بعد هزيمة كلينتون.. شباب أمريكا يرفعون أصواتهم بآمال أوباما

03:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
عائشة عبدالله تريم

في التاريخ لحظات يقف المرء عندها فترسخ في الذاكرة، لأنها لا تشكل محطات مستقلة بحد ذاتها، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما يحيط بها من ظروف وعوامل... هي لحظات تأبى أن تقبع في الذاكرة بمفردها بحقائقها التاريخية، فيصاحبها مكان حدوثها بما فيه من صور وأحداث. ويمكن القول إن فوز دونالد ترامب المجلجل بكرسي الرئاسة الأمريكية هو إحدى هذه اللحظات التي لا تنتسى، وسيعرف العالم ما تعني لحظة ذلك الفوز في صفحات التاريخ الحديث..
المتابعون لانتخابات الرئاسة الأمريكية عاشوا لحظات من الترقب إلى أن جاء فوز ترامب ليحسم الموقف، فاختلفت ردود الأفعال بين الاستهزاء والقلق، وتعالت الأصوات المؤيدة وتلك المعارضة، وبين صخب الأصوات والهتافات، كان هناك صوت حشرجة أصغت إليه الآذان، وهو صوت الولايات المتحدة نفسها وهي تتأوه من عظم الضربة التي تلقتها من ديمقراطيتها، وكأن أمريكا التي اعتادت الوقوف على قدميها بكل عز وفخر، أطلقت النار على نفسها وغرقت في غيبوبة استفاقت بعدها لتتلمس ما أصابها بيد محمومة فتدرك مقدار ما ألم بها.
وحين استفاقت البلاد من هول ما حدث، دب الذعر لدى الشعب الأمريكي عامة، ولدى جيل الشباب الذي شعر بقسوة الضربة أكثر من غيره؛ فلقد كان الشباب يسمعون صيحات ترامب وهو يتحدث عن العنصرية والتمييز، لكنهم صعقوا أكثر بعد خطابه الأول المحشو بالكراهية والعنصرية وتأكدوا أن ما كان يردده ترامب بات أكثر واقعا وقوة بعد فوزه!
أمريكا المعروفة بديمقراطيتها، لم تعد تهتف باسم الحرية، بل باتت تخاطب الناس بلسان الفرقة والتفرقة، وباتت تضع الأغلال في أيدي شعبها وعقولهم. وجيل الشباب الذي نشأ على خطب الأمل خلال حملة باراك أوباما وأثناء حكمه، يأمل أن يحقق اليوم ما كان يصبو إليه، لكنه بدا بعد فوز ترامب منكسراً وخائباً، فقد شكل له الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية صدمة تركت على الوجوه آثار الخيبة والخسارة. فالشباب الأمريكي لم يكن يسعى إلى فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات، لكنه كان يتوق إلى الانتصار على غايات ترامب وأهدافه العدوانية.
عوامل كثيرة جعلت الشباب الأمريكي يعاني الارتباك، وما زال الجانب المظلم من الانتخابات يخضع للتحليل والنقاش على الرغم من مرور أسابيع على تولي ترامب سدة الرئاسة الأمريكية. فلقد بدا الرئيس الجديد خلال خطابه الموجه إلى الشعب الأمريكي ثملاً بفرحة الفوز، مبهوراًً أكثر من أي إنسان بالمفاجأة، فبعد عامين من حملة انتخابية كان خلالها أعنف ما يكون، بدا لطيفا، رؤوفاً ومطواعاً، وتلفظ بكلمات وتعابير لم يعتد العالم سماعها منها!
لقد أخفقت وسائل الإعلام في إظهار الصورة الحقيقية للجانب المظلم من أمريكا خلال الانتخابات وبعدها، فلم تخفف من مدى الكراهية والضغينة التي تميزت بها خطابات ترامب خلال حملته الانتخابية التي بنيت على سوء الفهم مغفلة إلى حد ما، جهل جيل الشباب بما يجري، إلا من رحم ربي.
إن سياسة ترامب في تعريف الهوية الموجهة نحو أمريكا المحرومة مادياً والمعزولة ثقافياً، والتي نمت في الأساس تحت تأرجح الاقتصاد وغياب التمويل التربوي، بدورها نجحت في خلق كيان ساحق موجه نحو الحكومة السابقة. تم تغذيته بالمقارنة مع إدارة أوباما التي وعدت بالاستقرار الاقتصادي وتوفير فرص عمل أفضل، و كانت هيلاري امتداداً للذراع نفسها.
إن مشاهدة نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تذكرنا بالانتخابات التي جرت في مصر عام 2012، عندما رفع الشعب الغاضب والمنهك صوته ضد النظام القائم آنذاك، فكانت النتيجة فوز جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بمحمد مرسي. وتوجت الصدمة حينذاك بمسيرة هائلة خرج فيها مئات الآلاف من المصريين، غالبيتهم من الشباب، مطالبين بمحاكمة مرسي. واليوم، نشهد ما لم تعرفه الولايات المتحدة منذ ما يقارب أربعين سنة حين تجمهر المواطنون مطالبين بحجب الثقة عن ريتشارد نيكسون، فها هم الناس يحتشدون في جميع أنحاء البلاد مطالبين بعزل دونالد ترامب، هاتفين: «دونالد ليس رئيسي». فالشباب الأمريكي الذي اعتاد أن ينظر إلى بلاده كرمز للتنوع الثقافي والديني وبأنها أرض الحرية والأحرار، يتعامل حاليا مع واقع مغاير يتمثل بخطاب الكراهية والتمييز العنصري ويتخذها أساساً له.
وها هو الشباب الأمريكي يصرخ عاليا ليسمع العالم صوته، على الرغم من أن سياسة أمريكا الخارجية واضحة تماما، فبعد ثماني سنوات كانت إدارة أوباما تلقي فيها المواعظ وتدعو إلى الوحدة والتفاف الأمريكيين حول بعضهم بعضاً، كان هناك رد فعل يتأجج تحت نيران الحروب على بعد آلاف الأميال وسط عولمة تتحرك بسرعة فائقة، جاعلاً أمريكا بمعظمها تترنح باحثة عن العزاء في شعور قومية مشوه!
قد يكون لخسارة هيلاري كلينتون على المدى الطويل تأثير أكثر فائدة لمستقبل أمريكا مما نتخيل، فإذا كان عهد أوباما قد زرع الأمل في نفوس الشباب وغرس في داخلهم الاعتقاد بضرورة احتضان الخلافات واستيعابها، فإن هزيمة هيلاري الساحقة أيقظتهم على حقائق من اللامبالاة وإن كانت قاسية. وها هم يرفعون أصواتهم معترضين على كل المثل العليا التي لا تحجب الحقائق وتكسو بلادهم وحدها بثوب من الظلام، بل تؤثر على مستقبل العالم بأسره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"