حقوق العامل وتعثر الاقتصاد

02:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. لويس حبيقة *

في الولايات المتحدة هنالك 4 ملايين شخص يعيشون من الإكراميات في المؤسسات السياحية وغيرها، ثلثا العدد من النساء. علماً أن أجر الساعة هو أدنى عند النساء.

تتغير أسواق العمل مع تغير المجتمعات وهيكلية الاقتصادات. لم يحصل العامل على حقوقه الكاملة بسهولة عبر التاريخ، بل تطلب ذلك الكثير من النضال حتى في أعرق الدول الغربية. احترام حقوق العامل لم يكن يوماً طبيعياً، بل حمته القوانين والمؤسسات العامة لأن الرغبة في قضم حقوق الفقراء والضعفاء والعمال تبقى دائماً كبيرة. لم يأت عيد أول أيار بسهولة كعيد للعمال أو للعمل، إذ يبقى الخلاف قائماً حول التاريخ بين 15 وأول اثنين من أيلول. أوضاع العامل تختلف من مجتمع إلى آخر، لكن الحقوق تبقى حتى اليوم غير كاملة وغير محترمة كلياً في معظم الدول حتى لا نقول جميعها.

إن وجود نمو أو ركود هما عاملان أساسيان في التأثير في طبيعة وهيكلية أسواق العمل. في أوقات التعثر، يصعب على المواطنين إيجاد وظائف دائمة ويتم الاتكال على العمل المؤقت أي لساعات قليلة في النهار أو لأيام معدودة في الأسبوع أو الشهر أي باختصار عامل الوقت غير محدد ويتغير. توظف الشركات «غب الطلب» تبعاً لحاجاتها مما يفيدها خلال الظروف الصعبة بالرغم من أن التوظيف المؤقت لا يكفي المواطن للعيش الكريم. من ركائز الاقتصاد الرأسمالي أو اقتصاد السوق توفير الوظائف الدائمة بالشروط المقبولة تبعا لعمليات العرض والطلب. من مصلحة الشركات توظيف العامل بشكل دائم لأن تغيير العمال يضيع الوقت ويضعف الإنتاجية. لذا التوظيف المؤقت يجب أن يكون قسرياًَ، فهو لا يمكن أن يشكل الحل للإنتاج والولاء والاستمرارية. لا شك في أن المواطن العادي عبر خصائص وظروف وشروط عمله دفع ثمن تعثر الاقتصاد الدولي. أصبح العامل اليوم أفقر وعرضة للمخاطر لأن دخله تدنى نتيجة العمل المؤقت عوض الدائم مما سبب توسع الشرخ بين الأغنياء وما دون.

اقتصاد العمل المؤقت كان تاريخياً الأساس والطبيعي في عمل الموسيقيين وموظفي المطاعم والفنادق والسائقين، لكنه أصبح اليوم يعم معظم القطاعات بسبب الظروف العالمية الضيقة. في الولايات المتحدة هنالك 4 ملايين شخص يعيشون من الإكراميات في المؤسسات السياحية وغيرها، ثلثا العدد من النساء علماً أن أجر الساعة هو أدنى عند النساء أو 9.8 دولار مقارنة ب 12.95 دولار للرجل. المشكلة في فارق الأجر بين المواطنين أنه لا يعود إلى الإنتاجية بل إلى الأمور الموروثة منذ عقود التي تميز بين الرجل والمرأة وبين الأعراق ضمن الأجناس الواحدة، وهذا في غاية الظلم ويضر بالعمل والإنتاجية. يشكل العمل المؤقت حلاً مهماً أو مخرجاً في ظروف دقيقة إذ يصبح الخيار للمواطن بينه أو لا عمل. أصيبت حقوق العمال المعتمدة تاريخياً على الضمانات الاجتماعية والصحية لهم ولعائلاتهم والتي تترافق مع العمل الدائم في مؤسسة أو شركة أو حتى في القطاع العام. شعور المواطن بعدم الاستقرار يضعف إنتاجيته وإيمانه بمستقبل اقتصاده. توافر الهواتف النقالة والخليوية في السنوات العشر الأخيرة سمح للمواطن بالعمل المؤقت أو حتى من خارج المكتب مما أفاد العمل النسائي من المنزل عندما تقضي الظروف العائلية به. سهل هذا الواقع على الشركات تجنب التوظيف الدائم واللجوء إلى المؤقت الذي يفي بالحاجات في ظروف اقتصادية متعثرة. الوظيفة المؤقتة ليست الحل لا للمواطن ولا للشركة، لأن العقد الاجتماعي وبالتالي الإنتاجية تصاب في صميمها وهذا ليس في مصلحة الفريقين.

هنالك فارق مهم بين الاقتصاد المشارك «Sharing»والاقتصاد المؤقت «Gig»حيث في الأول هنالك أصول تستثمر ارتكازاً على خبرات معينة كما يحصل مثلاً في نشاطات شركة «AirBNB» التي تسمح باستئجار غرف في المنازل بأسعار أقل مما تعرضه الفنادق. نجاح الشركة أفاد القطاع السياحي العالمي وسمح للعائلات بتحقيق دخل إضافي هم بحاجة إليه. أما في الاقتصاد المؤقت، فالمثال الأفضل هو خدمات شركة «أوبر» حيث تكون العلاقة خدماتية فقط فلا تستعمل الأصول فيها مباشرة من قبل الطالب. انتشار هذه الشركات خفض الأسعار ورفع الحركة الاقتصادية وسهل على المواطن الانتقال.هل يستمر ازدهار الاقتصادات الجديدة وما الحل للبطالة المتفاقمة في أسواق العمل خاصة في الدول النامية والناشئة؟

أولاً: من ناحية الطلب، لا شك في أن التطور التكنولوجي ضيق الدورة الاقتصادية وجعل الشركات تواجه تحديات أكبر وأسرع. خسرت الشركات عامل الوقت لتلبية حاجات السوق براحة. تضطر الشركات إذاً لتوظيف عمالة متحركة لتلبية طلب سريع متغير لا يمكنها الاتكال عليه بشكل دائم. هذا يكون تحدياً أيضاً للعامل المؤقت الذي لا يمكنه الاستقرار والاطمئنان.

ثانياً: تحديد الأجر في الأسواق الجديدة يعتمد على طبيعة العمل أو الخدمة كما على كفاءة وخبرة العامل التي تبقى مهمة حتى في الأعمال المعتبرة عادية كخدمة المنزل أو المطعم أو الفندق.ثالثاً: الشركات الناجحة هي التي تدير نفسها بذكاء. الشركات المفلسة هي التي تسيء معاملة موظفيها وعمالها ولا تتأقلم مع طبيعة الأسواق أي تبقى المرونة أساس النجاح. لا يمكن لأي شركة أن تنجح إذا لم تكن سلعها أو خدماتها مرغوب بها في الأسواق. رابعاً: ترتكز الأسواق الجديدة على أمور ثلاثة أساسية هي التكنولوجيا والتغير الديموغرافي والمرونة في أوقات العمل. هنالك تمييز واضح بين الوظيفة التي تتطلب حضوراً في أوقات معينة وأيام معينة والعمل الذي يعني أداء المهمة في الليل أو النهار .

خامساً: ما هي المزايا التي يجب أن يتمتع بها العامل في الاقتصاد المؤقت كي ينجح إذ إن التحديات أكبر والآمان الوظيفي غير موجود. أولاً المطلوب الشجاعة والصلابة في مواجهة التحديات لأن ظروف العمل مختلفة. اليأس ممنوع والقدرة على المواجهة مطلوبة. ثانياً، المطلوب أن يتمتع الشخص بالمرونة لتحمل ضبابية العمل وبالتالي القدرة على استيعابها والتأقلم معها. ثالثاً، يجب أن يستطيع الشخص حل المشاكل التي تواجهه حتى في الأعمال البسيطة.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"