حتى أنت يا «أونغ سان سوتشي»!

03:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. أمينة أبو شهاب

بغض النظر عن الهوية الثقافية الحقيقية والانتماء الفكري، يكفي أن يكون الاسم أو حتى جزء منه عربياً أو إسلامياً (هنا لا فرق لديهم) كما هو اسم مذيعة الـ «بي بي سي» الشقراء ميشال حسين حتى يتسبب بإثارة ردود فعل معينة تندرج في إطار بعينه.
وهذا بالنسبة لمـــن هم في أعلــــى المستويات السياسية والثقافــــية وليس أولئك المحســــوبين على العامة أو أفراد المجتمع العادييـــــن. «دارلينغ» الــــسياسة و الثقافة في الغرب أو مدللتها العزيزة «أونغ سان ســــوتشي» التي يلحظ كل من يتابع الإعــــلام الغربي مدى حضورها الدائم في أخباره كتعبير عن المكانة الرمزية التي تحظى بها والتي توجت بمنحها جائزة نوبل لجهودها من أجل الديمقراطية في بورما، لا تطيق شخصياً الإسلام حتى ولو ظهر طيفه في مجرد أصول لاسم صحفية غربية قلباً وقالباً.
بعد أن ظهر خبر غضبها وعبارة «لم يبلغني أحد أن مسلمة هي التي ستجري المقابلة معي» على صفحات الصحافة الغربية، هل سيفكر أحد بسحب جائزة نوبل للسلام من هذه الزعيمة المتنورة للغاية والغربية التفكير؟ هل من الممكن أن يكون الإسلام والتمييز ضد المنتسبين إليه سبباً لنزع الجائزة، أو حتى لظهور «هاشتاغ» غالب في وسائل التواصل الاجتماعي في بلاد الغرب يشنع و يدين عنصرية أو مركزية ثقافية غربية جديدة أو متجددة ليست عنصرية العبارة التي قيلت خلف الكاميرا إلا صداها و ترددها البعيد، أم أن «الهاشتاغات»الشعبية جداً والكاسحة هي فقط التي تحصر الإسلام وتصنفه وتضعه في موقع المتهم و الشرير، و كل ما هنالك من توصيفات تطفح بها ثقافات المركزية الغربية مضافا إليها الاستشراق الإمبريالي الذي يشهد صحوة فائقة الحضور.
في الأيام القليلة الماضية كانت «الهاشتاغات» المتصدرة غربياً هي من نوع «أوقـــــفوا الإسلام»، وزاد دونالد ترامب من عيار تطــــــرفه في دعوة لاقت استقبالاً قوياً في أرض خصبة مهيأة ومستعدة وكانت تقول: «أغلقوا الحدود»، وهي حدود أمام الإسلام كما في «هاشتاغ» أوروبا وحدود أمام اللاجــــئين السوريين والعراقيين. أما المرشح الأمريكي الآخر المنافس فكان يطلق فكرة غيتو العصر وحبس المواطنين المسلمين في أمريكا بداخله وذلك في أحيائهم تماماً كما كان وضع اليهود في أوروبا القرون الوسطى.
الغرب الذي عمم العولمة وفرضها بالرضا والكره ثقافة وحيدة على العالم كله، يبدو اليوم وكأنه يبني متاريسه الثقافية ويشحذ أنياب ومخالب تعميماته ومفاهيمه الشوفينية والعنصرية الموروثة التي لم تفلح عقوداً من النقد الذاتي في العلوم الإنسانية وآلاف من الدراسات والبحوث محاولة لفهم «الآخر» الثقافي وبناء الجسور معه في زحزحة سيادتها الفكرية. وهذا ليس لدى النخب فحسب بل لدى رجل الشارع العادي.
ليس أوبــــاما وحــده الذي يفكـــــــر بطريقة استشراقية إذاً مميزاً بين إسلام عربي (يجب ألا يكون) وآخر غير عربي وبالتالي مقبول، وإنما رجــــــل الشارع العادي يهيئه الإعلام لقبول فكرة «الإرهاب الإسلامي» التي صارت عبارة عادية يطلقها السياسيون الغربيون دون تحفظ.
استنكر المواطنون المسلمون في الغرب الأحداث الدموية المروعة في بروكسل وباريس وبكى كثيرون منهم على الضحايا مثلهم مثل شركائهم الآخرين في المواطنة، ولكن ذلك لن يمنع استهداف دينهم ورموز ثقافتهم في أكبر حملة تمييز ثقافي يشهدها عصر الحداثة هذا الذي نعيشه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"