 5.4 دقيقة.


خضيرة: تقنية قتلت اللعبة
علق النجم الألماني سامي خضيرة، لاعب اليوفنتوس حالياً وقال: «كرة القدم يعني عواطف وأدرينالين، الآن لا يعرف اللاعبون هل يحتفلون بهدفهم أم لا وهذا يعني موت اللعبة».
وأضاف: «فار» أيضاً تخطئ كما حصل عند احتساب هدف لأوبميانج، لاعب أرسنال حالياً، عندما سجل بيده هدفاً بقميص دورتموند في شباك شالكه رآه الجميع ولم يتدخل «فار»، كي يكون «فار» منصفاً بحق الجميع يجب أن يستعان به كلما دعت الحاجة وليس بمزاج الحكم.


كارلو: تسرق صداقة لاعبين
كان رد كارلو كارجانيسي رئيس «جلوبال فيتشرز» مغايراً لسام براون، فقال: «هناك سبب واحد لكون كرة القدم أكثر الرياضات شعبية في العالم، وهو بساطتها، لماذا نبحث عن طرق جديدة لإفساد متعة لعبتنا الجميلة؟ عاشق الكرة الحقيقي لم يرَ في «فار» سوى وجهة نظر تكنولوجية تقود إلى كارثة بسبب التوقف من حين لآخر، بعض المراجعات تستغرق أكثر من 5 دقائق يقف أثناءها اللاعبون والمشجعون يدعون الله كي يصدر القرار لصالحهم».
وأضاف: «فار تسرق الصداقة بين اللاعبين لأنها تمنعهم من أن يحتفلوا معاً بهدف زميلهم، وبدلاً من ذلك ينظرون إلى وجه الحكم وإلى يده على السماعة».


البرازيل وإنجلترا تتريثان قبل التنفيذ
رفضت الأندية البرازيلية تطبيق تقنية الاستعانة بالفيديو «فار» في 2018 بسبب ارتفاع كلفتها، وسمح الاتحاد البرازيلي لكرة القدم باستخدام «فار» بشكل تجريبي في بعض مباريات الدوري بعد حادثة مثيرة للجدل في مباراة هزيمة كورنثيانز غريمه فاسكو دي جاما 1- صفر عندما سجل جو الهدف بذراعه.
وعلق رئيس نادي فاسكو دي جاما ألكسندر كامبيلو: «صوتت معظم الأندية ضد استخدام التقنية لأنها مكلفة للأندية، 255 ألف دولار لكل مباريات الدوري، ربما نستخدم فار العام المقبل».
الدوري الإنجليزي الممتاز فضل هو الآخر التريث في استخدام «فار» هذا الموسم بعد تصويت أكثر من ثلثي الأندية ال20 المتنافسة في البطولة على الانتظار لحين تقييم تجربة «فار» في البطولات الأوروبية الأخرى، وأوصت الأندية الإنجليزية بتجربة التقنية في مباريات كأس الرابطة وكأس كاراباو وطالبت بوجود شفافية أكبر بين غرفة التحكم بالفيديو والمدرجات كي لا يُترك المشجعون في حيرة.


سباليتي: لابد من تطبيق التقنية في ال«سيري أي»
قال سباليتي مدرب إنتر ميلان إن «فار» تحول لضرورة في ال«سيري أي»، وأضاف: «الجدل الآن يدور حول عدم استخدامها أحياناً، المباريات التي يستخدم فيها «فار» هادئة لأنه لا يوجد شك بصواب القرارات التحكيمية. في الماضي كنا نصرخ على الحكم لكن قيل لنا الآن إن من يقترب من الحكم أثناء استعانته بالتقنية يحصل على بطاقة صفراء».


سام براون: اللعبة أصبحت أسرع والخطأ البشري وارد
قال سام براون رئيس موقع «جول» الإنجليزي: «طالب البعض بجلب حكام أفضل بدلاً من إدخال التقنية على اللعبة وهذه وجهة نظر ساذجة تجهل معايير توظيف حكام اللعبة اليوم التي أصبحت أسرع بشكل مخيف يجعل الخطأ البشري وارداً لا محالة. كي نطور اللعبة علينا تقبل الأفكار المبدعة التي تحسن من مستوى الأداء كما كان هنري فورد، مؤسس مصانع فورد للسيارات، يقول لو سألت الناس ماذا تريدون لقالوا لي نريد سيارات بسرعة أكبر.
وأضاف: «الفار» لها القدرة على تطوير اللعبة خصوصاً أنها لن تتدخل إلا في حالات البطاقات الحمراء وركلات الجزاء والأهداف المثيرة للجدل أو الاشتباه في الهوية وهناك ملايين الحوادث التي لا تتدخل في حسمها. ما يقال عن أنها تتسبب في إرباك المباراة اسألوا البرازيل التي خرجت من بطولة كوبا أمريكا 2016 بسبب قرار الحكم بوجود شبهة لمس الكرة باليد واستغرق الجدل حول القرار بين الحكم ومساعديه الثلاثة أكثر من دقيقتين وظل القرار الخاطئ قائماً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"