الأردن ومخاطر الوضع الإقليمي

04:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

يعيش الأردن في المرحلة الراهنة، تحديات جيوسياسية وأمنية تتسم بصعوبة بالغة نتيجة لمحيطها الجغرافي الشديد التعقيد، وقد تضاعفت المخاطر الناجمة عن هذا الجوار الإقليمي المضطرب، منذ إقدام الولايات المتحدة على غزو العراق سنة 2003. ويسهم الصراع الدولي حول النفوذ في سوريا في فرض مزيد من التحديات على القيادة والنخب السياسية الحاكمة في الأردن؛ وبخاصة أن جار السوء الذي ابتليت به المملكة الهاشمية خلال سبعين عاماً على حدوث نكبة فلسطين مع نهاية الأربعينات من القرن الماضي، بات منخرطا هو الآخر في تفاصيل الأزمة السورية التي تعرف الآن تطورات دراماتيكية تشبه إلى حد بعيد أحجية البيضة والدجاجة.
ويمكن القول إنه وبالرغم من الجهود الجبّارة التي بذلتها الدولة الأردنية بقيادة الملك عبد الله الثاني، من أجل تجاوز الصعوبات الداخلية والمخاطر الخارجية، إلا أن المحيط الإقليمي ما زال يفرض على المملكة وضعاً استثنائياً، نتيجة استقبالها لأكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، مقارنة بدول الطوق الأخرى التي تمتلك حدوداً مشتركة مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي». وقد أثّرت حالة عدم الاستقرار التي شهدتها عدة أقطار عربية مع مطلع سنة 2011، في الوضع السياسي والمؤسساتي في المملكة، وتجلى ذلك من خلال حدوث سلسلة متوالية من التغييرات على مستوى الجهاز التنفيذي للدولة، نتيجة عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على الإيفاء بالاستحقاقات التي فرضتها هذه المرحلة البالغة الدقة والحساسية بالنسبة لكيان الدول الوطنية، وذلك بالرغم من النجاحات الباهرة التي حققها الاقتصاد الأردني، الذي يعاني أصلاً شحاً كبيراً في مصادر الموارد الطبيعية مقارنة بجيرانه العرب.
بيد أن هذه التحديات الداخلية التي أتينا على ذكرها، لا يمكن أن تقاس من حيث تأثيرها في استقرار الأردن، مع التهديد الكبير الذي يشكله الوضع الإقليمي المضطرب، فعلى مستوى الصراع مع «إسرائيل»، أدى اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، إلى خلط جديد للأوراق، لاسيما أن الأردن معنيّ مباشرة بإدارة الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس الشرقية، وتفرض عليه حالة الضعف العربي الراهن وتراجع فاعلية منظومة الأمن القومي المشترك، مزيداً من التعقيدات فيما يتعلق بإدارة ملف القدس، وذلك فضلاً عن حالة الانسداد الذي بات يعرفها مسلسل التسوية السلمية المتعلق بالقضية الفلسطينية، نتيجة لإقدام واشنطن على إطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى من اتفاقيات أوسلو.
كما يظل الوضع على مستوى الحدود مع العراق هشاً إلى حد بعيد، نتيجة للمشاكل الداخلية الكبيرة التي ما زالت تواجهها بغداد على مستوى إعادة بناء منظومتها السياسية، وذلك بالرغم من النجاحات التي تم تحقيقها على مستوى تحرير القسم الأكبر من الأراضي العراقية التي كان يحتلها تنظيم «داعش» الإرهابي. إذ إن التحالف الاستراتيجي الواضح لقسم معتبر من النخبة السياسية العراقية مع المرجعيات السياسية والدينية في إيران، يجعل القيادة الأردنية تشعر بقلق بالغ تجاه أجندة طهران في المنطقة القائمة على مبدأ تصدير الثورة، وبالتالي فإن بقاء الممارسة السياسية في العراق مرتبطاً بمبدأ المحاصصة الطائفية، ليس من شأنه أن يقدّم إشارات مطمئنة لعمّان بشأن المستقبل السياسي للعراق على مدى السنوات المقبلة.
وتأتي الفوضى الدولية والإقليمية الحاصلة في سوريا لتزيد الطين بلّة، بالنسبة لدولة صغيرة ومتواضعة الموارد مثل الأردن، إلى درجة أنها تجد صعوبة كأداء في بلورة موقف سياسي حاسم بشأن ما يحدث من تحوّلات غير مسبوقة على الأراضي السورية، نتيجة للتضارب الكبير في مواقف الأطراف المتصارعة على النفوذ في هذا البلد العربي الجريح. حيث إن الموقف الأردني المتوازن بشأن الأزمة السورية والمدافع عن الوحدة الترابية للدولة السورية وعن سيادتها، يقف على طرف نقيض مع التحركات المريبة للأطراف الأخرى، مثل «إسرائيل» وإيران والولايات المتحدة، وبخاصة تركيا التي تعاظم مستوى تدخّلها في تفاصيل المشهد السوري، وتضاعفت عمليات توغلها العسكري داخل التراب السوري خلال الشهور الماضية؛ وذلك فضلاً عن عملية خلط الأوراق التي تقوم بها الجماعات المسلّحة التي تمتلك أجندات غامضة. وبالتالي فإن هذا الخلط والتداخل على مستوى مسرح الأحداث يضيّق بشكل كبير من هامش المناورة بالنسبة للقيادة الأردنية فيما يتعلق بالتعامل مع الملف السوري، إذا ما أرادت أن تجنّب نفسها تبعات الدخول في خصومات غير محسوبة العواقب مع القوى الدولية والإقليمية.
إن المقولة السياسية الرائجة التي تؤكد أن الجغرافيا تصنع السياسة، تصدق بشكل كبير على الحالة الأردنية، التي تجد فيها القيادة السياسية المحنّكة والحكيمة لهذا البلد نفسها، مجبرة على التعامل مع حدود جيوسياسية ملغّمة وقابلة للانفجار في أي لحظة، ففي عصر السماوات المفتوحة، يواجه الأردن الجدران «الإسرائيلية» الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية وإلى حرمان اللاجئين من حقهم المشروع في العودة؛ كما يواجه على حدوده الأخرى كثباناً من الرمال المتحرّكة على امتداد جغرافية دولتين عربيتين كبيرتين، تعيشان في المرحلة الراهنة لحظات استباحة غير مسبوقة لسيادتيهما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"