خلدون سنجاب.. حالة لا تستعصي على الإمارات

02:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
عائشة عبد الله تريم

تكاد أخبار اللاجئين الفارين من الموت تطغى على الأخبار اليومية في وسائل الإعلام ؛ أناس يهربون من موت يطاردهم ويتربص بهم، يبحثون عن ملاذ آمن عبر حدود لا يعرفون ما وراءها، حاملين معهم أمل العيش في أجواء مستقرة تشعرهم بطعم الحياة الذي فقدوه.
كثيرون منهم، وبأعداد يكاد العقل لا يستوعبها يصادفون الموت الذي يفرون منه في طريقهم، فتعوم أجسادهم في البحر وسط أمواج كانوا يأملون أن تكون وسيلة لنجاتهم.
في أحيان كثيرة، يخيل للمرء أن كل البشر على الأرض صاروا لاجئين، وأنه لم يتبق إلا فئة قليلة من الناس تستيقظ صباحاً على رنين منبه الساعة وليس على دويِّ صفارات الإنذار.
ولأن البعض يعيشون في عالم يسوده الأمن والأمان، تراهم لا يتفاعلون مع صور بائسين أو صور جثث تطفو على سطح البحر ينفطر لها القلب حين تعرضها وسائل الإعلام المختلفة. كذلك، وفي أحيان كثيرة، تبدو أعداد المهاجرين وكأنها تعني جزءاً واحداً من العالم لا علاقة للآخرين به. فهل على أولئك الذين يرزحون تحت وطأة الصراعات والحروب أن يتحمّلوا البؤس والشقاء، وأن يكابدوا المعاناة والألم وحدهم؟
ووسط الأمواج البشرية الهائلة، قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تمييز حالات إنسانية تصارع الحياة في قلب المعاناة. وهنا يأتي دور وسائل الإعلام في تسليط الضوء على حالات البؤس والشقاء وتوضيح الصور المأساوية، فيراها العالم كحالات فردية يتعاطف معها وليس كعدد بين كمٍّ من الأعداد الهائلة تحملها لنا الإحصاءات كل يوم.
وهذا ما فعلته في الواقع صحيفة «الخليج» حين نشرت تقريراً عن لاجئ سوري يقيم في لبنان حيث نزح مع عائلته ؛ «اللاجئ السوري خلدون سنجاب.. دماغ مبدع في جسد مشلول». كان ذلك عنوان التقرير الذي اطلع العالم من خلاله على حالة إنسانية ينفطر لها القلب وتدمع لها العيون.
خلدون سنجاب شاب تعرّض في أحد الأيام لحادث مأساوي فقد على أثره الحركة في أطرافه الأربعة. وبذلك، تحوّل ذلك الشاب البالغ من العمر حينها سبعة عشر عاماً من طالب متفوق يزخر بالحيوية والنشاط في مدرسته في العاصمة دمشق إلى مشلول طريح الفراش. ومن بطل رياضي في فريق السباحة الوطني إلى إنسان مقعد عديم الحركة. ومع أن خلدون فقد الإحساس في جسده لكنه لم يفقد الأمل في الحياة، فواصل دراسته وأتقن اللغة الإنجليزية، وتخصص في برمجة الحاسوب. وقد دفعه تمسكه بالحياة كما إرادته القوية إلى مواصلة المسيرة كما لو أنه إنسان معافى، فعثر على فرصة عمل في مجال تخصصه ثم تزوّج وصار أباً.
وواصل خلدون تحديه لصفعات الحياة ليستمر في العيش مثل أي شخص آخر أنعم الله عليه بالعقل والذكاء.. لكن الحرب التي تخوضها سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، أرغمت خلدون على هجر منزله واللجوء إلى لبنان حيث الكهرباء تنقطع من وقت إلى آخر فيتوقف جهاز التنفس الذي يمده بالأوكسجين فتتعرض حياته للخطر.
بعد نشر التقرير عن حالة خلدون، تعاطف الكثيرون معه على مواقع التواصل الاجتماعي، وعرضوا عليه السفر إلى الخارج، فتقدم متحمساً بطلب لجوء إلى كندا والمملكة المتحدة، ولكن الجهات المعنية رفضت طلبه، وكان تبريرها أنه إنسان منتج ولديه وظيفة تساعده على العيش فهو إذاً ليس في حاجة ماسة إلى اللجوء. ولم يأخذ أحد بعين الاعتبار أن انقطاع الكهرباء في لبنان لأكثر من اثنتي عشرة ساعة أحياناً قد يطفئ شمعة حياته!
توسل خلدون إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكن توسلاته لم تلقَ آذاناً صاغية. ولكن الله الذي لا ينسى أحداً، منَّ عليه باستجابة من دولتنا الحبيبة التي تتابع الكثير من الحالات الإنسانية والتي يشكل فعل الخير جزءاً لا يتجزأ من أهدافها. ففي الإمارات صوت الإعلام لا يسمع فقط، إنما يُعمل على توجيهه، وبفضل جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتفاعل وزير الخارجية والتعاون الدولي سمو الشيخ عبد الله بن زايد، انتقل خلدون سنجاب وأسرته في غضون أشهر قليلة إلى أبوظبي حيث يشرف عليه مستشفى «كليفلاند كلينك أبوظبي».
الإمارات لا تعرف حدوداً للتعاطف الإنساني، فبمجرد أن علم قادتها بوضع خلدون تحرّكوا بهممهم العالية ومنحوه فرصة حياة يستحقها من غير أن يحتاج إلى مناشدة العالم للتعاطف مع حالته.
إني لأشعر بالسعادة والفخر أن أكون مواطنة في دولة تضع نصب عينيها أعمال الخير والإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"