.. إلى آخر العُمر!

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
سليمان جودة

عاش الدكتور رفعت السعيد الرئيس السابق لحزب التجمع التقدمي الوحدوي، قريباً من الرئيس الراحل حسني مبارك وخصماً سياسياً لجماعة الإخوان، وداعياً إلى مواجهة حقيقية مع الفكر المتطرف، بالتوازي مع مواجهة أخرى لا بديل عنها مع المتطرفين أنفسهم!
وكان، يرحمه الله، لا يتوقف عن الكتابة عن هذه المحاور الثلاثة: قُربه من نظام حكم مبارك، ومن الرئيس تحديداً، وخصومته المطلقة مع الإخوان، ومواجهته التي لا تعرف الهوادة مع أهل التطرف أياً كانت مواقعهم!
وفي العقد الأول من هذا القرن كان قد فرغ من إصدار عدة كتب ذات طابع فكري سياسي، فراح يصدر سيرة ذاتية تحت عنوان ثابت هو: «مجرد ذكريات»! وقد أصدر منها ثلاثة أجزاء على التوالي، وكلها كانت تروي تفاصيل معارك خاضها على المحاور الثلاثة، مع أطراف من سيرته الذاتية مروراً بمراحل العمر على تتابعها واختلافها، وفي نهاية العقد أصدر الأجزاء كلها في مجلد واحد يجمعها بامتداد ما يقرب من ألف صفحة!
ولكنه أصدر قبل رحيله العام قبل الماضي، كتاباً صغيراً يمكن وصفه بأنه كان الفصل الأخير في سيرة ذاتية طالت وامتدت.. كان عنوان الكتاب: «ما تبقى من ذكريات».. ومن عنوانه نفهم أنه يستجمع الذكريات الباقية التي لا ذكريات بعدها!
كانت الذكريات الباقية عن مرحلة ما بعد ال ٢٥ من يناير ٢٠١١، وقد كان شريكاً مع أطرافها كلها في ما جرى خلالها، سواء كان الطرف وقتها هو المجلس العسكري الذي عهد إليه مبارك بإدارة شؤون البلاد، بعد تخليه عن السلطة في ال ١١ من فبراير من نفس العام، أو كان الطرف هو الأحزاب التي كانت قائمة في مرحلة ما قبل ال ٢٥ من يناير، أو التي نشأت بعد ذلك اليوم، أو كان الطرف هو جماعة الإخوان والأحزاب ذات التوجه الإسلامي السياسي معها!
وهو يروي في الكتاب ما تبقى من ذكرياته عن تلك المرحلة، التي أعقبت ما يسمى ب «الربيع العربي»، وكيف أن جماعة حسن البنا قد راحت منذ اللحظة الأولى تجهز نفسها، ثم تهيئ الأجواء من حولها، للوصول إلى مقاعد الحكم أملاً في طول البقاء فيها!
ومن بين ما يرويه أنه التقى ذات يوم مع ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري، يذكرهم بالاسم، وأن حواراً قد جرى بينه وبينهم حول قضايا مختلفة، وهي ما توصف بأنها قضايا الساعة، وكان موضوع مبارك من بين تلك القضايا، بل وفي المقدمة منها كما يحكي ويسرد!
سأله أحد الأعضاء الثلاثة عما يجب فعله مع مبارك.. وكان معنى السؤال أن المجلس كان حائراً في هذا الموضوع، ولم يكن يدري ماذا عليه أن يفعل فيه، وكيف يمكن أن يتصرف مع رجل كان إلى شهور قليلة مضت وقتها ملء السمع والبصر، وكان قابضاً على خيوط الحكم الذي مكث فيه ثلاثة عقود!
وكان رد الدكتور السعيد على السؤال، أن أفضل شيء يمكن لمبارك نفسه أن فعله، أن يختار مكاناً يعجبه خارج البلاد، فيغادر إليه، لعله يرفع الحرج عن نفسه وعن المجلس في ذات الوقت! وقد فوجئ صاحب الذكريات المتبقية، عندما سمع من الأعضاء الثلاثة، أن أحد الملوك العرب عرض بشكل مباشر استضافته، وأن الرئيس الأسبق هو مَنْ رفض بإصرار، وتمسك بالبقاء في بلاده إلى آخر العمر!
أردت من وراء هذه الحكاية أن أشير إلى أن مبارك، يرحمه الله، عاش يعرف عن يقين معنى الانتماء إلى تراب الوطن، وأن النشأة العسكرية كان لها بالتأكيد دور في هذا اليقين!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"