العرب في «إسرائيل» يقاومون

03:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان

العرب في قطاع غزة والضفة الغربية يقاومون «إسرائيل» بالسلاح. العرب داخل «إسرائيل» يقاومونها بالاقتراع في الانتخابات. لماذا؟
لأن عرب غزة والضفة ليسوا مواطنين «إسرائيليين» ومن حقهم تالياً أن يقاوموا الاحتلال، بينما العرب داخل «إسرائيل» مواطنون، أو يُعتبرون نظرياً كذلك، ويحظر عليهم تالياً مقاومة السلطة القائمة.
هكذا كان الوضع في جميع دورات الانتخابات الماضية، لكن في الانتخابات القادمة في 2 مارس/آذار، الأمر مختلف. فالعرب داخل الكيان مدعوون إلى المقاومة المقاومة المدنية ليس إلا لأنهم لا يعتبرون أنفسهم مواطنين. الليبراليون واليساريون اليهود في «إسرائيل» يشاطرونهم هذا الرأي ويقولون لهم: اليهود الصهاينة لا يعتبرونكم مواطنين، فكفّوا عن التوسل إليهم.
كيف تكون المقاومة المدنية؟ بالاقتراع في الانتخابات؛ بل بالاقتراع بكثافة لتكبير حجم المعارضة في الكنيست (البرلمان)، وبالتالي زيادة تأثير العرب في الشأن العام عموماً وفي مؤسسات الدولة خصوصاً.
أطراف المجتمع العربي في الكيان «الإسرائيلي» يدركون هذه الحقيقة، لكنهم ما زالوا حائرين ومترددين حيال ما يجب عمله في هذا الشأن، فقد توصلوا أخيراً إلى التوافق على قائمة مشتركة لخوض الانتخابات. هذه خطوة مهمة، لكنها لا تكفي. الخطوة الأهم هي تعظيم الإقبال على الاقتراع، فكثافة الاقتراع كفيلة بزيادة مقاعد القائمة المشتركة من 13 إلى 15 على الأقل.
غير أن العرب في «إسرائيل» منقسمون حيال مسألة الاقتراع، بعضهم يرى فيها أداة مثمرة ومؤثرة، وبعضهم الآخر لا يرى فيها جدوى. يدلل هؤلاء على محدودية دور النواب العرب في الكنيست. اللافت أن الليبراليين واليساريين اليهود، وهم قلة، لا يكفون هذه الأيام عن تحريض العرب على الاقتراع بكثافة في الانتخابات، والكف عن الرهان على الأحزاب والسياسيين اليهود لتحصيل حقوقهم.
أبرز المحرضين المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس» جدعون ليفي الذي نشر مقالة فيها 2/ 3/ 2020 بعنوان «أيها العرب في «إسرائيل» كفى توسلاً». قال لهم: «إسرائيل» موحدة في ازدرائها لمواطنيها الفلسطينيين، إنه بُصاق بنيامين نتنياهو الذي لا يتوقف عن التحريض ضدكم والتحدث عن شراكة مع أحمد الطيبي كما لو أنها شراكة مع الشيطان. لا يقل عن ذلك بُصاق جانتس الذي تراجع بحقارة وجبن عن إمكان الشراكة معكم. إنه حتى بصاق تحالف حزب العمل حركة ميرتس (اليساري) التي كانت مجموعة المرشحين العشرة الأوائل في قائمته الانتخابية قومية (عنصرية) صافية».
زاد من حيرة أطراف المجتمع العربي إعلان الرئيس الأمريكي ترامب «صفقة القرن». إنها خطة خطرة لأنها، بحسب عضو الكنيست عايدة توما سليمان، تدعو للقضاء على حل الدولتين وتتضمن «بند الترانسفير وحرمان أكثر من 300 ألف مواطن عربي من الجنسية».
يحار قادة الرأي في المجتمع العربي بين موقف يدعو إلى وضع «صفقة القرن» في قلب جدول الأعمال والبرنامج الانتخابي للقائمة العربية المشتركة، وبين موقف التشديد على مسألة المواطنة وضرورة مساواة المواطنين أمام القانون؛ إذ لا وجود لحقوق مدنية من دون مواطنة كاملة ومساواة، غير أن جاكي خوري، المراسل السياسي ل«هآرتس» 2020/2/12 يرى أن الحديث عن «صفقة القرن» أخذ يتحوّل إلى رافعة تؤدي إلى زيادة نسبة التصويت، «ما يمكن أن يلعب لمصلحة القائمة المشتركة».
لعل المخرج من الحيرة هو في التركيز على المسألتين: معارضة «صفقة القرن» ومسألة المواطنة والمساواة أمام القانون. البروفيسور مصطفى كبها (شارك في صوغ برنامج القائمة المشتركة) والدكتورة رولا هردل (المحاضرة في العلوم السياسية بجامعة القدس)، يدعوان إلى اعتماد نهج التركيز على المسألتين معاً لتحفيز الناخبين العرب على تكثيف المشاركة في الاقتراع.
جدعون ليفي وكل أنصار زيادة تمثيل العرب في الكنيست هم على حق في أنه السلاح الأمضى لتعظيم تأثيرهم في الساحة الداخلية «الإسرائيلية». هل تفيد مقاومة العرب المدنية في «إسرائيل» القضية المركزية الفلسطينية؟
نعم. تفيدها كثيراً؛ لأنها تُبقيها قضية حية نابضة، وتُشعر الشعوب في كل أرجاء العالم بأن الفلسطينيين شعب حي ومصمم على استعادة حقوقه كافة، لاسيما حقه في أرضه وحقه في العودة إليها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"