روسيا وجورجيا.. أين الصراع وأين الصداع؟

05:49 صباحا
قراءة 4 دقائق

قبل سنتين (3 أكتوبر/تشرين الأول 2006)، كان قد صدر من موسكو تقرير مشترك عن تايمز وسي إن إن، وكان التقرير يحمل عنوانا ظريفا يصح ترجمته إلى العربية بتصرف: يدور هنا بين روسيا وجورجيا الصراع.. فلماذا وكيف وصل إلى رأس الرئيس الأمريكي الصداع؟..

والصداع الكلي والنصفي، رغم اختفائهما كليا هذا الأسبوع عن رؤوس البشر بفضل انشغال 15% من سكّان العالم بأولمبياد 2008 في الصين التي (بمفردها) لايقل سكانها عن 3.1 مليار، إذ فاقت أعداد المنشغلين بأولمبياد هذا العام مثيلتها بأثينا التي جذبت 9.3 مليار عام ،2004 وبسيدني التي جذبت 6.3 مليار مشاهد عام،2000 إلا أن هذا السباق الرياضي الودي المحموم عالمياً بنعرات هل من مزيد من المتفرجين؟، لم يؤثر في السباق القتالي الناري الحامي الوطيس الذي دار في الأسبوع نفسه بين روسيا وجورجيا بنعرات هل من مزيد من القنابل والدبابات والطائرات وبزج المزيد من الجنود والمقاتلين طعماً ووقوداً لمهرجان النار والدخان في الفضاء، لينتج المزيد من الجثث والأكوام على الأرض.

لكن وما أن أعلن يوم الثلاثاء في موسكو عن إيقاف طبول الحرب بتصريح من مكتب الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف مفاده أن العمليات العسكرية الروسية قد توقفت الآن في جورجيا وإذا بتصريحات اللوم والعتاب لرؤساء الدول الكبرى تتراشق على الإعلام كالمطر، وعلى رأسها تحذيرات وإدانات الرئيس الأمريكي جورج بوش، وتصريحات وبشائر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن الحرب قد توقفت، كما وصل في اليوم نفسه رؤساء الدول الخمس التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي سابقا، وهي بولندا وأوكرانيا ودول البلطيق الثلاث إلى تبليسي لإعلان تضامنهم مع جورجيا، وخاطب الرئيس البولندي ليخ كاشينسكي روسيا من أرض المعركة: زمن الهيمنة قد ولّى ياروسيا، بينما اتهم الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو الرئيس الأمريكي بتحريض رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي بمهاجمة إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي في جورجيا، وأكد كاسترو في مقال نشره الموقع الإلكتروني الرسمي كوباديباتي أن جورجيا لم تكن لترسل قواتها المسلحة إلى تسخينفالي عاصمة الإقليم من دون الحصول على موافقة مسبقة من بوش الذي يمثل خنجراً خفياً في قلب روسيا.. إلى جانب الدول السبع والعشرين في حلف الأطلسي، التي أكدت بالإجماع وبأقوى لهجة ضرورة احترام سيادة جورجيا وسلامة أراضيها. وكانت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل قد انضمت قبلهم إلى الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في منطقة سوتشي الروسية الواقعة على البحر الأسود في إطار جهود ألمانيا والأوروبيين لإنهاء الحرب، ورحبت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بإعلان روسيا وقف العمليات العسكرية في جورجيا، هذه هي الاتجاهات العالمية المتنوعة التي انصبت كلها يوم الثلاثاء العظيم (ان صح التعبير) في اتجاه واحد: وقف الحرب، وقف القصف، وقف الغزو، وقف الاحتلال!

لو كان لي جناح لما توانيت أن أطير فورا إلى تلك الاتجاهات لأسأل قياداتها: أين كنتم عندما كانت تقصف عواصم عربية وإسلامية أكثر من مرة بقنابل أشد وطأة على سكانها من روسيا وجورجيا، وبطائرات يملكها نجوم سلام اليوم؟ اين كنتم عندما قصفت فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان وكشمير وغيرها؟

الغريب أن بعض الحروب تقف وراءها عصابة من الأذكياء يحملون صفارة موحدة مبرمجة معا بطبول الحرب وبجرس الإغلاق، فتأمر معا بعنجهية افعل، ثم تنهي معا وبنفس العنجهية: لا تفعل، أو توقف الآن.. لكن الأغرب هذه المرة تزامن هذا (الثلاثاء العظيم) مع وقوف عميد الحروب والصواريخ (إيهود أولمرت) في المنطقة أمام الإعلام العالمي بغصن السلام للفلسطينيين مع الجانب الإسرائيلي المحتل، وذكرت صحيفة إسرائيلية هآرتس: أن أولمرت اقترح انسحاباً اسرائيلياً من 93% من أراضي الضفة الغربية ويحصل الفلسطينيون على أراض بديلة في المنطقة المجاورة لقطاع غزة وعلى مرور آمن بين غزة والضفة من دون إجراءات رقابية، على أن تحتفظ اسرائيل بنسبة 7% من أراضي الضفة الغربية.

أولمرت هذه المرة شغل نفسه بإبعاد الشبهة العالمية عن مساومات تل ابيب في تسليح موسكو لدمشق وطهران كما حللتها يوم الأحد (يديعوت احرونوت) الإسرائيلية، بأن المعارك التي اندلعت بين روسيا وجورجيا وجهت الانظار ضمن أمور أخرى إلى الدور المكثف لإسرائيل في المنطقة. وهذا الدور الإسرائيلي يتضمن صفقات لبيع السلاح المتطور إلى جورجيا وتدريب قوات المشاة للجيش الجورجي، وان مبيعات السلاح الإسرائيلي إلى جورجيا بدأت قبل نحو سبع سنوات في أعقاب مبادرة من مواطنين جورجيين هاجروا إلى إسرائيل وأصبحوا هناك رجال أعمال، ومصدرا للصناعات العسكرية ووكلاء للسلاح مقابل ميزانيات مالية ضخمة تخصصها جورجيا للواردات الحربية من تل أبيب، خاصة وأن وزير الدفاع الجورجي الحالي دافيد كزرشفلي هو من اصل إسرائيلي يتكلم العبرية بطلاقة، ويترك بابه مفتوحا أمام الإسرائيليين.

وتزامن أيضاً هذا الثلاثاء بانسحاب القوات الجورجية من العراق كثالث أكبر دولة تساهم مع الولايات المتحدة بعد بريطانيا في المنطقة الخضراء. هذا يعني أننا نحن العرب كنا طيلة هذا الأسبوع الماضي إلى جانب أولمبياد الصين، أمام فبركة مهرجان أولمبياد آخر، أبطالها رؤساء على وشك نهاية حكمهم ورؤساء آخرون جدد دخلوا القصور توا، يبحثون معا عن جوازات سفر مشتركة للوصول أو العودة إلى القمة والشهرة على حساب عمى الألوان العربي الإقليمي.

* كاتب إماراتي

[email protected]

www.unipex.org

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب إماراتي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"