جزء من الكعكة.. أو لا شيء

03:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
سليمان جودة

وسط الصخب الكبير الذي صاحب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عما يسميه «صفقة القرن،» توقفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية في عددها الصادر، صباح الثلاثاء ٢٨ من يناير/ كانون الثاني، يوم الإعلان عن الصفقة، أمام نقطتين جديرتين بالاهتمام والاعتبار.
وليس سراً أن مصطلح «صفقة القرن»، كان ظهر في دنيا السياسة في المنطقة، مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة، قبل ثلاث سنوات تقريباً من الآن.
وقد دار حديث طويل حول هذه الصفقة على مدى شهور مضت، من دون أن يعرف المتحدثون عنها في أغلبيتهم، ماذا تعني بالضبط، ولا لماذا أطلقت عليها الإدارة الأمريكية الحالية هذا المسمى.. وكانت في أغلب الأحوال تبدو أمامنا كأنها قط أسود في غرفة مظلمة. لقد ظلت تبدو كذلك طوال الوقت، إلى أن اختار ترامب لها ذلك اليوم من دون مقدمات، للإعلان عنها وعن تفاصيلها.
وعلى مدى أسابيع وشهور ماضية كان الرئيس الأمريكي يحدد الكثير من المواعيد للإعلان عن صفقته القرنية.. إذا صح التعبير.. وكان في كل مرة يتراجع ويقول إنه سيحدد موعداً جديداً، إلا هذه المرة الغريبة التي صدق فيها، فخرج على العالم بمعالم صفقة ظلت غائمة وشغلت الكثيرين.
فماذا قالت الصحيفة الأمريكية الشهيرة، وهي تعلق على الصفقة في نفس يوم الإعلان عنها من جانب صاحبها في البيت الأبيض؟
كانت النقطة الأولى التي استوقفت الصحيفة، واستوقفت غيرها بالضرورة، أن صاحب الصفقة دعا رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، وزعيم المعارضة «الإسرائيلي» بيني جانتس، لحضور الإعلان عن الصفقة، ولكنه في الوقت نفسه تجاهل دعوة الطرف الفلسطيني، الذي هو طرف أصيل في القضية، شأنه شأن الطرف المدعو بالضبط.. بل إن الطرف الفلسطيني يتقدم بالتأكيد لأنه يظل صاحب الأرض.
وهذه نقطة ضعف كبيرة في الصفقة كلها من حيث الشكل، بخلاف نقاط الضعف الأخرى المتعلقة بمضمونها، وهي بدورها كثيرة ومتعددة، ولا نهاية لها.
تجاهل ترامب دعوة الطرف الفلسطيني، رغم أن هذه الرؤية التي يطرحها حلاً، هي الأكثر تفصيلاً منذ أن قامت «إسرائيل» عام ١٩٤٨.
والنقطة الثانية بين نقطتين استوقفتا الصحيفة الأمريكية، التي أخرجت الرئيس ريتشارد نيكسون من البيت الأبيض، في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، وجاءت بالرئيس جيرالد فورد في مكانه، أن الصفقة التي راح جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، يروج لها على مدى ما يقرب من عامين، تضع الفلسطينيين أمام التفاوض على جزء من الكعكة.. أو لا شيء على الإطلاق.
ولم تذكر الصحيفة بالطبع، حجم هذا الجزء من الكعكة.. فمن قبل الصفقة وعلى مدى سنين، كان يقال دائماً إن الفلسطينيين الذين رفضوا قرار التقسيم في نوفمبر/ تشرين الثاني عام ١٩٤٧، قد انتهوا إلى التفاوض حول 22%‏ بالكاد من الأرض، وقد كان القرار المرفوض من جانبهم في حينه يمنحهم نصف الأرض تقريباً.
وفي كل الأحوال، فإن أفضل تعليق على الصفقة في تقديري، هو التعليق الروسي الذي قال إنها مجرد مبادرة من مبادرات مطروحة للحل، وإن واشنطن ليست هي التي تطرح تسوية لحل القضية.. أما لماذا ليست هي التي تطرح تسوية؟ فلأنها منحازة إلى طرف من دون طرف، ولأن انحيازها واضح للعين المجردة، وهذا ما يفقدها الصفة الأهم بين صفات الوسيط في مثل حالتها.. فليس وسيطاً مَنْ لا يكون نزيهاً بين الطرفين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"