الوطنية.. حبٌّ وعطاء

03:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
عائشة تريم

تعريف الوطنية في أبسط أشكالها هو «حب المرء لبلده». حتى مطلع الثمانينات، كان هذا التعريف، على الرغم من بساطته كافياً ليعبر المرء عن انتمائه لوطنه. لكن اضطراب الأجواء السياسية العالمية بعد ذلك، والانفتاح الكبير على العولمة وما نتج عنه من تمازج بين ثقافات الشعوب المختلفة، إلى جانب ارتفاع معدل الهجرة، جعلت تسليط الضوء مجدداً على التعريف السابق للوطنية حاجة ملحة.
«الوطنية»، كلمة قوية تتباين فيها المشاعر من شخص إلى آخر ومن شعب إلى شعب. لأجل ذلك بدأ الفلاسفة يلقون الظلال على هذا المفهوم الذي أضحى تأويله مشوشاً، مختلف الدرجات والانعكاسات. فالوطنية، بغض النظر عن مظاهرها المتنوعة، تنبع من الحب، الاحترام والمثل الإنسانية الثابتة. ولقد اكتشف علماء النفس أن مفهوم السعادة عند البشر، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشاعر الحب، تلك الأحاسيس الكامنة فينا والتي تقف وراء كل تصرفاتنا.

قد نظن أننا نفهم معاني الحب، لكننا قد نقف مكتوفي الأيدي حين نرى شخصين كلا يحب الآخر بطريقته التي تفرضها عليه شخصيته. ويرى علماء النفس لهذا الاختلاف علاقة بتجارب الإنسان وما يمر به من أحداث خلال مرحلة الطفولة؛ فبعض الناس يحبون بشغف، والبعض الآخر يصابون بجنون الحب.. هناك من يخجل من التعبير عن عواطفه، وهناك من يحب بغير شرط.. وما الوطنية إلا نتاج الشعور بالحب بكل خصائصه وتنوعه، لذا فإن التعبير عنها يختلف باختلاف الأشخاص والشخصيات.
إن حب الإنسان لموطنه دفق عاطفة تتداخل فيها مشاعره مع قواعد أخلاقية تشكل جزءاً لا يتجزأ من هويته. وكما كل أشكال الحب، تتخذ الوطنية مظاهر متعددة، ويكون التعبير عنها خاصاً لدى الأفراد في المجتمع الواحد. فالوطنية مثلاً، يمكن أن تتجسد في الانحناء في الشارع لإزالة أذى عن الطريق، أو في الانخراط في الخدمة الوطنية وخدمة المجتمع. وقد تتمثل في دعاء يتضرع فيه المرء إلى الله ليحمي الوطن والأمة.
إذا كان هذا هو مفهوم الوطنية الذي يرقى بالمشاعر إلى أعلى المستويات مهما اختلفت طبائع البشر، فإن ما نشهده حالياً على مواقع التواصل الاجتماعي، يلقي الضباب على كل ما علق في أذهاننا من مثل عليا. فمع اضطراب الأجواء السياسية التي لم يسبق لها مثيل في منطقة الخليج، ومع زيادة حدة التوتر واحتدام العواطف، نصَّب الكثيرون من أنفسهم قضاة وجلادين، وكأن مواقع التواصل تحولت إلى محكمة يحق لأي كان أن يصدر فيها حكمه على الآخر! هذا وطني، وذاك جاحد للوطن... إنه لذنب عظيم أن نحكم على الناس بناء على مشاعر خاصة. فمن يرد إظهار حبه لبلده، من خلال الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتعبير عن آرائه أو دحض الاتهامات أو حتى الدخول في شجار و مهاترات ليس منها أيُّ طائل، فليفعل.

بالمقابل، ثمة من يعبر عن حبه لوطنه بالعمل الجدي والدائب بعيداً عن النقاشات السفيفة، وكل غايته رفعة بلاده والارتقاء بها عالياً.
فلننفذ وصية مؤسس هذه الأرض الطيبة، والدنا الشيخ زايد، رحمه الله وطيب ثراه، حين قال: «إن أول واجبات المواطن أن يعمل ليلاً ونهاراً لرفع مستواه وبالتالي رفع مستوى أمته».
نحن كمواطنين نفتخر بانتمائنا لأرض هذا الوطن، علينا أن نرقى بنقاشاتنا، وأن نواجه الصعاب بكل وعي، فحين يطرح الإنسان رأياً على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، فإنه يمثل نفسه ويعكس مدى حضارته ورقي فكره، والتعبير بهذا المستوى، ليس إلا عملاً وطنياً عظيماً.
لا بد أن نتحد، ولا نستسلم لإغراء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي ليس هدفها إلا إلقاءنا في الوحل، وعلينا ألا ننظر ضمن أفق ضيق فنتسلى بتوجيه الاتهامات لبعضنا البعض. فلنتذكر أن التعبير عن الوطنية ليس متشابهاً لدى الجميع، وأن الحقيقة المؤكدة هي ذلك الشعور بالحب تجاه الوطن والأرض، الذي لا يخضع لمعايير وهمية على الإطلاق.
إنَّ كل من يقيم على أرض دولة الإمارات العظيمة، من مواطنين ووافدين، هم أبناء زايد الخير وفاطمة الإمارات.
نحن جميعاً أبناء خليفة المعطاء، وأبناء محمد بن راشد الملهم، وأبناء سلطان المربي... ونحن جميعاً جنود متأهبون للانخراط في جيش أبي خالد الهُمام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"