أوكرانيا وتوتر العلاقات بين روسيا والغرب

05:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
تتجه العلاقات بين روسيا من جهة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة ثانية إلى مزيد من التأزم، وتنحو الأمور إلى مُندرجات ربما لم تَكُن بالحسبان . فبعد مرور عام على ضمّ روسيا لجزيرة القُرم التي كانت ضمن السيادة الأوكرانية، بدأت مفاعيل هذا الضمّ تتفاقم، لاسيما أن الأحداث في أوكرانيا لم تهدأ، والاقتتال الذي نشب بين الحكومة المركزية في كييف والقوات الانفصالية الموالية لموسكو في المناطق الشرقية يتصاعد، وتشتدُ حدته، رغم التوقيع على اتفاقية "مينسك 2" التي نصت على وقف إطلاق النار بين الفريقين، وبرعاية روسية وألمانية وفرنسية .
مجموعة من العوامل دخلت على خط زيادة التوتر بين فرقاء الأزمة، وبدأت هذه العوامل تتوسع لتزيد الشرخ القائم بين الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا خصوصاً، وروسيا، ووصل التوتر إلى حد اتهام وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "يحاول تخريب النظام العالمي، وتقويض القوانين الدولية التي تحفظ السلام بين الأمم" . كما أن نائبة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون أوروبا فيكتوريا نولاند، قالت إن موسكو تفرض نظام رُعب في القرم وأوكرانيا، من خلال دعمها للانفصاليين وتدخلها المباشر في أوكرانيا، وفي السياق ذاته جاء تصريح قائد قوات حلف الأطلسي في أوروبا الجنرال الأمريكي فيليب بريدلاف الذي أكد أن موسكو "جعلت من القرم منصة للصواريخ العابرة، وتدخلها في أوكرانيا يُهدد الأمن الأوروبي" .
ومن عوامل التوتر المُتصاعد، إجراء القوات الأمريكية وحلفائها في الأطلسي مناورات عسكرية في البحر الاسود، على مقربة من جزيرة القرم، كذلك نشر 3000 ضابط وجندي، مع أحدث المعدات القتالية، في دول البلطيق، بهدف طمأنة هذه الدول التي تخاف من التمدُد الروسي، كونها خرجت عن وصاية موسكو بعد انحلال الاتحاد السوفييتي في العام ،1990 وتعيش في هذه الدول أقليات من أصول روسية، كما هي عليها الحال في أوكرانيا، وأبرز هذه الدول البلطيقية: لاتفيا وأستونيا وليتوانيا .
أما الرئيس الأوكراني الموالي للغرب بترو يوروشينكو، فقد اتهم موسكو بالتدخُل المباشر في بلاده، وفي دعم الانفصاليين الذين يتمردون على اتفاقية "مينسك 2"، وكشف عن سقوط ما يزيد على 64 قتيلاً منذ التوقيع على هذه الاتفاقية في 15-2-2015 . موسكو لم تقف مكتوفة الأيدي جراء هذه التطورات المُتسارعة، فقد أعلنت الخارجية الروسية تعليق مشاركتها في معاهدت الأسلحة التقليدية في أوروبا، وتوقُفها عن حضور اجتماعات المجموعة الاستشارية المُشتركة مع الاتحاد الأوروبي . وهي ردت على المناورات الأطلسية في البحر الأسود بتدريبات عسكرية واسعة النطاق في منطقة ستافروبل الجنوبية، والتي تقع على سواحل البحر الأسود قرب جزيرة القرم، كما أجرت مناورات بحرية في الشمال .
أما الرد الدبلوماسي الروسي على التهجمات الغربية، ولاسيما منها التصريحات البريطانية المُتشددة، فقد حمل بعض الغرابة، وأيقظ ملفات خلافية بارزة بين الجهتين، منها يعود إلى أيام الحرب الباردة . فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصدر قراراً منح بموجبه عضو البرلمان الروسي اندريه لوغوفوي ميدالية "خدمة الوطن" وهي من الأوسمة المُهمة في روسيا، ولها دلالتها الوطنية في آن واحد . ولوغوفوي مطلوب للعدالة في بريطانيا، بعدما اتهم بقتل الضابط الروسي المُنشق الكسندر ليتفينينكو في لندن العام ،2006 بواسطة مادة البولونيوم المُشع . وليتفينينكو كان مُتهماً بأنه يعمل لمصلحة المخابرات البريطانية، وهو قد أفشى أسراراً عن الكرملين، ونشر بيانات عن فساد مزعوم داخل الحكومة الروسية، بعد هروبه إلى بريطانيا .
يتصاعد التوتر في أوكرانيا، وتتأزم العلاقات أكثر فأكثر بين الولايات المُتحدة وحلفائها الأوروبيين وبين روسيا، بالرغم من المحاولات المُضنية التي تبذلها الدبلوماسية الألمانية للتخفيف من حِدة النزاع . ولكن إقناع ألمانيا للولايات المُتحدة الأمريكية بتأجيل إرسال أسلحة فتاكة إلى الحكومة الأوكرانية، لا يعني بأي حال أن الأمور قد عادت إلى مجاريها بين الطرفين، فالعناصر الخلافية الأخرى أكبر حجماً من ذلك .
تشعُبات الملف الأوكراني تُلقي بظلالها المُعتمة على الملفات الحساسة التي تربُط بين شرقي أوروبا وغربها، وتُهدِد بالتحلل من مُقاربات التعاون التي أرستها مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .
فإضافة إلى الترابط الأمني الاستراتيجي بين روسيا والاتحاد الأوروبي - والذي قد يولد حروباً، كما هو مصدر استقرار - هناك موضوع الغاز، بحيث يعتمد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بأكثر من 60% من استهلاكه . أما التبادلات التجارية الكبيرة بين الطرفين، فلها انعكاساتها الكبيرة على مجرى الأحداث . فالعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بعد ضمها لجزيرة القُرم، أصابت الاقتصاد الروسي بخسائر واسعة، وأدت إلى انخفاض سعر صرف الروبل إلى أكثر من نصف قيمته تجاه العملات الأجنبية . بالمُققابل فإن بلداناً أوروبية رئيسية مُنيت بخسائر جوهرية جراء هذه العقوبات، وأهمها إسبانيا . فهل يُهدئ العقلاء التوتر، أم أن الأمور تتجه نحو مزيدٍ من التصعيد؟ لنرى ملامح المرحلة المقبلة .

د . ناصر زيدان

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"