حكم التسول

04:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

التسوّل من الفعل سوِل (بكسر الواو)، أي استرخى بطنه فهو أسول وهي سولاء، وربما تسول جاء من سأل أي استعطى، وفي كلتا الحالتين كلمة التسول مولّدة مستحدثة.
والمتسول هو الذي يذل نفسه حيث يقف أو يجلس على أبواب المساجد، أو يتعلق بالمارة يطلب منهم المال بإلحاح وإذلال نفس أعزها الله تعالى بالقناعة.
والمتسول يظهر بصور متعددة، وأشكال تسيء إلى الدين وإلى الدولة وإلى المجتمع، لأن بعضهم يتظاهر بأنه فقير جداً، فيلبس ثياباً وسخة ومقطعة، وبعضهم يتظاهر بأنه مصاب بمرض خبيث، فيسكب على جسمه ألواناً ومواد مشوهة للجسم، وبعضهم يحدث شقوقاً في جسمه، ليظهر للمارة أنه أجرى عمليات، وربما وضع يده ورجله في الجبس ليقال إن بها كسراً.
أمثال هؤلاء رجالاً ونساءً، لا يتورعون عن ارتكاب أي محرم في سبيل الحصول على المال، مع العلم بأنهم أصحاب أرصدة في البنوك، وليسوا بمحتاجين أصلاً، لكن انتزع منهم الحياء فلم يستحوا من الله تعالى، ومن ثم لم يستحوا من الخلق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم» (رواه الشيخان).
إن الله تعالى يقول: «ولقد كرمنا بني آدم»، ويقول الشاعر:
وذقت مرارة الأشياء طرا

            فما شيء أمرّ من السؤال

هذا إن كان السائل محتاجاً بحق، فكيف لو كان يمد يده إلى الناس وهو ليس بمحتاج، بل مجرد أنه اتخذ التسول مهنة؟ والرسول صلى الله عليه وسلم حث أمته على الكسب الحلال فقال: «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» (رواه البخاري).

وربما قال بعضهم بأن الفقراء موجودون في كل مكان وكل زمان، ولو لم يكونوا محتاجين لما عرضوا أنفسهم للمخاطرة وذل السؤال.

أقول: إن صح ذلك فإن الجمعيات الخيرية مسؤولة عنهم، لأن الله تعالى يقول: «وأما السائل فلا تنهر» ومعنى الآية أن المحتاج يجب أن نسد حاجته من الزكوات التي ما فرضت إلا لأمثاله.

بل حتى المتسول غير المحتاج، يجب أن يعرض على الطب النفسي والأخصائي الاجتماعي، إذ لا يعقل أن يكون كامل العقل ويرضى بمثل هذا العمل.
والمتسول في البداية لا بد أن ما دفعه إلى ذلك واحد من ثلاثة: إما أن يكون قد ركبه دين، وإما أنه أصيب بخسارة في ماله أو شركته، وإما أنه أصابه فقر شديد.
يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بالأزهر: مثل هذا يجوز أن يسأل ويجب أن يعطى، لأن سؤاله مشروع طالما هناك من يشهد له بأنه محتاج.

وفي الحديث عن قبيصة بن المخارق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة، فسأل حتى يصيب قواماً من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من قومه: قد أصابت فلاناً الفاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش ثم يمسك، وما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتاً». (رواه الألباني)

ويتضح من هذا أن عمل المتسولين اليوم غير مشروع، ومن حق الشرع والقانون أن يعاقبهم عليه، لأنه عار في وجه المجتمع، ومدعي الفقر كذّاب، والكذاب ليس له مكان في الإسلام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"