«فيروس» العراق من نوع مختلف

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
سليمان جودة

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية هذا العنوان على لسان مقتدى الصدر موجهاً حديثه إلى ترامب: «أنت صانع «كورونا».. ولا نريد علاجك!»
والقصة أن الرئيس الأمريكي كان قد غرد قائلاً، إن بلاده تقوم بعمل عظيم ضد فيروس «كورونا»، وأن الوضع بالنسبة لهذا الفيروس كان من الممكن أن يصبح أسوأ، لولا ما تبذله الولايات المتحدة الأمريكية من جهد في سبيل وقف انتشاره، والوصول إلى لقاح يعالج مصابيه!
وهذا كلام لم يعجب الزعيم مقتدى فغرد هو الآخر ينصح ترامب بأن يبحث عن شيء آخر يقوله؛ لأنه.. (أي الرئيس الأمريكي).. عدو لله والبشرية؛ ولأن أمريكا هي التي صنعت الفيروس؛ ولأن النسبة الأكبر من المصابين به حول العالم، هي فقط في الدول التي تعادي الأمريكان.
وهذه العبارة الأخيرة في تغريدة الصدر قد تكون صحيحة نسبياً، فباستثناء إيطاليا تظل نسبة الإصابة الأعلى في الصين، التي خاض معها ترامب حرباً تجارية معلنة إلى ما قبل ظهور الفيروس بساعة، والتي تنافس الولايات المتحدة على امتلاك الاقتصاد الأول في العالم.. ثم تظل نسبة الإصابة الأعلى في كوريا الجنوبية.. ولا نزال نذكر كيف أن ترامب قد راح يسخر من فوز فيلم «طفيلي» الكوري الجنوبي بأربع جوائز أوسكار، ويتساءل عن السبب وراء منح الجوائز الأربع إلى هذا الفيلم بالذات، بينما العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول ردت بأن واشنطن تفعل كذا وكذا؟!
وأخيراً تظل نسبة الإصابة الأعلى في إيران، مع ما نعرفه من خصومة سياسية متصاعدة بين الإدارة الأمريكية الحالية وطهران، ومع ما نعرفه من أن الرئيس الأمريكي أعطى تعليمات مباشرة في الثالث من يناير/كانون الثاني، بقتل قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
ولكن القضية عراقياً في تقديري ليست أن «كورونا» صناعة أمريكية، كما يقول الصدر ويغرد، ولا هي أن سيد البيت الأبيض عدو لله والبشرية، ولا حتى أن نسبة الإصابة الأعلى بالمرض هي بين شعوب الدول الثلاث، التي لا يخفى على أحد أن بينها وبين الولايات المتحدة جولات ومناوشات.
لا.. ليست هذه هي القضية عراقياً، ما دمنا نتكلم عن الصدر وعن تغريدته.. ف«كورونا» سوف يستغرق وقته ثم يمضي، تماماً كما مضى «سارس» من قبل، وكما مضى «إيبولا»، وكما سيمضي كل فيروس من هذه العائلة في المستقبل.
الفيروس الأخطر على العراق من «كورونا»، هو فيروس الطائفية الذي لا يريد أن يفارق بلاد الرافدين، ولا يريد أن يمنح الأراضي العراقية الدواء الشافي منه، ومن كل فيروس.. إنني أقصد دواء المواطنة الذي يتعامل مع كل مواطن يحمل الجنسية العراقية، بوصفه عراقياً لا أكثر.. إن كل مواطن يحمل هذه الجنسية في أوراقه هويته هو عراقي وفقط.. ولا يهم بعد ذلك في شيء، ما إذا كان هذا المواطن من بغداد أو من أربيل، وما إذا كان عربياً أو كردياً، وما إذا كان شيعياً أو سنياً.. لا شيء من هذه التفاصيل كلها يهم، إذا حضرت الجنسية العراقية التي تقول بطبيعتها إن صاحبها الذي يحملها هو عراقي ينتمي للعراق ولا ينتمي لسواه.
يتطلع المرء إلى محاولات تشكيل الحكومة العراقية التي تفشل، واحدة بعد الأخرى، لا لشيء إلا لأن هذه التفاصيل حاضرة في مكان مبدأ المواطنة، الذي لو حضر بجد، وبإرادة عراقية خالصة، وصافية، وصادقة، لطرد كل تفاصيل شاذة تملأ الأرجاء وتتمدد في الأجواء.
«كورونا» العراق ليس هذا الفيروس الذي بدأ أول ما بدأ في مدينة ووهان الصينية، ثم راح يقفز فوق الحدود والسدود، غير مكترث بكل ما يعترض سبيله على الخريطة بين الدول.
«كورونا» العراق ليس هذا، وعلى الرغم من حدودها المباشرة مع إيران، فإنه سوف يرحل كما رحلّ في المكان على غير توقع.. «كورونا» الطائفية أخطر؛ لأن دواءها ليس متوفراً في الصيدليات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"